دفعت التهديدات الناشئة حديثاً النخب الغربية إلى خيانة مبادئها الليبرالية المعولمة علناً سعياً للحفاظ على سلطتها، وتجلى ذلك في الارتداد عن العولمة وتقنين حرية التعبير بالنسبة إلى اليمين الشعبوي.
ترافقت الردة الغربية الجديدة عن قيم “حرية السوق”، و”حرية حركة رأس المال”، و”قدسية الملكية الخاصة”، و”تحجيم الدور الاقتصادي للدول”، في حيز الاقتصاد، مع الإسقاط العلني لقيَم “حرية الوصول إلى المعلومة”، و”حرية الرأي والتعبير والفكر والمعتقد”، و”جمالية التعددية”، في حيّزي الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.
لكنّ الغرب الجماعي بدأ فرضَ العقوبات والحصارات أو تجميد الأصول ومصادرتها أو التدخل السافر في آلية عمل السوق أو حركة رأس المال عبر الحدود قبل الحرب الأوكرانية، كما بدأ سعيه لتوجيه وسائل الإعلام والثقافة عموماً (انظر مثلاً كتاب “من دفع للزمار؟ الـ CIA والحرب الباردة الثقافية”، الصادر عام 2000، من تأليف فرانسيس ستونر سوندرز).
ولطالما عانى مناهضو الصهيونية وأنصار حركات المقاومة العربية أشد أنواع التقييد والحظر والشطب من طرف إدارات وسائل التواصل الاجتماعي، ولا سيما تطبيق “فيسبوك”، في حين ظلت الديكتاتورية الليبرالية قادرةً على الحفاظ على أقنعتها ما دام المستهدفون بإجراءاتها القمعية محسوبين على “الهامش المجنون” في الغرب ذاته، أو معدودين من خارج دوائر العولمة عموماً، حتى لو مثلوا أغلبية ساحقة خارجه.
لم تبدُ محاربة المحتوى الفلسطيني والمقاوم على وسائل التواصل الاجتماعي، على سبيل المثال لا الحصر، ارتداداً عن أيديولوجية حرية انسياب السلع والخدمات ورأس المال والأفكار والمعلومات عبر الحدود من دون قيود، ولا سيما مع حساسية مقولة “معاداة السامية” غربياً.
على العكس تماماً، كلما اتخذ رأس المال المالي الدولي طابعاً ربوياً ومضارباً غير منتج، أصبح أكثر يهوديةً، بحسب تعبير كارل ماركس في كتيب “في المسألة اليهودية” (1844)، وكلما أصبح بالتالي أكثر اندماجاً، من الناحية الأيديولوجية، مع “اليهودي العملي”، بحسب تعبير ماركس في الكراس ذاته.
يصبح الذوبان في المقولة الصهيونية، في هذا السياق، دفاعاً عن العولمة ذاتها، ويصبح تهميش المحتوى الفلسطيني والمقاوم أقل إثارةً للحساسيات الليبرالية إزاء “حرية الرأي والتعبير” في الغرب، لأن التماهي مع كل ما هو يهودي من أهم أبعاد الليبرالية الحديثة التي تمثل أيديولوجية العولمة. ومهما أصرّ البعض منا أنه ليس ضد اليهود أو اليهودية، بل ضد الصهيونية فحسب، فإن ذلك لا يغيّر شيئاً؛ لأن المنظور الليبرالي الحديث يعدّ “المحرقة” بقرةً مقدسة لا تمس، ويعدّ الصفة الكوزموبوليتية المعولمة لليهود مقياساً أعلى لما يجب أن يكون عالمياً، ويعدّ نشر “التعددية الثقافية” (والجنسية وغيرها) الشرط الأمثل لمنع تكرار “المحرقة” المزعومة، ولتقبّل نفوذ اللوبيات الصهيونية وتدخلاتها.
