بوابةٌ من بوابات الفساد الدولي المنظم تجري في بلدانٍ عربية غير واحدة في العراق وسوريا وليبيا واليمن حَيثُ تتم سرقة ونهب ثروات الشعوب باسم تحرير البلاد.
اليوم في اليمن نكَصَ العدوّ على عقبيه خائباً، فكل محاولاته لم تعد مُجديةً لنهب وسرقة النفط والغاز وإن بقيت أيادي اللصوص تعبث بثروات البلاد من الذهب بحضرموت على سبيل المثال.
يقرأ أُستاذ علم الاجتماع السياسي دكتور عبدالملك عيسى، المشهدَ مع تراجع حظوظ المحتلّ إلى حدودٍ بعيدة فيما قطع الشطرنج تشير إلى تحقيق صنعاء نقاط ومكاسب حقيقية.. هذه المكاسب شكلت ضربة قاصمة لمافيا عالمية تحتال على شعوب وبلدان العالم حيثما سنحت الفرصة لذلك.
وبحسب الدكتور عيسى “فدول العدوان الأمريكي السعوديّ على الشعب اليمني استطاعت السيطرة على نفط وغاز اليمن طوال الفترة الماضية، أي منذ ما قبل الحرب العدوانية وحتى شهر من الآن، حَيثُ كان النفط اليمني وسيلة من أكبر وسائل “الفساد المالي” العالمي يتاجر فيه “كبار ضباط الجيش الأمريكي والبريطاني”؛ بذريعة حمايته فهناك حجمٌ هائلٌ من الفساد المغطى أمريكياً عبر بيع النفط اليمني وتوريد عائداته إلى البنك الأهلي السعوديّ فيحصل الأمريكي والبريطاني والإسرائيلي والإماراتي والسعوديّ، كُلٌّ على حصته بعيدًا عن البنك المركزي اليمني الذي هو الأَسَاس في توريد أي مبالغ مالية لمصلحة الدولة اليمنية”.
ولأهدافٍ أكثرَ تتعلق بتأمين شبكات النهب المتعددة الأقطاب تم تنحية دور البنك المركزي اليمني بعدن وكما يقول الدكتور عيسى فَـإِنَّه “ورغم نقل البنك المركزي اليمني إلى مدينة عدن وبقائه تحت سيطرة المرتزِقة عملاء أمريكا والسعوديّة إلا أنه لم يتم توريد المبالغ الكبيرة من سرقة النفط اليمني إليه بل إلى البنك الأهلي السعوديّ والهدف أن يتسنى للأمريكي والسعوديّ السيطرة المالية الكاملة على المرتزِقة وَأَيْـضاً الحصول على امتيَازات مالية خَاصَّة بعيدًا عن أعين المرتزِقة وحتى لا يتم تسريب مسألة الفساد الكبير الذي يتم بأموال الشعب اليمني، وهذا ما تنبهت له صنعاء فوضعت نصب عينيها قضية حماية الحقوق اليمنية المنهوبة من النفط والغاز فأطلقت ثلاث عمليات عبر الطيران المسيَّر كرسائلٍ تحذيرية لمنع النهب المنظم الذي يديره السفير الأمريكي والسفير السعوديّ في اليمن”.
إن دخولَ صنعاء على خط المواجهة الأخيرة رغم تهدئة ما بعد الهدنة فيه دلالة على حنكة سياسية وقدرة على اللعب بأوراق المشهد ضمن لعبة إقليمية دولية تظهر فيها صنعاء كلاعبٍ حقيقي ضمن مشهد الصراع، حَيثُ تتكشف هشاشة دور المرتزِقة كأدواتٍ من أدوات إدارة الحرب لا أكثر.
