السعودية … من الوساطات إلى الاغتيالات !
العين برس/ تقرير
علي الشراعي
( ليس من المنطق ولا من الضروري أن كل قضايا اليمن تحل بمساعدة السعودية بل من الضرورة التخلص من كل أنواع مساعداتها , وأن تدخلاتها بشؤون اليمن الداخلية كارثة ومصيبة على الشعب وتراجع إلى الوراء لسنوات كثيرة
كما هي عادتها الرياض في استغلال كل اضطرابات سياسية في اليمن للتدخل بالشؤون اليمنية الداخلية تحت مظلة الوساطة او المصالحة السياسية كبوابة عبور تمكنها من احداث اضطرابات اشد قوة وأكثر عنف ومأساوية لتجرف اليمن نحو وادٍ سحيق يظل لعقود من الزمن متعثرا ومتخبطا ومنقسما جراء التدخلات السعودية فيما هي تحقق اهدافها ومطامعها.
أداة الرياض
( يظل المشايخ أداة الرياض التي من خلالها يستطيع تصحيح الخطوات المفاجئة وغير المرغوبة للحكومة في صنعاء بما في ذلك قضية الوحدة ) هذا ما كتبته في مطلع الثمانينات الصحيفة البريطانية (ميدل ايست ) .
في النصف الاول من عام 1976م أحدث الرئيس إبراهيم الحمدي عدة تغييرات في الحكومة حيث تشكلت نهائيا الحكومة الجديدة في اغسطس من نفس العام وبعد حل مجلس الشوري وازاحة الشيخ الأحمر عن رئاسته توجه إلى منطقة خمر ومن هناك بدأ يشن هجوما ضد الحمدي مطالبا إياه بعودة الحياة الدستورية الطبيعية في البلاد . وعندما شعر المشايخ بانحسار تأثيرهم ودورهم السياسي في البلاد كثفوا نشاطهم ففي بداية يناير 1977م وبالقرب من صنعاء عقدوا مؤتمرا جديدا للقبائل يتقدمهما الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر والشيخ سنان أبو لحوم – شيخا قبيلتين حاشد وبكيل – وبعد أن وحد المشايخ قواهم أعلنوا ( حربا مقدسة ) ضد الحمدي ونظامه الذي قيموه (كشيوعي وملحد ) . وتقدم مشايخ القبائل الحاضرون في هذا المؤتمر بمذكرة إلى الحمدي احتوت على أربعة عشر بندا شملت مطالب القبائل ومنها تشكيل حكومة جديدة تحظى برضا القبائل وتلبية مطالب القبائل والتنسيق الفعال والمتواصل لسياسة الجهورية العربية اليمنية مع متطلبات السعودية.
وتكمن حقيقة تلك المطالب في منح القبائل سلطات واسعة في أجهزة الدولة وانتهاج سياسة تعاون لصيقة بالسعودية وللتأكيد على جدية مطالبهم ونواياهم قيامهم بمهاجمه بعض وحدات الجيش في بعض المدن الشمالية.
وردا على تحركات القبائل أجرى الحمدي عدة لقاءات مع قادة الجبهة الوطنية الديمقراطية تم خلالها التوصل إلى صياغة عدد من القرارات المشتركة القاضية بتوسيع رقابة السلطة المركزية الفاعلة في كافة مناطق البلاد وإنشاء جيش وطني قوي وإيقاف التدخلات الخارجية -السعودية – في شؤون الجمهورية العربية اليمنية والحد من نفوذ القبائل . ومن جانب أخر ففي منتصف فبراير 1977عمل الحمدي على تحسين العلاقات مع اليمن الجنوبية والسير في طريق تحقيق الوحدة اليمنية بين الشطرين عقد في مدينة قعطبة لقاء بين الحمدي وسالمين .
