الصواريخ اليمنية تصل البحيرة الأميركية: فصل جديد لن ينتهي بوقف الحرب!
العين برس/ مقالات
مريم السبلاني
وصلت الصواريخ اليمنية إلى البحر الأبيض المتوسط. هكذا يتلخص مشهد المرحلة الرابعة من العمليات العسكرية التي حاولت الولايات المتحدة وأدها منذ 7 أكتوبر. لم تنجح واشنطن في م ساعيها، هذا ما توثقه البيانات الصادرة من الجانبين التي ترصد العمليات المتزايدة ضد السفن التجارية والحربية في المنطقة. لكن المعضلة الأميركية، تكمن عند الوجه الآخر للحدث أيضاً: البحر المتوسط عاد للواقع الذي كان عليه قبل الحرب العالمية الثانية، وعلى واشنطن إعادة دراسة طرق السيطرة. من ناحية أخرى، فإن “التهديد” العسكري لم يأت من النّد التقليدي روسيا أو الصين، بل من “جماعة” كانت قبل 8 سنوات “غير مدونة في حسابات البيت الأبيض”.
كانت السفينة الإسرائيلية ESSEX والسفينة “MINERVA ANTONIA”، هدفاً طالته الصواريخ اليمنية في البحر الأبيض المتوسط، في عمليتين منفصلتين خلال أسبوع واحد، ليزيد بذلك عدد الجبهات التي تنشط فيها الأنظمة الصاروخية والجويّة لصنعاء: الجغرافيا اليمنية الداخلية، البحر الأحمر، البحر العربي، المحيط الهندي، البحر الأبيض المتوسط وإيلات. هذا الزخم الناري الذي تبديه القوات المسلحة اليمنية مع الحفاظ على الزيادة المستمرة بالمديات بحسب الجبهة، ودقة الإصابة، انتزع اعترافاً واضحاً من قائد العمليات الأدميرال فاسيليوس جريباريس، الذي أكد على ان ما يجري هو “لحظة محورية، تقدم دروساً في الأمن البحري”. كاشفاً عن أنه “لم يعد قادراً على الوفاء بمهمة حماية السفن من الهجمات اليمنية، بعد اتخاذ قرار فصل الفرقاطة الألمانية عن المهمة في 20 نيسان/أبريل الماضي”. مضيفاً أن “السفن الحربية لديها نظام دفاع جوي حديث يمكنه محاربة عدة أهداف في نفس الوقت. ومع ذلك، مع وجود سرب كامل من الطائرات دون طيار، حتى أقوى الأنظمة تستسلم في مرحلة ما”.
كان على الولايات المتحدة إيجاد البدائل للتعامل مع مستجدات المشهد الذي لم تعتد عليه سابقاً. وفي حين أنها لجأت لتنفيذ غارات تستهدف “منصات إطلاق صواريخ” بحسب زعم البيانات الأميركية، إلا أن البيان الصادر عن البحرية البريطانية يوضح جانباً آخر، مع اشارتها إلى قيام “القوات الجوية الملكية FGR4 بضربات على المباني المستهدفة، باستخدام قنابل بيفواي الرابعة الموجهة”. مؤكدة انه “تم توخي أقصى درجات الحذر في التخطيط للضربات لتقليل أي خطر على المدنيين أو البنية التحتية غير العسكرية”.
يعد دخول البحر الأبيض المتوسط كميدان من ميادين الحرب المستعرة وعلى غير جبهة، أمراً مقلقاً بالنسبة للبيت الأبيض. ولعل أبرز ما يفصح عن أهمية هذه المنطقة بالنسبة لواشنطن، هو ما جادل به المحاضر في قسم التاريخ بجامعة فيرمونت، أندرو بوكانان في كتابه “الاستراتيجية الأمريكية الكبرى في البحر الأبيض المتوسط خلال الحرب العالمية الثانية” الصادر عام 2014، بقوله “أن الولايات المتحدة كانت بعيدة كل البعد عن أن تكون مشاركاً في مسرح هامشي”. لكن الأحداث التي تبعت تلك الحرب، مهدت لنظرة أخرى تقوم على النظر إلى البحر المتوسط على أنه “بحيرة أميركية”. مشيراً إلى أن للولايات المتحدة مصالح سياسية واقتصادية كبيرة تمتد من شمال إفريقيا، عبر إيطاليا والبلقان، إلى الشرق الأوسط.