وَيقول الدكتور عبدالملك عيسى: إن صنعاء اليوم دخلت كقوة ردع إقليمية أمام النهب المنظم الذي تقوده أمريكا عبر سفيرها وأن دخول المرتزِقة على خط تصدير النفط ليس إلَّا محاولة من محاولات التخفي للضحك على العالم بأن هناك يمنيين يقومون بتصدير النفط وما هي إلا أكذوبة أمام الرأي العام العالمي والأمريكي فما نفذ في اليمن هو ذاته ما تنفذه سياسة واشنطن في ليبيا وسوريا والعراق عبر السيطرة المطلقة على منابع النفط والغاز والاستفادة منه عبر الفساد المالي الكبير الذي يدخل فيه قادة عسكريون وأمنيون وسياسيون أمريكيون وبريطانيون وسعوديّون وإماراتيون وغيرهم، وهذا ما يسهل مهام الأمريكان والغرب فقوات أمريكية محدودة لا تتجاوز مئات العناصر تسيطر على نفط الوطن العربي من ليبيا وحتى العراق بما فيها اليمن وسوريا.
ويضيف عيسى: “كل هذا إلى جانب الفساد المالي الكبير يتم أَيْـضاً الصرف على تكاليف العدوان على اليمن بأموال الشعب اليمني عبر نهب ثروات هذا الشعب الصابر والصامد”.
المعادلةُ الدولية
وتبدو معطياتُ السياسة الدولية وواقعُ الصراع الدولي الظاهر الخفي حول العالم مساعِداً في تجاوز اليمن المرحلة الصعبة وُصُـولاً لحرق المراحل التي ستفضي بنتائج إيجابية، إذ أن صنعاء كما يتابع أُستاذ علم الاجتماع السياسي “فرضت نفسها على المستوى الإقليمي كقوة ردع لا يمكن تجاوزها فلا أمريكا تستطيع شن عدوان كبير ولا السعوديّة ولا غيرها فقد استهلكت كُـلّ قواتها طوال ثمانية أعوام من العدوان خَاصَّةً بسَببِ الظروف العسكرية الدولية من الحرب الأوكرانية الروسية والتوتر مع إيران والصين وبالتالي هي حَـاليًّا تريد تبريد الجبهات والسيطرة عليها وتحول دون اشتعال أية حرب جديدة مع صنعاء وتحاول المراوحة في المفاوضات دون تمكين صنعاء من أي شيء واللعب على عامل الوقت فلا تحسم مفاوضات ولا سلام ولا أية أمور أُخرى سوى المراوحة”.
ولكن صنعاء -كما يقول عيسى- تدرك حقيقة هذا الأمر ولن تسمح بالمراوحة فلديها زمن محدّد وعندها ستأخذ زمام المبادرة وتضع الأمريكي والبريطاني والإسرائيلي والإماراتي والسعوديّ في الزاوية وتحقّق تطلعات الشعب اليمني في الخلاص والانعتاق، حَيثُ إن هذا ما يعلن عنه السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي، بشكلٍ مُستمرّ وما يتحدث عنه الرئيس مهدي المشاط وغيرهم من السياسيين في صنعاء.
ولعل ما أشرنا إليه من مساعي المحتلّ “المراوحة” واللعب على عامل “الوقت” لن يكون مُجدياً وهذا أحد أهم الأسباب لعدم تجديد الهدنة مرةً أُخرى حتى يكون القرار ملكاً للشعب اليمني عند اتِّخاذه في قادم الأيّام والذي ربما بات قريباً بحسب الدكتور عيسى، فالشعب اليمني يثق في قيادة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي، ثقةً مطلقة وينتظر التوجيهات للتحَرّك ليقلب الطاولة على المحتلّ ولصوص العالم.
