العدوان على حلب: التوقيت والأهداف… والفشل الحتمي
العين برس/ مقالات
حيان نيوف
لم تمضِ ساعات قليلة على إعلان نتنياهو مرغماً قبوله وقف إطلاق النار على الجبهة اللبنانية بعد أن أذاقته المقاومة الإسلامية-حزب الله أكبر هزيمة في تاريخ كيانه، حتى أعلنت قطعان الإرهاب المدعوم من تركيا في الشمال السوري إطلاق عدوانها الغادر على مدينة حلب السورية، انطلاقاً من محافظة إدلب التي كانت تسيطر على أجزاء منها. ما يعرف بهيئة تحرير الشام الإرهابية “جبهة النصرة سابقاً” إلى جانب الحزب التركستاني الإسلامي الإرهابي وجيش الإسلام الإرهابي، وجميعها تنظيمات إرهابية مدعومة من تركيا شاركت في الهجوم على مدينة حلب من جهة الغرب وبأعداد كبيرة جداً ومدعمّة بكل صنوف السلاح والعتاد إلى جانب الطيران المسيّر الحديث.
عمدت قوات الجيش العربي السوري ببسالة لعرقلة تقدم المجاميع الإرهابية ما أمكن إلى حين تمكن من يريد المغادرة من المدنيين قبل أن تنفذ انسحاباً تكتيكياً على طول خط الجبهة الممتد في شرق مدينة إدلب وغرب حلب ، ولاحقاً من داخل مدينة حلب إلى شرقها وإلى الجنوب باتجاه ريف محافظة حماه الشمالي، وبدا واضحاً أن الجيش العربي السوري يتجنب تحويل مدينة حلب إلى ساحة معركة مع تلك المجاميع الإرهابية حفاظاً على حياة المدنيين في حلب وعلى بنيتها التحتية.
توقيت العدوان على حلب
تشير العديد من التقارير المسربة إلى أن العدوان على حلب جرى الإعداد له منذ مدة طويلة لكن توقيته ارتبط بمجموعة من الأحداث الإقليمية و الدولية:
* جاء العدوان مباشرة بعد إعلان وقف إطلاق النار بين حزب الله والكيان الصهيوني والذي شكل هزيمة إستراتيجية لإسرائيل بعد 14 شهراً من انطلاق طوفان الأقصى وتمكن حزب الله من فرض شروطه في اتفاق وقف إطلاق النار.
* جاء العدوان بعد أسبوعين من إعلان واشنطن والدول الغربية منحها الإذن لنظام كييف النازي لاستهداف عمق الأراضي الروسية بصواريخ بعيدة المدى زودتها بها واشنطن ودول الغرب.
* جاء العدوان قبل شهرين من تسليم إدارة بايدن السلطة إلى الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب وإدارته الجديدة.
* جاء العدوان بعد أسبوع من إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق مجرم الحرب نتنياهو ووزير حربه السابق يوآف غالانت.
* جاء العدوان مع انتشار الجيش العربي السوري في جنوب البلاد لحماية الحدود في ظل التهديدات الإسرائيلية الأخيرة خلال فترة العدوان على غزة ولبنان بالهجوم البري على الأراضي السورية.
من الدول الداعمة للعدوان:
على الرغم من أن الكثير من الدول تصنف الجماعات الإرهابية المشاركة في العدوان على حلب كمنظمات إرهابية، فإن العديد منها يقيم معها علاقات استخباراتية ويقدم لها الدعم العسكري والغطاء الأمني و السياسي لاستخدامها لتحقيق مصالحه ومخططاته عند الضرورة، ويأتي في مقدمة الداعمين والمشغلين لتلك الجماعات الإرهابية تركيا التي تحتل أجزاءً من الشمال والشمال الغربي في سورية، وتقيم فيه قواعد عسكرية، وتسيطر على تلك الجماعات وقرارها بشكل مباشر، وإلى جانب تركيا تأتي الولايات المتحدة و فرنسا وبريطانيا، وكذلك الكيان الصهيوني الذي أثبت في العديد من المحطات أنه يمتلك علاقة وثيقة مع تلك الجماعات الإرهابية ويقوم بالتنسيق معها، وظهر ذلك جلياً في مرات عديدة كان يتزامن فيها العدوان الإسرائيلي على سورية مع تحرك تلك التنظيمات على الأرض ضد مواقع الجيش العربي السوري، وفي أكثر من مناسبة أعلنت تلك الفصائل تأييدها للاعتداءات الإسرائيلية على سورية، وأبدت رغبتها في إقامة علاقات علنية مع الكيان الصهيوني، ويضاف أيضاً إلى تلك الجهات الداعمة النظام النازي في أوكرانيا والذي أفادت تقارير استخباراتية و إعلامية وسياسية عديدة أنه عمل مؤخراً وبالتنسيق مع تركيا وفرنسا وإسرائيل على تقديم الدعم العسكري للجماعات الإرهابية في إدلب وخاصة الطيران المسير الحديث بالإضافة إلى التكنولوجيا العسكرية و التدريب.