لا نتحدث هنا عن أقلية مضطهَدة، إذن، كي “نتبرع” بالاستعداد للتساوي معها، بل عن كتلة مندمجة برأس هرم رأس المال المالي الدولي، فإما أن تقر لها بالسمع والطاعة وإما أنك عدو، من كوريا الشمالية إلى إيران إلى الوطن العربي إلى أميركا اللاتينية… ولا يجوز أن ننسى أبداً أن الصهيونية ليست احتلال فلسطين والجولان فحسب، بل حركة عالمية ذات نفوذ عالمي. ومن يتجاهل تلك الحقيقة يتجاهل حكمة عمرها آلاف السنين هي: “اعرف عدوك” (يقال إنها ظهرت أول مرة في كتاب “فن الحرب” لصن تزو في القرن الخامس قبل الميلاد).
في ارتداد النخب الغربية عن مقولات العولمة
من الطريف أن بريطانيا وشركة الهند الشرقية شنّتا “حرب الأفيون” الأولى على الصين، عام 1839، كي تفرضا عليها القبول بـ”حرية التجارة” و”حرية البيع والشراء” مع الغرب (ومنه الأفيون الذي كانت تبيعه بريطانيا للصينيين جهاراً نهاراً). وشنّت بريطانيا وفرنسا “حرب الأفيون” الثانية على الصين أيضاً، عام 1856، تحت الشعار ذاته. أما اليوم، فإن الغرب الجماعي ذاته، تحت قيادة الولايات المتحدة، يحارب الصين كي يقيّد صادراتها إليه ويعيق استثماراتها لديه.
لكنّ الغرب الجماعي وجد نفسه، بعد تطور ديناميكيات العولمة في اتجاهاتٍ أضعفت وزنه العالمي اقتصادياً وسياسياً، أمام حقيقتين لا مفر من مواجهتهما:
أ -نشوء مراكز قوى عالمية وإقليمية جديدة خارج المتروبولات الغربية، وعلى رأسها روسيا والصين اللتان تمثلان مشاريع مستقلة تستند إلى دول قوية ليست نخبها الحاكمة جزءاً من منظومة رأس المال المالي الدولي، وتمتلك الدولة حصصاً كبيرة من اقتصادها.
ب – وقوع انقسام عمودي داخل المجتمعات الغربية نفسها بين القوى المتضررة من العولمة من جهة، والقوى الداعمة لها من جهةٍ أخرى، وعبّر ذلك الانقسام عن نفسه سياسياً بصراعاتٍ بين اليمين الشعبوي من جهة، والليبرالية المعولمة، المتهمة زوراً في الغرب بأنها “يسار”، من جهة أخرى.
دفع هذا التهديد النخب الغربية إلى خيانة مبادئها الليبرالية المعولمة علناً سعياً للحفاظ على سلطتها، وتجلى ذلك في أمرين:
أ -الارتداد عن العولمة علناً، من خلال فرض إجراءات مركنتيلية أو حتى حربية، لمحاصرة روسيا وتحجيم الصين، وللحفاظ على تفوق الاقتصاد الأميركي، ولو على حساب أوروبا، كما في حالة قانون مكافحة التضخم الذي تبناه الكونغرس الأميركي.
ب – تقنين حرية التعبير بالنسبة إلى اليمين الشعبوي، مثال حظر الرئيس السابق ترامب من وسائل التواصل الاجتماعي، وتقنين حرية الوصول إلى المعلومة، مثال حظر الاتحاد الأوروبي وسائل الإعلام الروسية على أراضيه.
كم يختلف هذا، من المنظور الغربي، عن محاربة المحتوى الفلسطيني والمقاوم في وسائل التواصل الاجتماعي! لا بل يمكن القول إن تزعزع منظومة العولمة، اقتصاداً وقيماً، وارتداد أربابها عنها وتراجع سطوتها أيديولوجياً ساهم إلى حدٍ ما في تبرعم نفسٍ غربي داعم للقضية الفلسطينية، لأن للمسألة وجهين، فكما تتعزز الصهيونية مع هيمنة رأس المال المالي الدولي، أي مع هيمنة الإمبريالية، كذلك تتراجع سطوة الصهيونية مع تراجع هيمنة رأس المال المالي الدولي، وتتعزز القضية الفلسطينية كلما تعززت مناهضة الإمبريالية.