وفي جانبٍ اقتصادي تظهر صنعاء القدرة على بعثرة أوراق العدوان وأدواته فقد مثلت عمليات صنعاء الثلاث لمنع نهب النفط اليمني الضربة القاصمة لدول العدوان السعوديّ الإماراتي ومن خلفهم الأمريكان والبريطانيين وكذلك الأُورُوبيين، فبعد وقف هذا النهب للنفط اليمني بحسب المحلل الاقتصادي البارز سليم الجعدبي، أصبحت دول العدوان عاجزة عن تمويل فاتورة العدوان على اليمن بحيث أصبح الخيار لديها أن تمول هذه الفاتورة من خزينتها التي تكبدت الكثير خَاصَّةً أن مملكة السوء “السعوديّة” أصبحت تجابه الكثير من المشاكل الاقتصادية بعد أن استنفدت الكثير من أرصدة الاحتياطي السيادي السعوديّ إلى حدود ٥٠ % من ذلك الاحتياط النقدي الكبير والذي كان قبل العدوان يصل إلى ١٠٠٠ مليار.
أمريكا وأتباعُها في الغرب
ويتشتت الذهن الأمريكي ما بين عملائه العرب وأتباعه في الغرب، حَيثُ تسيطر حالة الصراع المتنامي مع الصين وروسيا وإيران على اهتماماته ما يجبر الأمريكان على إعطاء الغرب الموالي له شيئاً من الاهتمام وَلهذا كما يقول المحلل سليم الجعدبي، فأمريكا بحاجةٍ ملحة لتأمين احتياجات مرتزِقتها من قادة الاتّحاد الأُورُوبي الذين أصبحوا يواجهون الأمرين من شعوبهم، حَيثُ إن المواطنين الأُورُوبيين يصرخون في وجوه مسؤولي وزعماء أُورُوبا ويقولون: ما ذنبنا للدخول في حرب مع روسيا!؟ بل لما نجني آثار هذه الحرب؟ وبالتالي أصبحوا بحاجة لتأمين احتياجهم من النفط والغاز وليس أمامهم من مصادر إلا أن يقوموا بنهب ثروات اليمن والشعوب العربية في سوريا والعراق وليبيا كما كان المخطّط لنهب غاز لبنان الذي كانت المقاومة اللبنانية لهم بالمرصاد.
ويؤكّـد الباحث والمحلل الجعدبي أن ما تم نهبه من ثروات نفطية من حقول اليمن حتى اليوم كفيل بتغطية فاتورة مرتبات الدولة لمدة تتجاوز ما جرى الحديث عنه إعلامياً بكثير.
ويقول الجعدبي: إن إجمالي المبالغ التي نهبت خلال فترة العدوان إلى نهاية أُكتوبر ٢٠٢٢م تصل إلى حوالي ٢٢ مليار دولار وهي ما تكفي لدفع مرتبات موظفي الدولة لأكثر من ١٥ عاماً.
ويضيف الجعدبي وفي الوقت الذي يطالب فيها الشعب اليمني بمرتباته يظهر السفير الأمريكي ويقول إن هذا تطرفاً وهو بهذا السلوك يظهر تعنتاً كَبيراً هدفه نهب ثروة اليمن وعليه يجب أن يعرف الشعب اليمني من ينهب ثرواته ويمنع دفع مرتباته.
النقطة الأُخرى أنه كان يتم توريد كُـلّ تلك الإيرادات إلى البنك الأهلي السعوديّ وعبره يتم تمويل كبار المرتزِقة لتمويل مرتزِقتهم ودفع فاتورة الحرب.
وحين ظهرت السعوديّة لتمن على الشعب اليمني بأنها دفعت مليارَين كوديعة ذات يوم فهي تكذب، حَيثُ لا يعلم الشعب وقتها حقيقة من أين دفعت الوديعة التي أكلها لصوص موائد المحتلّ لسنوات.
وكما يشير محلل الاقتصاد الجعدبي فالوديعة وغيرها من الأموال المقدمة لليمن هي من أموال الشعب اليمني ومن إجمالي ٢٢ ملياراً عائدات النفط اليمني المذكورة بالبنك الاهلي السعوديّ.