الأهداف المباشرة والبعيدة للعدوان
استناداً إلى تصنيفات الجماعات الإرهابية المشاركة في العدوان، وإلى الدول الداعمة لها، وإلى توقيت العدوان، فإنه يمكن تحديد الأهداف التي ترمي إليها تلك الجهات بما يأتي:
أولاً؛ بالنسبة للنظام التركي، فإن هدفه الرئيسي يكمن في احتلال حلب في محاولة منه لاستعادة أمجاده الطورانية البائدة، وسياسياً فإن أردوغان أراد استغلال اللحظة التاريخية للقيام بتحرك جيوسياسي يعطيه هامشاً واسعاً للمناورة والمضاربة السياسية في ظل الصراع الإقليمي والعالمي، فقد استغل أردوغان جموح إدارة بايدن لوضع العراقيل في طريق إدارة ترامب التي تسعى لإنهاء الحرب في المنطقة، واستغل رغبة نتنياهو في الانتقام من دمشق بسبب دعمها لحزب الله، وأراد تقديم أوراق اعتماد لإدارة ترامب الجديدة، وفي ذات الوقت أراد امتلاك أوراق ضغط جديدة في وجه روسيا وإيران وسورية.
ثانياً؛ بالنسبة للكيان الصهيوني، فإن الهدف الأول يكمن في مشاغلة قوى المقاومة في الإقليم في معركة جانبية بعد أن أنهكته معادلة وحدة الساحات واستنزفت قدراته وأجبرته على القبول بوقف إطلاق النار بعد 14 شهراً من المعركة المفتوحة، والهدف الثاني يتمثل بحرف الأنظار عن هزيمته والتغطية على جرائمه، والهدف الثالث يتمثل بقطع خطوط الإمداد لتزويد حزب الله بالسلاح وغيره، والهدف الرابع يتمثل بالتفرغ لإعادة بناء قدراته بعد إنهاكه، ولمعالجة نتائج وآثار هزيمته في الداخل.
ثالثاً؛ بالنسبة للولايات المتحدة؛ فإنه وبعد فشل مخططاتها وتراجعها في ملفات وساحات عديدة وعلى رأسها أوكرانيا، والشرق الأوسط، وفي الملف النووي الإيراني، فإن كل ذلك دفعها لتحريك عملائها على الساحة السورية بالتعاون والتنسيق مع تركيا، سواء كان ذلك بهدف تقوية أوراقها التفاوضية أو لأجل المقايضة السياسية والجيوسياسية أو لتعزيز أمن الكيان الصهيوني وأمن قواتها في الإقليم في ظل انسداد الأفق في وجهها وحاجتها لامتلاك أوراق قوة جيوسياسية جديدة.
رابعاً؛ بالنسبة لأوكرانيا، فإنه وبفعل الخسائر الهائلة التي تتكبدها على يد روسيا رغم الدعم الغربي المفتوح الذي تتلقاه، فإنها تسعى لممارسة الضغط على القوات الروسية المتمركزة في سورية في محاولة منها للتأثير في روسيا سواء في الميدان أو في السياسة والتفاوض لاحقاً.
مواقف سورية وحلفائها
من الواضح وبما لايدع مجالاً للشك، أن دمشق اتخذت قراراً بالصمود والمواجهة والسير في المعركة حتى النهاية مهما كلف الأمر، وقد عبّر الرئيس بشار الاسد عن ذلك بثبات وإصرار، وأكد بأن هزيمة الإرهاب قدر محتوم لا بديل عنه، وأكد على أهمية مساعدة الحلفاء و الأصدقاء لتحقيق ذلك، ولا خيار آخر سوى هزيمة الإرهابيين أياً يكن من يقف خلفهم ويشغلهم لتحقيق مصالحه.
أما بالنسبة لطهران وموسكو حليفتي دمشق الرئيسيتين فقد بات من المؤكد أن كليهما اتخذ قراراً بتقديم الدعم المطلق والمفتوح لسورية في هذه المعركة حتى تحقيق أهدافها في هزيمة الإرهاب وتحرير الجغرافيا السورية منه بالكامل، وبالتأكيد فإن هذه المواقف لا تقتصر على الدعم السياسي، بل الجزء الأكبر متعلق بالدعم العسكري على الأرض، فكل من موسكو وطهران تدركان خلفيات العدوان على سورية، وأن الأمر لا يقتصر على استهداف سورية، بل يتعداه إلى الاستهداف المباشر وغير المباشر لكلا البلدين ولمصالحهما الإقليمية والدولية، فطهران لن تسمح بإسقاط الحلقة الأهم في محور المقاومة، وموسكو لن تقبل بخسارة منطقة نفوذها الأهم خارج حدودها وتحديدا على البحر المتوسط.