المهم هنا هو انقلاب الليبراليين على ليبراليتهم من دون خجل؛ حفاظاً على سلطتهم المهددة، إذ لم تعد إجراءاتهم القمعية تطال من يمكن تسميتهم بـ”خوارج العولمة” أو “محور الشر” المزعوم أو حركات المقاومة المتهمة، غربياً وصهيونياً، بممارسة “الإرهاب”، بل راحت تطال أقطاباً رئيسية في الاقتصاد العالمي، أو في البنى الداخلية للمجتمعات الغربية ذاتها.
مثالان بارزان من وسائل التواصل الاجتماعي
لنا هنا أن نأخذ مثالين بارزين:
1) مثال تطبيق “تويتر”: بعد استحواذ الملياردير إيلون ماسك على تطبيق “تويتر” للتواصل الاجتماعي نهاية شهر تشرين الأول/أكتوبر الفائت، شرعت الإدارة الجديدة للتطبيق في رفع الحظر عن آلاف الصفحات المحظورة سابقاً، كان من أبرزها حساب الرئيس السابق ترامب، وحساب الملياردير الأميركي كانييه وست Kanye West، الذي حُظِر على تطبيقي “تويتر” و”انستغرام” بذريعة ملاحظات على صفحته عدّت “معادية للسامية”.
بدأت الدولة العميقة الأميركية، منذ ذلك الوقت، تضيّق على إيلون ماسك، وتهدّد بملاحقته قانونياً بذرائع شتى، وردّ ماسك بكشف آلاف الوثائق التي تظهر حجم الرقابة والتقييد في “تويتر”، قبل استلامه إدارتها، ضد ترامب وأنصاره واليمين الشعبوي عموماً.
ماسك بالطبع هو مالك الحصة الأكبر في شركة “تيسلا” للسيارات الكهربائية، وفي شركة “سبيس أكس” للسفر الفضائي، وهو صاحب شركة “ستارلنك” التي تزود أوكرانيا بصلات الإنترنت عبر أقماره الصناعية، والتي باتت عنصراً رئيسياً في إدارة الحرب من طرف هيئة الأركان الأوكرانية. وكان ماسك قد صوّت لمصلحة جو بايدن ضد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة. فهو يعد من “عظام الرقبة” إذا صح التعبير.
لكنّ التزام إيلون ماسك بالخط الليبرالي حرفياً، ودفاعه المطلق عن حرية التعبير، بعيداً عن الحسابات السياسية الضاغطة للنخبة الحاكمة، أدخله في تناقض حادٍ في الأشهر الأخيرة مع الدولة العميقة الأميركية.
ومع ذلك، فإن ماسك ذاته عاد وحظر حساب كانييه وست عندما تجرأ الأخير في بداية الشهر الجاري على نشر نجمة داوود وفي داخلها صليب نازي معكوف. فذلك تجديفٌ لا يجرؤ حتى ليبرالي عقائدي مثل إيلون ماسك أن يتقبله.
قصة كانييه وست قصة كبيرة بذاتها، وهو بالأساس مغنٍ ومنتج أغانٍ ومصمم أزياء، ولكنه يخسر حالياً ثروته الكبيرة بسرعة متزايدة مع تزايد حصار الشركات التي يتعامل معها عليه (على رأسها شركة “أديداس” للألبسة الرياضية)، بسبب إصراره على مواجهة البقرة المقدسة في العالم الغربي، وما تبع ذلك من اتهامه بـ”معاداة السامية”.
لقد أرادت “المؤسسة” أن تجعل من كانييه وست عبرةً لمن اعتبر. وكان ما استجر عليه نقمتها منشوران فحسب، منع بعدهما من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي فيما راحت وسائل الإعلام ووسائل التواصل تتناوله بحملات تشويه يُمَنع التصدي لها أو الرد عليها من دون أن ينصره نصير.
