لقاء إردوغان السيسي في الدوحة جاء بعد يومين فقط من حديث الأول عن احتمالات المصالحة مع دمشق والقاهرة بعد الانتخابات التركية في مايو/أيار المقبل.
بعد 3 أسابيع من قمة الجزائر التي ظهرت فيها القاهرة وكأنها غاضبة من سياسات أنقرة في ليبيا، فوجئ الجميع باللقاء “الودي والعاطفي” بين إردوغان والسيسي في الدوحة، وكأن الأمير تميم قد صرف 200 مليار دولار على كأس العالم لتحقيق مثل هذا الهدف السامي فقط!
ففي نهاية المطاف جاء تميم إلى السلطة قبل أسبوع من انقلاب السيسي في القاهرة، وصرف مئات المليارات من الدولارات لدعم إردوغان في تبنيه حركات الإخوان المسلمين في مصر وتونس وليبيا وسوريا والمنطقة عموماً، رافعاً شعار “رابعة”، التي تجاهلها السيسي أيضاً، ولكن من دون أن يكون واضحاً لماذا وفي مقابل ماذا.
ومن دون أن يكون واضحاً أيضاً أين “المحمدان” (ابن سلمان وابن زايد) وهما العدوان اللدودان لتميم في هذه الفقرة من مسرحية “المضحك المبكي” التي مثل فيها الجميع ببراعة فائقة على حساب شعوب المنطقة عموماً وفي مقدّمها سوريا وليبيا ولبنان واليمن وفلسطين، وكانت جميعاً قبل “الربيع العربي” وخلاله وما بعده هدف الجميع على نحو مباشر وغير مباشر.
وكما يقول كاتب النشيد الوطني التركي محمد عاكف “يقولون التاريخ يكرر نفسه فلو استخلصت الدروس منه لما كرر نفسه”.
فهذه هي حال دول وحكام المنطقة الذين تآمر بعضهم على بعض، ثم نسوا أو تناسوا كل ما قال بعضهم عن بعض، وما عليهم إلا أن يقنعوا شعوبهم بـ”أن متطلبات التغييرات الإقليمية والدولية تفرض عليهم ذلك” وهو أمر ليس بالصعب ما دامت هذه الشعوب تعاني ما تعانيه من مآسٍ أليمة في معيشتها اليومية.
وما على الإعلام الموالي بدوره إلا “أن يقنع هذه الشعوب بأن السماء تمطر خيراً عندما يبول الحكام على رؤوسها”، والكلام هنا لرئيس مجلس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان الذي أطاحته واشنطن بالتنسيق والتعاون مع الرياض وأبو ظبي في نيسان/إبريل الماضي.
وعودةً إلى لقاء إردوغان السيسي في الدوحة الذي جاء بعد يومين فقط من حديثه عن احتمالات المصالحة مع دمشق والقاهرة بعد الانتخابات التركية في مايو/أيار المقبل، فما علينا إلا أن ننتظر ما سيقوله الإعلام المصري الموالي عن مبررات وتفاصيل المصالحة المفاجئة، وسنرى نتائجها الأولى في الموقف التركي في ليبيا، ما دامت سوريا ليست ضمن اهتمامات القاهرة، حالها حال أنظمة الخليج التي اكتفت بوعود إردوغان لقطع العلاقة بإخوان مصر على أن يستمر في دعمه إخوان سوريا وليبيا واليمن وغيرها. وهو ما لا يزعج العواصم المذكورة ما دام الانتشار التركي المباشر أو غير المباشر في هذه الدول سيصب في مصلحة المخططات والمشروعات المشتركة ضد إيران، “العدو الأكبر للجميع” بسبب دعمها سوريا. وهي الحساب الأهم بالنسبة إلى الجميع، والأهم “إسرائيل” التي تستعد لمرحلة مثيرة في تحركاتها الإقليمية بعد الزيارة المرتقبة لإردوغان إلى “تل أبيب” قريباً وسط المعلومات التي تتحدث عن قمة إقليمية مرتقبة يشارك فيها إردوغان والسيسي ونتانياهو وحكام الخليج المعروفون يضاف إليهم العاهل الأردني الملك عبد الله.
كل ذلك مع استمرار الغموض الذي يخيم على الموقف السوري بنقاط ضعفه الداخلية والخارجية بعد أن غاب الاهتمام الروسي بالوضع هناك، وهو ما استغله الرئيس إردوغان ليساوم بالورقة السورية العواصم الإقليمية، وآخرها القاهرة التي يعرف الجميع أنها بحاجة إلى مليارات أنظمة الخليج التي صرفت ما يكفي منها لتدمير المنطقة في سنوات الربيع العربي الدموي.
وكان الرئيس إردوغان اللاعب الرئيس في هذا “الربيع” وبضوء أخضر من العواصم الغربية، وفي مقدّمها واشنطن وباعتراف حمد بن جاسم، وغير مرة.