وبالنسبة للعراق فقد تلقفت القيادات العراقية خطر العدوان على حلب على الأمن القومي العراقي، وعبرت عن خطورته وأبدت دعمها لدمشق ووقوفها إلى جانبها، وكذلك الأمر بالنسبة لليمن ولبنان.
المشهد الآن
أولاً؛ على الصعيد العسكري والميداني:
أعاد الجيش العربي السوري انتشاره خارج مدينة حلب، وقام ببناء خطوط دفاعية جديدة في ريف حماه الشمالي، وفي شرق حلب، ويعمل على تعزيز مواقعه وقواته المتمركزة في تلك الخطوط بالعتاد والعديد ومختلف صنوف السلاح التي تحتاجها المعركة، وتمكن من امتصاص الهجوم، وبدأ عمليات الهجوم المضاد، واستطاع تحرير العديد من القرى والمدن والبلدات في ريف حماه الشمالي، وصولاً إلى خان شيخون على مشارف محافظة إدلب، تمهيداً لاقتحامات جديدة، وينفذ سلاح الطيران بالمشاركة مع الطيران الحربي الروسي ضربات نوعية و ثقيلة على تجمعات ومقرات وخطوط إمداد الإرهابيين في محافظتي حلب و إدلب، وتمكن حتى الآن من تدمير الكثير منها، وقتل ما يقارب من 2000 إرهابي ط، وتشير المعلومات إلى وصول دعم متزايد من إيران والعراق، بانتظار الساعات والأيام القادمة التي ستشهد المزيد من الانتصارات العسكرية على الأرض.
ثانياً؛ على الصعيد السياسي:
يبدو المشهد مختلفاً تماماً عما كان عليه بعيد انطلاق الحرب على سورية عام 2011، فسورية اليوم استعادت علاقاتها العربية والإقليمية وجزء واسع من علاقاتها الدولية، والمواقف العربية في مجملها مؤيدة اليوم لدمشق وأعربت عن دعمها لوحدة سورية واستقلالها ورفض تقسيمها، وعن وقوفها ضد الإرهاب ورفضها لجرائمه، وشكلت هذه المواقف إلى جانب الموقفين الروسي والإيراني هامشاً سياسياً واسعاً لصالح دمشق، وعامل ضغط على القوى الداعمة والمخططة للعدوان، وبدا ذلك واضحاً من خلال التراجع في الموقف التركي الذي عبر ولو سياسياً عن رغبته في خفض التصعيد وعن التزامه بتنفيذ مقررات صيغة آستانة، وكذلك الموقف الأميركي الذي ادعى عدم مسؤوليته عما جرى ورغبته كذلك بخفص التصعيد.
مما لا شك فيه بأن الدول العربية وعلى رأسها السعودية والإمارات ومصر والأردن والبحرين المحسوبة سياسياً على واشنطن باتت تدرك خطورة ما جرى على الأمن الإقليمي، وعلى الأمن القومي لكل منها، وخاصة أن تلك الدول اتخذت قرارات بالتخلص من تيار الإخوان المسلمين المدعوم من تركيا في السنوات الأخيرة ولا تريد العودة للوراء وتخشى من خروج الصراع عن السيطرة و عبوره للجغرافيا الإقليمية، إلى جانب خشيتها من عودة الاصطفافات الإقليمية في ظل مناخ الانفتاح والمصالحة السائد منذ الاتفاق السعودي الإيراني وعودة سورية للجامعة العربية.
وبالنسبة للنظام التركي، فعليه أن يدرك بأن سياسات المضاربة و الانتهازية لم تعد تجدي كما في السابق، كما أن العبث بالجغرافيا سيشكل زلزالاً يكون له ارتداداته العابرة للحدود، وأن خلط الأوراق الإقليمية له وجه سلبي وربما كارثي يتجاوز المصالح الآنية وينعكس على تركيا نفسها قبل غيرها، فلا المجتمع التركي ولا الأوروبي قادر على تحمل موجات نزوح جديدة، كما أن الاقتصاد التركي والإقليمي والأوروبي والدولي غير قادر على تحمل تكاليف الحروب المفتوحة في أهم منطقة من العالم من الناحية الجيوسياسية، حيث الاحتياطي الأكبر للطاقة، وحيث خطوط إمدادها الأهم.
في الختام؛ نؤكد بأن معالجة ما جرى سياسياً وعسكرياً ستكون الخيار الأوحد لمحور المقاومة الذي انتصر في معركة طوفان الأقصى ويستعد للانتصار في معركة الشمال السوري، وأما الخيار الأنجع بالنسبة لتركيا فهو المسارعة للتراجع عن هذا الخطأ الإستراتيجي قبل فوات الأوان، وقبل أن تنقلب الجغرافيا والديمغرافيا على الداخل التركي نفسه.