الدفاع الجوي لحزب الله يستعيد المبادرة
العين برس/ تقرير
استعادت وحدة الدفاع الجوي في المقاومة الإسلامية في لبنان – حزب الله خلال الأيام الماضية، زمام المبادرة في مواجهة سلاح الجو التابع لجيش الاحتلال الإسرائيلي، من خلال العديد من العمليات الناجحة. ففي 16/10/2024، تصدى المقاومون في هذه الوحدة، لمسيرتين إسرائيليتين في أجواء الجنوب بصواريخ أرض – جو، فأجبروها على التراجع ومغادرة الأجواء اللبنانية. وقبلها بيوم أسقطوا خلال عمليتين طائرتين مسيرتين إسرائيليتين من نوع هرمز 450، شوهدت إحداهما وهي تحترق في أجواء فلسطين المحتلة.
أما قبلها بأسبوعين، في 02-10-2024، وبعد أيام من بدأ العدوان الجوي الإسرائيلي على لبنان الذي تلى هجمات البايجر، أطلق المقاومون صاروخ أرض-جو على مروحية إسرائيلية في أجواء مستعمرة بيت هلل مما أجبرها على المغادرة على الفور، وحينها إلى ما قبل بدء العملية البرية الإسرائيلية، لم تظهر أي مروحية في الأجواء على امتداد الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة.
كل هذا الاستعراض العملياتي، يُثبت تمكن هذه الوحدة، من استعادة المبادرة وتهديد طائرات جيش الاحتلال، بالرغم من السيطرة الجوية الإسرائيلية وإطباقها الاستخباري، على كامل الأراضي اللبنانية.
فما أهمية استعادة وحدة الدفاع الجوي لزمام المبادرة في المرحلة الحالية، وماذا يمكن أن يكون دورها في إطار تصاعد المواجهات والعمليات الجوية والبرية الإسرائيلية؟
تبرز أهمية وجود وحدة الدفاع الجوي للمقاومة واستعادتها للمبادرة من خلال:
1)تمكين حزب الله من حماية البنية التحتية الحيوية له، ومستودعات الأسلحة ومراكز القيادة، وبالتالي الحد من قدرة إسرائيل على تحييد قدراته العسكرية من خلال القوة الجوية وحدها، والحد من قدرتها على جمع المعلومات الاستخباراتية.
فمن خلال إجبار الطائرات الإسرائيلية على تجنب مناطق معينة أو العمل على ارتفاعات أعلى، يمكن للحزب كسب وقت ثمين لنقل الأصول الرئيسية أو إجراء عمليات عسكرية تحت ضغط أقل من القوة الجوية الإسرائيلية.
2)مواجهة التفوق الجوي الذي يعدّ ركيزة العقيدة العسكرية الإسرائيلية: فالكيان يعتبر مفهوم التفوق الجوي هو حجر الزاوية في عقيدته العسكرية، ولذلك تم إيلاؤه الأولية القصوى في بناء القوة وتجهيزه بأكثر الأسلحة الأمريكية تقدماً في هذا المجال، والحرص الدائم على بقائه متفوقاً على صعيد المنطقة، أمام خصومه في محور المقاومة وحتى أمام حلفائه من الدول العربية لضمان هيمنته عليها.
لذلك فإن من مصلحة الحزب مواجهة التفوق الجوي الإسرائيلي من خلال تطوير ونشر نظام دفاع جوي فعال لتحييد أو على الأقل التخفيف من تأثير الغارات الجوية الإسرائيلية، وتوجيه ضربة قاسية لهذا العنصر، ومنع التفوق الجوي الإسرائيلي على ارتفاعات منخفضة ومتوسطة بالحد الأدنى. بما يؤدي الى تداعيات على باقي أسلحة جيش الاحتلال البرية والبحرية وغيرها، التي ترتكز في عملياتها بشكل رئيسي على وجود هذا العامل (أي تفوق سلاح الجو).
3)من شان تفعيل نظام الدفاع الجوي تعزيز موقف حزب الله الرادع في مواجهة إسرائيل. فغالباً ما تتضمن الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية التهديد بشن ضربات جوية ساحقة ضد لبنان، وبالتالي إذا تمكن الحزب من إثبات قدرته على إسقاط الطائرات الإسرائيلية أو على الأقل تعطيل الهيمنة الجوية الإسرائيلية، فإن هذا من شأنه أن يردع الإسرائيليين عن شن هجمات كبرى.
