الفيديو الذي أفرج عنه الإعلام الحربي، والذي يظهر قدرة حزب الله على رصد الأهداف البحرية الصهيونية والتعامل معها، وعلى رأسها منصات استخراج الغاز، كان آخر حلقة في سلسلة التهديدات لـ “إسرائيل”.
أكثر الأخبار تداولاً خلال الأيام الأخيرة، التهديدات التي يطلقها سماحة السيد حسن نصر الله في ما يتعلق بقواعد الاشتباك مع العدو، في حال الاستمرار في تجاهل حقوق لبنان في ثرواته البحرية، والتغول الإسرائيلي المدعوم من الولايات المتحدة على هذه الحقوق.
آخر حلقة في سلسلة التهديدات جاءت عبر الفيديو الذي أفرج عنه الإعلام الحربي، والذي يظهر قدرة حزب الله على رصد الأهداف البحرية الصهيونية والتعامل معها، وعلى رأسها منصات استخراج الغاز.
أكثر طرف يأخذ هذه التهديدات مأخذ الجد هو العدو الصهيوني، لأنه يعلم تماماً أن المقاومة ممثلة بالسيد نصر الله أنشأت علاقة بينها وبين متابعيها، سواء كانوا من المؤيدين أو المعارضين، تقوم على مبدأ “الوعد الصادق”.
ويعلم العدو أن الظروف السياسية والعسكرية ليست في مصلحته؛ فالولايات المتحدة مشغولة بالحرب الأوكرانية، وبالتصعيد مع الصين في ما يتعلق بتايوان، وبالحفاظ على تماسك الحلفاء الأوروبيين أمام احتمالات برد الشتاء. أما الأوروبيون فمشغولون بمصائبهم الاقتصادية واللوجستية، وآخر ما يفكرون به أو يحتاجونه حرب أخرى في منطقة توريد الطاقة في البحر المتوسط، لذلك لا يتوقع منهم تقديم دعم مهم لـ “إسرائيل”.
الحلفاء الإقليميون (الإبراهيميون) أبدوا تردداً واضحاً في إنشاء حلف عسكري مع “إسرائيل” يمكن أن يؤدي إلى توتر علاقتهم مع الصين وروسيا. روسيا نفسها كانت إحدى القوى الضامنة لعدم قيام أي حرب في المنطقة، لكن المؤشرات تدل على أنها لم تعد معنية كثيراً بالموقف المحايد، وهي ترى في إيران حليفاً صادقاً وضرورياً في المواجهة مع الغرب، وقد أظهرت موقفها من خلال الشروع في إيقاف نشاط الوكالة اليهودية في روسيا، وبالتدريبات العسكرية المشتركة مع الجيش العربي السوري التي جرت قبل بضعة أيام، وأيضاً بتوسيع مهمات القوة البحرية الروسية لتشمل أعالي البحار، بحسب العقيدة الجديدة للقوة البحرية الروسية، التي وقعها الرئيس بوتين في اليوم الأخير من الشهر الماضي.
المراقبون والمحللون السياسيون العرب، يتعامل معظمهم مع تهديدات المقاومة على أنها محاولة لتحسين شروط التفاوض مع العدو، خاصة المفاوضات غير المباشرة بين لبنان والكيان الصهيوني حول الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين، وما يترتب على هذه المفاوضات من نتائج تتعلق بالحقوق اللبنانية بالغاز. وهم لا يرون أن حزب الله سيبادر إلى تنفيذ تهديداته، لأن إطلاق أي صاروخ باتجاه منصة “كاريش” أو أي منصة أخرى، سيقابله رد غاشم صهيوني على بيئة المقاومة، وسيرافقه تدمير ما تبقى من البنية التحتية اللبنانية المهترئة، وسوف يعمق الأزمة الاقتصادية والمعيشية التي يرزح اللبنانيون تحت وطأتها، ما يؤدي إلى انفضاض جمهور المقاومة من حولها.