ومع قلب صنعاء الطاولة على ناهبي ثروات اليمن أصبح وضع دول العدوان ومرتزِقتهم محرج جِـدًّا، وأصبحوا لا يجدون الأموال التي هي بالأَسَاس مخصصة لتدمير البلاد لذلك ظهر المرتزِق رشاد العليمي وأطلق نداء استغاثة لأسياده بأن حكومة المرتزِقة غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها وشهدنا كيف تم اللقاء به من قبل السفير الأمريكي وسفراء الدول العشر ثم الحديث عن منحه ٣٠٠ مليون دولار من وحدات حقوق السحب الخَاصَّة، وللعلم أن هذا السحب هو بمثابة قروض على الشعب اليمني وبفوائد أسبوعية بحسب المحلل الجعدبي.
ويؤكّـد الجعدبي الارتباط الوثيق بين الأمريكان وما جرت من محاولات أخيرة لسرقة النفط فيقول: “حرص العدوان وأمريكا وبريطانيا أن يقوموا بعمليات النهب المعتادة وقد لاحظنا بشكلٍ جلي كيف ظهر السفير الأمريكي بعد ضرب السفينة التي حاولت نهب كمية النفط عبر ميناء قنا بشبوة.. وظهوره قبلها في حضرموت وبمُجَـرّد مغادرته حضرموت دخلت السفينة بعد أن أعطاهم التطميناتِ كما تواجد بنفس اليوم الذي دخلت فيه السفينة الأخيرة بريتيكا إلى حضرموت لنهب مليونَي برميل من النفط.
ويقدم الجعدبي ملاحظات تتعلق بتجاوز لصوص أمريكا للمواثيق فلم يكتفوا بالنهب المتخفي بل وصول الأمر إلى تحريكهم لقطع حربية تؤكّـد مدى الغطرسة الأمريكية وهذا ما رءاه الجعدبي يستدعي الملاحظة كملاحظةٍ خطيرة جِـدًّا، حَيثُ إن السفن التجارية التي حاولت النهب بدأت تدخل مع سفن حربية وهذه محاولة وقرصنة خارقة لكل العهود والمواثيق بين الدول وأبرزها مواثيق الأمم المتحدة.. غير أن القوات اليمنية كانت لهم بالمرصاد إذَا قلبت الطاولة عليهم رأساً على عقب.
وفي الوقت الذي يظهر الغرب فيه بحاجة إلى النفط والغاز ولهذا رأينا كيف أن السفير الفرنسي يصفع فيما المظاهرات بجميع أنحاء أُورُوبا ولهذا هم حريصون على تهريب النفط اليمني أما المرتزِقة بحسب المفهوم الاقتصادي يظلون “قطط الموائد” ليس لهم إلَّا الفتات والمبالغ اليسيرة فيما الجزء الأكبر يذهب إلى البنك الأهلي السعوديّ لتمويل فاتورة حربهم على اليمن والشعب اليمني.. ولاستمرار هذا النهب حاول العدوان البحث عن موانئ بديلة بعد أن سدت المنافذ على الأمريكان والبريطانيين لنهب النفط عبر موانئ شبوة وحضرموت المعروفة حاولوا اللجوءَ لبديلٍ كميناء قنا التاريخي في شبوة إلا أنهم فوجئوا بالاستطلاع الدقيق والرصد لتحَرّكاتهم اللئيمة، وكانت هذه ضربة قاصمة للعدوان بعثرت أوراق اللعبة التي كانت بين أيديهم.
ويختتم المحلل الاقتصادي بالقول: “في النهاية العدوان مضطرٌّ للرضوخ أمام قرار الشعب اليمني وإلا سيندمون، كما قال قائدُ الثورة.. وكما تم تحذيرهم فلن تستهدف المنشآت أَو السفن النفطية التي تنهب النفط اليمني بل ستستهدف منشآت النفط بدول العدوان في السعوديّة والإمارات بما فيها الشركات النفطية وَالملاحية العاملة هناك وبالتالي إن لم يستجيبوا لتحذير صنعاء فسيدخلون في منحنى خطير وستتأثرُ جميعُ إمدَادات الطاقة في العالم خَاصَّة مع فصل الشتاء الذي قد يصبح كارثياً على الأُورُوبيين والمرتزِقة ودول العدوان.
المصدر: موقع أنصار الله