في الفِكرِ السياسيِّ “الثورةُ هدمٌ لبناء ما هو أصحُّ وأجملُ؛ لأَنَّ الثورةَ إنهاءٌ لكُلِّ سَيِّئٍ وبناءُ كُـلّ عظيم على أَسَاس عظيم”، وَهذا يعني ضرورةَ أن تتحقَّقَ الثورةُ بقدرٍ كافٍ كما التحديات أمامها متحقِّقةٌ تماماً، حين تتحقّقُ الثورةُ نستطيعُ مواجَهةَ معضلةِ الإمْكَانات، ولن نصلَ ذلك حتى تسيطرَ عَمَلانيةُ مشروعِ بناء الدولة في كُـلِّ مجال وأن نرى من يوالون أنشطةً عبقريةً مُلهمةً تنجز المطلوب للمجتمع وبه تباعاً، وَهذا يعني أهميّةَ معرفةِ ما نريده من إصلاحات في الكهرباء والطاقة والتجارة والصناعة والنقل والزراعة والإدارة المحلية والمياه وَالصحة، وآليات تحقيق ذلك، لا أن يواصلُ الروتينُ سيطرتَه في كُـلّ الجهات وأن يتكرّر أمامنا مَن يتعلل بالإمْكَانات وأثر العدوان والحصار كقناعٍ يُخفِي وراءه المصالحَ الشخصية والعجزَ والاستغلال وَالتلاعب، هذه الطفيلياتُ تحولُ دون استثمارٍ أفضلَ لمتاح الإمْكَانات، وتمكَّنَ الوصوليون الفاسدون من خدمة مصالحهم.
تنظيمُ الموارد المتاحة وحُسن تحصيلها وتصريفها وفق خطط واضحة وبيّنة وتنفيذية كفيلةٌ بتحسين الأوضاع ولو جزئياً، وَبشكل مرحلي يتصاعد مع حسن استغلال الإمْكَانات المتاحة على مستوى الأصول المادية والبشرية، فالبلاد لا تفتقر بشكل كلي للأولى كما يصور البعض.
وفي معلومات صاحب السطور أن جهات ومؤسّسات تعزو وضعَها المزريَ لغياب التمويل في ما هي في الواقع لم تقدِّمْ خططًا مدروسةً وعملانية تستوعبُ أَيَّةَ مشاريع وأنشطة إصلاحية تصحيحية في ظل أولوية مغايرة بالنسبة لمن يشغلونها من القيادات في الصف الأول ترتبط بتحصيل النفقات التشغيلية والحوافز وَالنثريات من جهة، ومن أُخرى في ظل هدر بأكثرَ من شكلٍ لعائداتها، وهذا يعني أن هؤلاء لا يعترفون بالمسؤولية كعبء ولا يلتزمونها كواجب ديني وطني، والمؤشرات سالفة الذكر التي وقفنا عليها –بشكل مباشر وبشكل غير مباشر- تعني في أقل تقدير أن ما تطلبُه المرحلةُ من مهمات ليست مستحيلة، إنما تستدعي الإنسانَ الأقدرَ على المواجَهة والوسائل المفترضة، لا الكارهين للتغيير أَو المخترَقين من قبلهم ومن استسلموا للعجز والفساد المقنع.
في الشهور الماضية نُفِّذت مِئاتُ المبادرات المجتمعية الكبرى وآلاف أصغر منها، في مجالات عدة أهمها شرايين الحياة أو الطرقات، سبق ذلك أن رأينا ومنذ ما قبل العدوان كيف موَّلَ الشعبُ ثورتَه وتحَرُّكَه، ثم كيف رفد وما يزال معركة التحرّر الوطني، لقد أثبت الشعب عظمته وأنه صاحبُ الموقف دائماً يمكنُه أن يحقّقَ أكبرَ المنجزات ويتجاوب مع كُـلّ من يحقّق مصالحَه العليا، ومن البديهي أن تلاقيَه المؤسّساتُ المعنية منتصفَ الطريق وأن تستثمرَ طاقتَه وأن تعمل على توجيهها وتنظيمها، كما هي مسؤولة عن الخطط الجاذبة لرأس المال الوطني المُخزَّن لدى الكثير تحت جُبْنِ أصحابه من الإقدام في ظل هشاشة محفزات الاستثمار وحاكمية مناخ طارد له.
أتدرك الحكومةُ وظيفتَها وما المطلوبُ منها في هذا السياق؟ المسؤوليةُ اليومَ أكثرُ ضخامةً، وَهي تفرض أسئلة متنوعة:
ماذا حقّقنا ومن أين وإلى أين؟ أين وصلنا؟ وكيف طوينا هذا العام وبما نستقبل العام الجديد؟ وأين تقف من شعار “يدٌ تحمي ويدٌ تبني”؟ وما مشاريعُ الحماية الناشطة على صعيد الأمن الغذائي؟ وهل يمكن إنجازُ شيء في ظل غياب حساب المسؤول عما أنجز؟ ولماذا لم ينجز؟ وهل يرجع تعطُّلُ ذلك إلى خيانة أَو استغلال أَو إلى أَمْن من السؤال؟ أَو لاكتفاء من يُفترَضُ بهم المساءلة والمحاسبة عن المسؤولين بمبرّرات تأليه المشاكل وتحديات الواقع؟
الإجاباتُ سهلةٌ واضحةٌ، وأوضحُ منها لدينا أن المسؤولَ في أي موقع كان حين يبدأ تأليه مشكلة وَتعقيدها، فهو في الحقيقة يعدم المحاولات أمامها ويوفر غطاءَ اتساعها وامتدادها، مع أنها ليست من صُنع قَدَرٍ أبدي، إنما صنع ظروف متحولة أَو قابلة للتحول، وَبالتالي معرفة سِرِّها هو عُدَّةُ السيطرة عليها.
كَثيراً ما حُولت التهديداتُ لفرص بناء ونهضة وتغيير في ظل تصدِّي القادرين على الاستجابة لاحتياجات ذلك وَليس غيرهم، في ظل هؤلاء الأخيرين يستمرُّ الفراغ أَو تربُّعُ التهديدات أَو التحديات أَو المشاكل أَو الأزمات على عرشها وستستمر وتستمر! أما لماذا؟ فيمكن نقلُ إجَابَةِ مَن سبقنا لذلك وبشيء من التفصيل: لأَنَّ الذين يعطون هم الذين لا يملكون؛ ولأن الفوقياتِ أكثرُ إفلاساً من التحتيات؛ ونتيجةَ الفواصل الهائلة بين الحلم والواقع والسؤال والجواب، بين الفوق والتحت، بين المأمول والأمل، مع هذا فالانتظارُ بلا حدودٍ والممكنُ أقلُّ من محدود.
المصدر: موقع أنصار الله