دائماً ما كان ينظر للمتوسط على أنه مسرحاً لتحديد الصراعات الكلاسيكية بين الشرق والغرب، من خلال حملات السيطرة على ذلك البحر ومثلثه الاستراتيجي، كالمضائق التركية، قناة السويس وجبل طارق. بات البحر المتوسط بعيد الحرب، مسرحاً مركزياً في الصراع العالمي. وبالنسبة لواشنطن، فإنه يوفر أفضل موقع جانبي يمكن من خلاله مهاجمة التقدم السوفيتي إلى أوروبا من الخلف. “لا غنى عنه للقوة البحرية الأنجلو أمريكية. يمكن أن يصبح طريقاً سريعاً لغزو أوروبا الغربية من الجنوب والشرق”.
منتصف عام 1953، أنشأت قوى حلف شمال الأطلسي حينها، ثلاث قيادات عسكرية منفصلة. ووضعت منطقة البحر الأبيض المتوسط جزئياً تحت SACEUR أي قيادة جنوب أوروبا. لترتفع مطالب المنظرين والجنرالات حينها، بضرورة اعتبارها منطقة “يؤثر مثلثها الشهير على تطبيق القوة العسكرية في جميع أنحاء نصف العالم….”.
بالإضافة إلى الأهمية الجيوبوليتيكية، يمكن النظر إلى المنطقة الأوسع التي يقع فيها وهي منطقة الشرق الأوسط التي تضم حوالي 47% من احتياطي النفط و41% من احتياطي الغاز في العالم. وزاد من أهميتها انفتاح البحر المتوسط على تقاطع آسيا وأوروبا وإفريقيا، واتصاله بطرق التجارة العالمية عبر مضائق السويس والبوسفور وجبل طارق.
وإلى جانب ضرورة تحقيق “التموضع العسكري الأميركي الغربي” الصحيح في أي بقعة من بقاع العالم، للحضور السريع متى استجوب الامر -بحسب العقيدة العسكرية الأميركية- ان كان براً بالقواعد العسكرية المنتشرة او بحراً بالقطع والفرقاطات البحرية، فإن دوام استهداف السفن الأميركية الغربية والإسرائيلية أو المؤيدة لهم، مشهداً يرغب البيت الأبيض بأن لا يصبح أمراً واقعاً او مشهداً طبيعياً كحال استهداف القواعد الأميركية في العراق وسوريا.
لا يأتي هذا العرض بقصد الإيحاء بالسيطرة اليمنية على البحر المتوسط. بل لتسليط الضوء على التجربة التي وثقت الثغرات الأميركية الإسرائيلية في التعامل مع عدد من الحروب. فإسرائيل التي خاضت حرب لبنان الثانية ضد حزب الله للقضاء عليه، خرجت بعد سنوات بخلاصة مفادها، أن الردع الإسرائيلي تضرر بشكل كبير بعدما انتهت الحرب بقواعد اشتباك تثبت حق الحزب في التواجد على بعد أمتار معدودة إلى جانب الخط الأزرق. وهو اليوم يمارس نشاطه العسكري كما لم يفعل منذ عام 2006.
يمكن لهذا الاسقاط على الحالة اليمنية ان يوضح طبيعة المشهد الذي ستكون عليه صنعاء بعد سنوات. خاصة وان المنطقة ما قبل طوفان الأقصى لن تكون كما بعدها، في ظل الانقسام الحاد بين دول العالم وحسب، وعلى غير صعيد. ولعل نصيب اليمن منها، انه أصبح جناحاً خفاقاً أثبت فعاليته لصالح مشروع دول وحركات المقاومة، من موقعه الاستراتيجي وبتطوره العسكري المستمر.
المصدر: موقع الخنادق