بداية التدخلات
دفعت تلك العلاقات والاتصالات التي أقامها الحمدي مع القوى اليسارية وكذلك لقاءاته ومحاورته مع جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية القوى المحافظة التقليدية إلى بذل كل الجهود الممكنة لتحسين وتطبيع العلاقات بين الدولة والقبائل. فقد لعب القاضي عبدالله الحجري وبإيعاز من السعودية دور الوسيط بين الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر وبين الرئيس إبراهيم الحمدي إذ تمكن الحجري من إقناع المشايخ بقبول المصالحة مع الحمدي فضلا عن ذلك كان المشايخ مضطرين إلى قبول المصالحة نظرا لتخليص الاعتمادات المالية المتدفقة من السعودية والتي من جرائها عاني المشايخ أزمة مالية وقد سبق للرئيس الحمدي أن وعدهم بالتغلب عليها. في حين اطلع القاضي الحجري المشايخ بأن الحمدي أعطى موافقته المسبقة على سرعة تخفيف عملية تنفيذ الإجراءات الاجتماعية كما وعدهم أيضا باتخاذ الخطوات المؤدية إلى الفتور في العلاقات مع اليمن الجنوبي
ودفع التوجس من ترسيخ مواقع القوى اليسارية في اليمن وتحسين العلاقات مع اليمن الجنوبي السعودية إلى قيامها بدفع الشيخ الأحمر الذي مكث في منطقة خمر أكثر من عام إلى العودة إلى صنعاء في فبراير 1977م وكان قد عاد قبلة إلى العاصمة مجاهد أبو شوارب . وبهذا الاسلوب الذي قام به الحمدي والمتمثل بالمتوازن بين اليسار والقوى الرجعية وبين اليمن الجنوبي والسعودية تمكن بالطرق الدبلوماسية من تسوية النزاع المشتعل وإعادة الشيخ الأحمر إلى صنعاء ليسهل عليه مراقبة نشاطه كما تمكن من التوصل إلى اتفاق مع الشيخ الأحمر يقضى بأن توقف القبائل هجومها على قطاعات الجيش ويوقف المشايخ معارضتهم للإصلاحات المالية والاقتصادية التي تقوم بتنفيذها الحكومة . وكان يأمل الشيخ عبدالله بأن نفوذ وتأثير مجلس الشورى مستقبلا سيكون إلى جانبه وأنصاره وسينتخب مجددا رئيسا للمجلس في حين وضع الحمدي في حسبانه مسألة تخفيض مقاعد القبائل في مجلس الشوري وزيادة المقاعد المخصصة للضباط الشباب والموظفين .
تمرد وقمع
في 10 ابريل 1977م وفي ظروف غامضة اغتيل القاضي عبدالله الحجري اثناء تواجده في لندن بمهمة رسمية – وهو المعروف بارتباطه الشديد بالسعودية وبالقبائل الشمالية وفي ذات الوقت كان هو الوسيط في المصالحة وتسوية العلاقات بين السلطة المركزية والقبائل . ونظر المشايخ إلى اغتيال الحجري كتراجع من قبل الحمدي عن وعوده للحجري وللسعودية ووسعت القبائل عملياتها العسكرية فانتقلت من العمليات الهجومية الصغيرة إلى الاستيلاء على مراكز الحراسة العسكرية ومحاصرة وقطع الطرق في الشمال من العاصمة صنعاء .
وفي مطلع اغسطس 1977م جمع الأحمر قوة من القبائل وصل عددها إلى أربعين ألف مقاتل واستولى على مدينة صعدة ونتيجة للعمليات الهجومية للقبائل أصبحت اليمن الشمالي آنذاك في الواقع منقسمة حيث وقعت ست محافظات في الشمال والشمال الشرقي من اليمن تحت سيطرة المشايخ برئاسة الشيخ عبدالله الأحمر وسيطرت الحكومة على الستة المحافظات الأخرى الواقعة غرب وجنوب غرب اليمن . وفي نفس الشهر اغسطس شن الجيش مدعما بالمدرعات والطائرات حملات حربية ضد القبائل المتمردة وحققت تلك الحملات نجاحا كبيرا رفعت من هيبة الدولة والجيش وأوقعت الهزيمة في نفوس وسمعة ونفوذ وجهاء القوى القبلية . وكان هجوم قوات الجيش ضد القبائل المتمردة أول عملية من نوعها في تاريخ الجمهورية العربية اليمنية ودلت هذه العملية على الدور المتنامي للجيش وقوة السلطة المركزية أدت هزيمة مشايخ القبائل إلى تعثر دورهم في الحياة الاجتماعية – السياسية في اليمن آنذاك .
الوساطة السعودية
وكما هي عادتها الرياض في استغلال كل اضطرابات سياسية في اليمن للتدخل بالشؤون اليمنية الداخلية تحت مظلة الوساطة او المصالحة السياسية كبوابة عبور تمكنها من احداث اضطرابات اشد قوة واكثر عنف ومأساوية لتجرف اليمن نحو وادٍ سحيق يظل لعقود من الزمن متعثرا ومتخبطا ومنقسما جراء التدخلات السعودية والتي قادت إلى تحقيق اهدافها ومطامعها في اليمن ورغم ذلك لم يستفد اليمنيين من اخطائهم في تعاملهم مع الرياض وخيانة بعضهم لشعبهم ووطنهم ووحدتهم وما يمثله عدوان 2015م إلا دليل أخر على النتائج الوخيمة للتدخلات السعودية في الشؤون اليمنية !