فهل يمكن أن تنفذ المقاومة تهديداتها، أم أنها مجرد لعبة سياسية أخرى تضاف إلى كثير من ألعاب الشد والإرخاء في المنطقة؟
الواقع على الأرض يشير إلى أن احتمال قيام المقاومة بتنفيذ تهديداتها أعلى من احتمال استخدامها كورقة تفاوضية فقط. الأسباب التي تدعم هذا الاحتمال هي الأسباب نفسها التي يعدّها المحللون السبب في عدم الذهاب إلى الحرب.
بالنسبة إلى الخسائر البشرية، سبق أن أوضحت المقاومة موقفها من هذا الأمر على لسان سماحة السيد حسن نصر الله، عندما أكد أن ثمن المقاومة أقل من ثمن الاستسلام، وأن الموت في معارك الصمود ضد العدو أشرف من الموت في طوابير الخبز والنفط.
أما الوضع الاقتصادي اللبناني فقد وصل إلى مرحلة الكارثة، ومن دون تغيير جذري في الشروط السياسية الداخلية والخارجية، فإن هذا الوضع سوف يستمر بالتدهور حتى يصل مرحلة الانفجار.
الوضع الاقتصادي المنهار يمنع لبنان من صيانة بنيته التحتية وتحديثها، خاصة في مجال الطاقة. لقد تجاوزت أزمة الطاقة موضوع تزويد المنازل والأعمال التجارية بالكهرباء، لتصل إلى تعطيل سلسلة التزويد المرتبطة بالحاجات الحياتية اليومية كالخبز.
هذه البنية التحتية معطلة بقرار سياسي من الولايات المتحدة وحلفائها الداخليين والإقليميين، ولا بد من إعادة ترتيب الأوضاع الداخلية لتخفيف الضغط على الشعب اللبناني عامة، وجمهور المقاومة خاصة.
الوضع السياسي للمقاومة، يتأرجح بين الانتصارات التي حققتها على الأرض، والضغوط السياسية التي تتعرض لها من أطراف سياسية داخلية وخارجية، ما يمنع المقاومة من ترجمة انتصاراتها إلى إنجازات تنعكس على جمهورها وعلى شعوب المنطقة.
نستطيع القول إذاً، إن المقاومة لا تمانع أبداً حدوث حرب تعيد خلط أوراق المنطقة، وتفتح الأبواب أمام تسويات كبرى لا يمكن إلا أن تصب في مصلحة المقاومة، كونها الأكثر قدرة على الصمود في مواجهة حرب طويلة الأمد تشنها الآلة العسكرية الصهيونية.
في الوقت نفسه، تبدو الجبهة الداخلية الإسرائيلية هشة إلى درجة لا تسمح لها بتحمل عواقب مثل هذه الحرب، خاصة احتمال سقوط عشرات الصواريخ على رؤوس المستوطنين في المدن الفلسطينية المحتلة.
لن تقتصر المواجهة، إن حدثت، على الجبهة الجنوبية، فالجبهة الشمالية مع الميليشيات الانفصالية الموالية للولايات المتحدة ستكون إحدى ساحات الحرب. لقد تمكن لقاء طهران الثلاثي من تجميد المشروع التركي لإنشاء “منطقة آمنة” بعمق 30 كلم في شمال البلاد. واستطاع الجيش العربي السوري التقدم إلى نقاط أقرب من الحدود التركية، ما يعني أن الحديث عن ضمان وحدة الأراضي السورية لم يكن للاستهلاك الدبلوماسي، ولكنه عملية متصاعدة قد يكون اللجوء إلى الحل أحد الخيارات المطروحة.
محور المقاومة في أفضل حالاته عسكرياً وسياسياً، وقد طرح خياراته بوضوح أمام الجميع، وعلى الأطراف المتضررة إعادة تقييم أوضاعها؛ لتتجنب التبعات الكبرى التي يمكن أن تنجم عن المواجهة. الغاز
المصدر: الميادين