4) على الرغم من الاعتقاد التقليدي بأن منظومات الدفاع الجوي هي أداة دفاعية فقط، إلا أنه يمكن للمقاومة أن تستخدمها في أدوار هجومية لتعطيل العمليات الجوية الإسرائيلية، ودعم العمليات العسكرية الأوسع، مثل سيناريو اقتحام الجليل. لأن وجود مظلة دفاع جوي قريب وبعيد المدى، هو أمر في ضروري لأي قوة برية هجومية.
5)لا يشكل الدفاع الجوي قضية عسكرية بالنسبة لحزب الله فحسب، بل هو يشكل قضية سياسية أيضاً. من خلال إثبات قدرة الحزب – او ما يدعو إليه الحزب من تجهيز الجيش اللبناني بقدرات دفاع جوي فعالة – على الدفاع عن المجال الجوي اللبناني، بعكس ما يُحاول بعض الأطراف السياسية في الداخل اللبناني الترويج له، من أن الوسائل الدبلوماسية كفيلة وحدها بحماية لبنان وأجوائه، من الاعتداءات الإسرائيلية.
فسعي المقاومة الى تحسين قدراتها في هذا المجال، خاصةً من خلال تأمين منظومات رصد جوي ومراقبة، تعاونها منظومات أسلحة صاروخية ورشاشة والكترونية، ستشكل أهمية بالغة لتامين الإنذار المبكر واستهداف الطائرات المعادية، وبالتالي حماية الأجواء اللبنانية فعلاً وليس قولاً.
نظرة عامة على ترسانة حزب الله للدفاع الجوي
إن قدرات حزب الله في الدفاع الجوي متنوعة ومتطورة. وبالرغم من أنه من الصعب التأكد من التركيبة الدقيقة لترسانتها، بسبب الطبيعة السرية للعمليات العسكرية، فإن هناك تقارير إعلامية ومؤشرات ميدانية، تشير إلى امتلاك الحزب لعدة أنواع من أنظمة الدفاع الجوي على مر الأعوام. وتشمل هذه الأنظمة ما هو محمول من قبل الأفراد (MANPADS)، ومدفعية مضادة للطائرات، وما هو يعتمد على الصواريخ أرض – جو الموجهة بالرادار (SAM).
ومن بين الأنظمة المحمولة المؤكدة التي بحوزة حزب الله: SA-7 وSA-14 وSA-16 الروسية الصنع، ومنها ما هو إيراني الصنع مثل ميثاق 1 و2. ويتم إطلاق هذه الأنظمة من الكتف، وهي مصممة لاستهداف الطائرات المنخفضة التحليق مثل المروحيات والطائرات بدون طيار. ويمكن لهذه الأسلحة بالرغم من قلّة قدرتها على مواجهة الطائرات النفاثة على ارتفاعات عالية، أن تستهدف بشكل فعال المروحيات التي تحلق على ارتفاع منخفض، وطائرات الدعم الجوي القريب، والطائرات بدون طيار التي تشكل أهمية بالغة لجمع المعلومات الاستخباراتية الإسرائيلية ومهام الدعم الجوي القريب. ويمكن للمقاومة نشر أنظمة الدفاع الجوي المحمولة في مواقع استراتيجية بالقرب من مواقع تخزين الصواريخ، أو تجمعات القوات، أو في مناطق التوغلات الجوية الإسرائيلية المتوقعة. فضلاً عن أن الطبيعة المحمولة والقابلة للإخفاء لهذه الأنظمة ستسمح للمقاومة بنشرها بطريقة غير متوقعة، مما يزيد من صعوبة قيام إسرائيل بمهام الاستطلاع والضرب على ارتفاعات منخفضة.
وعلى صعيد المدفعية المضادة للطائرات، فإن الحزب يستخدم أنواعًا مختلفة منها مثل المدفع الآلي الثنائي ZU-23-2. وعلى الرغم من أنها ليست متطورة مثل أنظمة الصواريخ المضادة للطائرات، إلا أن هذه الأسلحة فعالة في استهداف المروحيات والطائرات بدون طيار التي تحلق على ارتفاع منخفض، وخاصة في البيئات الحضرية والجبلية حيث قد تكون الصواريخ أقل فعالية. وغالبًا ما تُستخدم هذه الأسلحة جنبًا إلى جنب مع أنظمة الدفاع الجوي المحمولة لإنشاء دفاعات متعددة الطبقات تعقد العمليات الجوية الإسرائيلية.