كانييه وست، بالمناسبة، ليس من العرق الأبيض بل أفريقي-أميركي، فهو بكل تأكيد آخر من يمكن اتهامه بـ”العنصرية البيضاء”. لكن ذلك لا يهم، لأنه تطرق إلى نفوذ اليهود في الغرب، وبمقدار ما يضعف الدافع الذاتي، أي الأيديولوجي، لتقديس تلك البقرة، بمقدار ما يصبح اللجوء إلى فرض تقديسها فرضاً، بقوة القانون أو غيره، ضرورياً.
2) مثال تطبيق “تيك توك”: أقر مجلس الشيوخ الأميركي بالإجماع قبل أيام تشريعاً يحظر تحميل تطبيق “تيك توك” الصيني المعروف، وتطبيق “وي تشات” (تطبيق صيني معادل لـ”فيسبوك”)، على أي حاسوب أو جهاز إلكتروني تابع للحكومة الفيدرالية الأميركية. كذلك أصدر حكام 11 ولاية أميركية أوامر تنفيذية بحظر “تيك توك” على أي جهاز تملكه الولاية، وما برحت الولايات تنضم إلى ذلك الحظر الواحدة تلو الأخرى.
كذلك يجري تداول مقترح تشريع حالياً، برعاية الحزبين الجمهوري والديمقراطي، لحظر “تيك توك” تماماً في الولايات المتحدة، وحظر تحميل أي تطبيق تواصل اجتماعي مصدره “دولة معادية” من المنظور الأميركي، وتسمّي مسودة التشريع روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية وكوبا وفنزويلا.
الذريعة أمنية طبعاً، وهي أن تلك التطبيقات يمكن أن تستخدم للتجسس ولتكوين بنوك معلومات عملاقة عن المواطنين وللتأثير في الرأي العام والتلاعب به سياسياً وثقافياً، وهو تماماً دور وسائل التواصل الاجتماعي المسيطر عليها غربياً في العالم. ويبدو أن الإدارة الأميركية تعد ذلك “حلالاً” عليها وحراماً على الآخرين.
لكنّ الحملة لحظر تطبيق “تيك توك” تواجه صعوباتٍ عمليةٍ جمة بسبب مدى انتشار استخدامه بين الأميركيين وغير الأميركيين، فالتطبيق يستعمله 1.5 مليار إنسان شهرياً حول العالم، وبلغت عائدات “تيك توك” نحو 4.7 مليارات دولار عام 2021. وهذا يسبّب جرحاً نرجسياً للاستثنائية الأميركية المزعومة، فضلاً عن أثره التجاري المنافس في شركات تكنولوجيا المعلومات الأميركية التي تتباهى بتفوقها في التطبيقات التكنولوجية عموماً، وعلى رأسها شركة “ميتا” المالكة لـ”واتس أب” و”فيسبوك” و”إنستغرام”، وغيرها من الشركات مثل “ألفابِت” و”أبل” و”أمازون” و”مايكروسوفت”.
لا يمكن طبعاً فصل الحملة على “تيك توك” عن سياق الحملة الأميركية الأوسع ضد شركات التكنولوجيا الصينية عموماً، ولا يمكن بالأخص فصلها عن الحرب الضروس التي شنتها الإدارة الأميركية على شركة “هواوي” لأنها أحرزت قصب السبق في تطوير شبكة إنترنت 5G، فالصراع يدور على تشكيل المستقبل، وعلى الخطوط الجيوسياسية والجيواقتصادية للفضاء الافتراضي الذي ربما أصبح، من خارج الجغرافيا، البعد الأهم للسيطرة على العالم والعقول والقلوب.