ففي بداية سبتمبر 1977م وبتدخلات سعودية لإنقاذ عملائها من مشايخ القبائل توسطت إلى مصالحة سياسية بين الطرفين .فأبرم الرئيس إبراهيم الحمدي والشيخ الأحمر اتفاقية أو بالأحرى مصالحة برعاية سعودية منح بموجبها الشيخ عبدالله الأحمر منصب رئيس مجلس القيادة لشؤون القبائل والشيخ سنان أبو لحوم منح منصب نائب رئيس مجلس القيادة للشؤون الاقتصادية والشيخ مجاهد أبو شوارب عضو بمجلس القيادة . وموافقه الحمدي على إجراء انتخابات مجلس الشورى . كما وافق رسميا على تشكيل الجيش الشعبي من ثلاثة آلاف فرد ويتولى قيادته مجاهد أبو شوارب . وبذلك منح الرئيس الحمدي رؤساء القبائل عددا من المناصب في الحكومة ووافق على حرية تحرك المشايخ في داخل البلاد مصحوبين بحراستهم المسلحة الخاصة . ومن جانبهم التزم المشايخ بتسليم أسلحتهم الثقيلة وسحب فرقهم من المناطق التي سيطروا عليها في المناطق الشمالية والشمالية الشرقية . وبذلك مكن التدخل السعودي من اعادة عملائه للسلطة ومن جانب اخر احدث انقسامات داخل الحكومة نفسها جراء عودة المشايخ وتوليهم مناصب رفيعة بالدولة .
معارضة واستقالات
فقد دفعت الاتفاقية بين الحمدي والمشايخ بعض أعضاء الحكومة إلى تقديم استقالاتهم ومنهم وزير الشؤون الاجتماعية والعمل أحمد دهمش الذي قدم استقالته إلى رئيس مجلس الوزراء قبل مصحوبه بمذكرة توضح سبب الاستقالة وتحذر من التدخل السعودي بالشؤون اليمنية الداخلية ومما جاء في تلك المذكرة ( تقع المناطق الشمالية والشمالية الشرقية من البلاد تحت سيطرة ونفوذ القبائل التي تبذل كل ما في وسعها للاحتفاظ بسلطتها وإدارتها الذاتية هناك , وكما تسعى جاهدة لتحويل هذه المنطقة إلى منطقة حزام لمواجهة الزحف التقدمي . وفي مثل هذه الأوضاع يجب عدم تقديم التنازلات لمشايخ القبائل …. و أن عودة الشيخ الأحمر وأبو لحوم وأبو شوارب إلى ممارسة النشاط السياسي كارثة ومصيبة للشعب وتراجع إلى الوراء لسنوات كثيرة )
فالسعودية على الرغم من توسيع روابطها واتصالاتها مع الحكومة بصنعاء إلا أنها في نفس الوقت تعمل جاهدة لبقاء المناطق الشمالية مستقلة بمعنى آخر استمرار تلك المناطق تحت سيطرة المشايخ المواليين للسعودية والذين بإمكانهم مستقبلا القيام بضغوط معينة على سياسة السلطات المركزية وبما يخدم الاهداف السعودية في اليمن . ويؤكد في رسالته انه ( ليس من المنطق ولا من الضروري أن كل قضايا اليمن تحل بمساعدة السعودية بل من الضروري التخلص من كل أنواع مساعدات السعودية وحتى المساعدات المالية المخصصة لتغطية عجز الميزانية ويجب على الحكومة العمل على تشكيل المجلس الاستشاري الأعلى الذي يقع على عاتقه مسؤولية دراسة الوضع في المناطق الشمالية والشرقية من البلاد وتحليل ظروف وتمرد المشايخ ) .
اغتيال وطن
ويظهر واضحا الموقف المناهض للسعودية والتخوف من قيام الرياض بفرض سيطرتها الكاملة على شؤون اليمن الشمالية آنذاك واعتبر بأن قطع كافة علاقات صنعاء مع الرياض مسألة ضرورة حفاظا على سيادة اليمن واستقلال قرارها السياسي وحتى لا تعصف التدخلات السعودية باليمن إلى هاوية سحيقة تكون نتائجها وخيمة على اليمن قيادة وشعبا وأرضا لتحقق بذلك السعودية أهدافها ومطامعها في اليمن .
فكان نتيجة التدخلات السعودية تحت ذريعة الوساطة والمصالحة السياسية وخيمة على اليمن تمثلت في اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي في 11 اكتوبر1977م قبيل توجهه إلى عدن للتشاور مع قيادة اليمن الجنوبي لاستكمال خطوات تحقيق الوحدة اليمنية . وبهذا الصدد أصدرت الجبهة الوطنية الديمقراطية بيانا اعتبرت فيه اغتيال الحمدي ( خطة أمريكية منفذة بأياد يمنية الهدف منها التخلص من الحمدي ومن سياسته التي تميزت بالاستقلالية النسبية عن الاتجاه الأمريكي والسعودي ) .
المصدر : 26 سبتمبر