أما على صعيد منظومات الدفاع الجوي الصاروخي، فقد تحدثت الكثير من التقارير الإعلامية، الإسرائيلية والغربية، التي انتشرت ما بعد حرب تموز / يوليو 2006، عن حصول حزب الله على أنظمة صواريخ أرض-جو أكثر تطورا، مثل SA-6 وربما SA-17، ومنظومات إيرانية الصنع من طراز “سوم خرداد” و”15 خرداد”، ولا يستبعد حصول الحزب إذا ما كان هناك حاجة لديه، الى منظومة “باور 373” أيضاً.
وتتميز هذه المنظومات بانها قادرة على استهداف الطائرات عالية الارتفاع لمسافات أطول، ويمكن أن تخلق منطقة حظر جوي فوق مناطق رئيسية في جنوب لبنان ووادي البقاع، حيث يزعم الاحتلال وجود العديد من الأصول الاستراتيجية المقاومة. فهذه المنظومات قادرة على التعامل مع الطائرات المقاتلة والطائرات بدون طيار الإسرائيلية على ارتفاعات متوسطة وعالية، مما يجبر سلاح الجو الإسرائيلي على إعادة النظر في خطر الاختراق العميق للمجال الجوي اللبناني. وحتى لو لم يتمكن حزب الله من القضاء تماما على التهديد الجوي لسلاح الجو الإسرائيلي، فإن أنظمة الدفاع الجوي الخاصة به يمكن أن تجبر الطيارين الإسرائيليين على تبني مسارات هجومية أكثر خطورة، مما يقلل من فعالية وتواتر الضربات الجوية.
وفي سياق متصل، يُمكن للمقاومة دمج الطائرات دون طيار في إطار الدفاع الجوي، بحيث يمكن استخدام هذه الطائرات في عمليات المراقبة والهجوم، وربما لاستهداف الطائرات الإسرائيلية أيضاً.
فما هي التكتيكات التي يمكن للحزب بواسطتها استخدام هذه القدرات؟
_تكتيكات الكمائن عبر وحدات الدفاع الجوي المتنقلة:
إن إحدى المزايا الأساسية للمقاومة الإسلامية، هي قدرتها على العمل في التضاريس الوعرة في لبنان، والتي توفر فرصاً واسعة للتخفي والكمائن. لذلك ومن خلال نشر أنظمة الدفاع الجوي المحمولة وأنظمة الدفاع الجوي المحمولة في مواقع مخفية، يمكن لوحدة الدفاع الجوي أن تنصب كميناً للمروحيات الإسرائيلية أو الطائرات النفاثة التي تحلق على ارتفاع منخفض. ومن المرجح أن تستهدف هذه الكمائن الطائرات الإسرائيلية التي تقوم بمهام الدعم الجوي القريب أو المراقبة أو الاستطلاع، وخاصة في المناطق التي تسيطر عليها المقاومة على الأرض.
_استراتيجية الدفاع الطبقي:
لتحقيق أكبر فعالية لمنظومات الدفاع الجوي لدى المقاومة، فإن قد تلجأ إلى نشرها على شكل طبقات، بحيث تغطي المنظومات المحمولة التهديدات على ارتفاعات منخفضة، وتغطي صواريخ أرض-جو متوسطة المدى التهديدات على ارتفاعات أعلى، بينما توفر المدفعية المضادة للطائرات الدفاع الأخير. ومن خلال وضع هذه الأنظمة على طبقات، عندها يتم إنشاء مجال جوي متنازع عليه على ارتفاعات مختلفة، مما يجعل من الصعب على الطيارين الإسرائيليين إجراء مهامهم دون مواجهة مخاطر كبيرة.
_القيادة والسيطرة اللامركزية والمتحركة:
تماشياً مع تكتيكات حرب العصابات، من المرجح أن تعتمد عمليات الدفاع الجوي في المقاومة على القيادة والسيطرة اللامركزية، بشكل تكون فيه كل وحدة مسؤولة عن الدفاع عن منطقة جغرافية محددة، والاستفادة من القدرة على الحركة والمعرفة المحلية والمفاجأة، للاشتباك مع الطائرات الإسرائيلية.
_إنشاء أهداف زائفة وطُعوم: مثل القيام بنشر أنظمة رادار وهمية وإنشاء مواقع صواريخ أرض-جو زائفة. وهذا من شأنه أن يتسبب في إهدار سلاح الجو الإسرائيلي للوقت والموارد الثمينة في استهداف مواقع الدفاع الجوي المزيفة، بما يوفر المزيد من الوقت لأنظمة صواريخ أرض-جو الفعلية الخاصة بي لتظل في وضع التشغيل.
المصدر: موقع الخنادق