فانقلاب السيسي وأزمة حزيران/يونيو 2017 بين السعودية والإمارات والبحرين المدعومة من القاهرة مع قطر المدعومة من أنقرة، ولاحقاً “قمة العلا” للمصالحة الإقليمية بعد التطبيع مع الكيان الصهيوني، فهي جميعاً ليست إلا حلقات غبية في مسرحية الشرق الأوسط الكبير التي تحولت الى مسلسل تلفزيوني قد يصل عدد حلقاته إلى المئة، وذلك بحسب مزاج السوق الذي يحدد شروط العرض والطلب مع تحديد السقف الأعلى لأجور الممثلين كل بدرجته، أي مهارته في التمثيل وفق تعليمات المخرج.
ومع بقاء سوريا في موقف المتفرج لكل هذه المسرحيات والمسلسلات بسبب معطيات الداخل السوري بكل سلبياته المعروفة، فالرهان سيكون في الأيام المقبلة على مدى صدقية الرئيس السيسي في حساباته الخاصة بالمصالحة مع إردوغان الذي قال ما لا يقال عنه وعن نظامه “الانقلابي والديكتاتوري والفاشي والظالم والقاتل والإجرامي” ثم استنفر كل إمكاناته لإطاحة هذا النظام بدعم الإخوان المسلمين وبأموال الشيخ تميم.
وسيكون هناك معياران لصدقية بل ولحنكة الرئيس السيسي في التعامل مع معطيات المرحلة المقبلة حتى تعود القاهرة إلى دورها المطلوب منها خدمة للقضايا المعروفة، وفي مقدمها فلسطين بعد التخلص من خطر التيارات والقوى الإسلامية المتطرفة، وفي مقدّمها الإخوان المسلمون.
والمعيار الأول هو أن ينجح السيسي في إقناع أو إجبار إردوغان على الانسحاب من ليبيا والتخلي عن كل المجموعات الإخوانية المسلحة التي تكن عداء معروفاً للسيسي ومصر التي تفوقت تركيا عليها في ليبيا عسكرياً ونفسياً.
والمعيار الثاني هو أن ينجح السيسي، وفي لحظة ما، في الجمع بين إردوغان والرئيس الأسد لتحقيق المصالحة النهائية بينهما وبضوء أخضر سعودي وإماراتي وقطري في مقابل ثمن ما في اليمن ولبنان والعراق أي إيران.
على أن يتجاهل السيسي، ومن معه في الرياض وأبو ظبي والدوحة الوجود التركي بجميع أشكاله في سوريا والعراق ما دام هذا الوجود مطلوباً لموازنة الدور الإيراني كما هو مطلوب من الوجود العسكري التركي في قطر وفق عدد من السيناريوهات التي يكتبها البعض من أجل المنطقة.
ويبدو واضحاً أن الرئيس إردوغان قد صحا مبكراً على احتمالاتها، فاستعجل المصالحة مع الإمارات و”إسرائيل” والسعودية ليكون السيسي بمثابة “الكرة الذهبية” في ملاعب المنطقة التي كان وما زال وسيبقى إردوغان لاعبها الرئيس. ومن دون أن يكون واضحاً هل وكيف ولماذا سيسمحُ السيسي له بذلك وفي مقابل ماذا؟ وهو الذي أطاح بالإخونجي محمد مرسي الذي كان مدعوماً من إردوغان وتميم، ومن قبله والده حمد بن خليفة آل ثاني.
وإلى أن نرى معاً ماذا سيفعل السيسي وكيف سيتصرف في الأيام القليلة المقبلة بدءاً من ليبيا ثم الشرق العربي ستبقى دمشق في مهب الرياح العربية والإقليمية والدولية بعد أن باتت في معظم أوراقها ضعيفة بسبب وضعها الداخلي الصعب والمعقد عسكرياً وأمنياً واقتصادياً واجتماعياً، وبالتالي انهماك روسيا في الحرب الأوكرانية، وإيران بمشكلاتها الداخلية والمرجّح لها أن تشهد مزيداً من التصعيد وفق السيناريوهات المعروفة.
ويعرف الجميع أن هدفها الرئيس هو المقاومة في لبنان لأنها مصدر القلق والخوف والرعب الحقيقي للكيان الصهيوني ومن معه بعد أن كان الجميع في خدمته منذ قيامه عام 1948، حيث كانت الأنظمة العربية والإسلامية جزءاً من التآمر والخيانة والعمالة، وتقول المعطيات إنها ما زالت هكذا، وإلا هل من تفسير منطقي لكل الأحداث التي عشناها معاً منذ ما يُسمى “الربيع العربي” الذي أراد للشعوب العربية والإسلامية أن تكون غبية ولا تصدّق سوى ما يقوله حكامها لها ما دام هؤلاء الحكام ممثلين بارعين وبلا خجل، ليس فيما بينهم وحسب، بل مع كل الحركات الإسلامية التي كانت دائماً وستبقى أدوات قابلة للبيع والشراء بدولارات سادتها في الداخل والخارج.
المصدر: الميادين