عندما كانت الشركات الأميركية أو الغربية سباقةً تكنولوجياً ومتقدمة اقتصادياً، كان من مصلحتها أن تدك كل الحصون في طريقها باسم “التقدم التكنولوجي” و”حرية الوصول إلى المعلومة” و”حرية التجارة والاستثمار” على مستوى الكوكب وأبعد، أما عندما واجه الغرب منافسين حقيقيين، فإنه لم يكترث كثيراً لقواعد المنافسة، فأسقط قناعه الليبرالي عن وجهه الإمبريالي وكشر عن أنيابه وبدأ يلعب على المكشوف، وهذا جيدٌ جداً في الحقيقة لأنه يصب مباشرةً في جيب مناهضي الإمبريالية، ويساعد على وضع التناقضات أمام الأعين بوضوح، فالخطر يأتي من تضييع الحدود مع الإمبريالية والصهيونية، لا من رسمها بصورةٍ لا تخطئها العين.
مقارنة عربية مع المفهوم الغربي للقومية
يشن الغرب حربه داخلياً على اليمين الشعبوي لأن نزعته القومية تتناقض مع العولمة، ولكنه لا يجد حرجاً في دعم أنصار النازية في أوكرانيا بعشرات مليارات الدولارات وبشحنات أسلحة استنزفت مخزونات تسليح الجيوش الغربية.
على الهامش، تجدر الإشارة إلى أن المفهوم الغربي للقومية يختلف جذرياً عنه لدى أمم جنوب الكرة الأرضية وشرقها عموماً. فالقومية في الغرب تعني:
أ – التعصب عرقياً للإنسان الأبيض الآري.
ب – التعصب دينياً للمسيحية بروحية الحملات الصليبية (التي استهدفت مسيحيي الشرق أيضاً).
ج – التعصب حضارياً لمزاعم “تفوق الحضارة الغربية”.
وهي قواسم مشتركة بين القوميين الأوروبيين حتى لو اختلفوا فيما بينهم بين قومي ألماني وآخر بريطاني وآخر فرنسي وآخر أميركي إلخ… لكن الأساس الاقتصادي الذي يحرك الواحد من هؤلاء، ولا سيما على مستوى الطبقات الشعبية، هو السلعة الصينية الرخيصة التي أفقدته وظيفته، والمهاجر أو اللاجئ الذي ينافسه في سوق العمل المحلي. لذلك، ازداد تفشي هذه النزعة في المجتمعات الغربية مع تعمق مسار العولمة، واتخذت مناهضتها هناك شكلاً يمينياً “أبيض”.
كانت فكرة “الرسالة الحضارية للرجل الأبيض” يافطة الحروب الاستعمارية والمجازر الكبرى التي ارتكبها الغربيون عبر القارات الخمس، وكانت النزعة القومية للقوى الاستعمارية الصاعدة، في مواجهة القوى الاستعمارية السائدة، أحد أسباب نشوب الحرب العالمية الأولى، وجزئياً الثانية، ومن هنا تحسس الرأي العام الغربي من المقولات القومية.
وتختلف حركات التحرر القومي في جنوب الكرة الأرضية وشرقها، بالمقابل، في أنها:
أ – حركات تحرر لبلدان وأمم مستعمَرة لا حركات استعمار أو توسع استعماري.
ب – لا تستند إلى المقولات العرقية في الدفاع عن قوميتها (ولا يوجد مثلاً مفكر قومي عربي رئيسي واحد يعدّ العرق أحد مكونات القومية، كما أظهرتُ في كتاب “أسس الفكر القومي العربي”، الصادر عام 2013).
ج – طرحَت مشاريعها القومية في سياق وحدوي نهضوي تحرري يتوقف عند حاجز الحدود الطبيعية للأمة جغرافياً، ودعمَت حركات التحرر القومي في الأمم الأخرى، ما يفتح الباب واسعاً أمام الأخوة بين الأمم، على عكس القوميات الأوروبية التي كانت منصة للاستعلاء القومي (الشوفينية) وكراهية الآخرين والتعدي على حدودهم.
من البديهي أن المشروع العثماني، على سبيل المقارنة، هو أقرب للمفهوم الأوروبي للقومية، لأنه مشروع إمبراطورية استعمارية توسعية بالمحصلة تقوم قاعدته على العنصر الطوراني. أما في الوطن العربي، فإن المتعصبين دينياً (داعش نموذجاً) معادون للقومية العربية، ولا يحسبون على القوميين طبعاً.
المصدر: الميادين