الخيانة السعودية.. ماركة مسجلة
العين برس/ مقالات
أحمد فؤاد
“بعض الكلمات قلاع شامخة يعتصم بها النبل البشري
الكلمة فرقان بين نبي وبغي”..
عبد الرحمن الشرقاوي- في مسرحيته الخالدة “ثأر الله”، الحسين(ع) ثائرًا وشهيدًا
بعد شهور طويلة من التسريبات والتقارير الصحفية، خرج أخيرًا ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بإعلانه الفاضح لاتفاقية، قد تمت، مع واشنطن وتل أبيب، حوار الأمير المندفع رسم حدود المؤامرة الأحدث، وحدد ثمنها، فهي تمنحه هو اختفاء الفيتو الأميركي عن طريقه إلى عرش آل سعود، وتمنح الولايات المتحدة منطقة الشرق الأوسط كما أرادتها وتريدها، تابعة ممزقة ومففتة، يضرب بعضها رأس بعض في حلبة تحكمها صافرة الصهيوني، وتهب كيان العدو ورئيس حكومته بنيامين نتنياهو انتصاره الأهم والأكبر، منذ النكبة.
حوار ابن سلمان مع قناة “فوكس نيوز” الأميركية، يمكنه أن يحتمل أي رد فعل من كل عربي، إلا واحدًا وهو الدهشة أو الاستغراب، هذه ليست المرة الأولى التي يغازل فيها ولي العهد السعودي كيان العدو، ويمد يديه طالبًا علاقات طبيعية، ولا هي المرة الأولى التي يتصرف فيها آل سعود كخنجر أميركي مسافر إلى القلب العربي، ولا هي توجهًا جديدًا على الرياض، أو مصلحة طارئة على جدول أولوياتها وسياساتها الإقليمية، سواء تجاه كيان العدو أو ضد القضايا العربية وأركان أمنها الراسخة.
الواقع المعاصر في العالم العربي يخبرنا بأن السعودية منذ العام 1945، وبعد اتفاق روزفلت ـــ عبدالعزيز، المعروف بالنفط مقابل الأمن، قد صارت قاعدة متقدمة للنفوذ والوجود الأميركي في المنطقة، أي قبل قيام الكيان بثلاثة أعوام كاملة، وكانت تضمن الأرضية المريحة والمناسبة للتغلغل الأميركي في هذا الجزء من العالم، وتحقق قائمة الأهداف الأميركية المطلوبة، وكاملة، بطرق التدخل الناعمة، الفارق بين السعودية والكيان لم يكن سوى في العنوان، فالمصلحة واحدة، مهما تباعدت طرق ووسائل تحقيقها، واللغة ذاتها مهما تعددت اللهجات أو تغيرت نبرة الصوت.
هذا ليس تحليلًا قد يصدق أو يحتمل التأويل والشك، لكنه الحقيقة بلسان ولي العهد نفسه، في حوار سابق أجراه مع الإعلامي الصهيوني، “جيفري غولدبيرغ”، لمجلة “ذي أتلانتيك”، في نيسان/ إبريل 2018، حيث قال نصًا: “عملنا بجهد في المملكة السعودية في سبيل المصلحة الأميركية، واجهنا المد الهائل بعد انتصار الثورة الإسلامية في طهران، وواجهنا قبل ذلك عبد الناصر في مصر، ووقفنا ضد الإيديولوجيا الشيوعية للاتحاد السوفياتي، وناصرنا المجاهدين في أفغانستان بالمال والسلاح، ودعمنا حركة الإخوان المسلمين لزعزعة الحكم الثوري، وكذلك فعلت الولايات المتحدة، ثم وقفنا بقوة ضد أيديولوجيا الثورة في إيران، والتي كانت أيضًا تعادي مصالح واشنطن”.
لم يقل ابن سلمان أن السعودية والكيان، مثلًا، تعاونا ضد أول دولة وحدة عربية، الجمهورية العربية المتحدة، ولم يصرح بأنهما اتفقا قبل حرب 1967 على ضرورة تصفية مشروع القومية العربية، وتحويله من فكرة جذابة تغازل الجماهير والشعوب إلى عبرة لمن اعتبر، لم يقل أن مصالح قصور الرياض وتل أبيب تلاقت في 2011 على ضرورة كسر القلعة العربية المنيعة في دمشق، وأنهم كلهم اشتركوا في حرب التدمير المعلنة والمستمرة على الشعب الأبي في سوريا، وأنهم ركبوا موجات الربيع العربي في كل بلد لصالح تفتيته أو إضعافه وزيادة تبعيته وتحطيم إرادة الشعوب وتزييفها، بشكل احتاج للنفوذ الأميركي والأموال السعودية والإغراءات الصهيونية، بالتعاون معًا وبشكل وثيق وممنهج.
ليس غريبًا أن يختار ابن سلمان الوقت الحرج الحالي لتوجيه رسالته أو هديته الفخمة إلى كل من واشنطن وتل أبيب، بالنظر إلى عمق الأزمة الحالية التي يمر بها الكيان، والمتمثلة في جبهات النار والدم المفتوحة حوله، من لبنان التي يخشى فيها حزب الله، ومع ذلك لديه إيمان شبه مطلق بأنه لا يستطيع الاقتراب منها، لأن الثمن وجوده ذاته، ثم غزة التي تحولت إلى سكين في أضلاعه لا يستطيع مهما بلغت قوته أن ينتزعه، والضفة الغربية التي حوّلتها المقاومة الفلسطينية البطلة إلى حرب استنزاف يومية ومستمرة تهدد استمراره، وحتى الجبهات التي اعتقد أنه آمنها تمامًا، مثل مصر، يخرج منها مجند واحد بسلاح قديم يقلب ثوابته ويهدم أركانه في لحظة واحدة من نهار.
هنا يتحول مشروع التطبيع السعودي ــ الصهيوني إلى قفز واسع خلف كل تلك السدود التي تراكمت على مدار السنوات، من الدم والعرق والجهد، فداءً وإخلاصًا وعملًا منهجيًا راقيًا للمقاومة الإسلامية والعربية، والتي كسرت معادلات الردع مع العدو، وباتت هي من تملك دفة توجيه الصراع إلى حيث لا يستطيع العدو أن يقرر، وإلى مدى لا يتمكن من أن يستوعبه أو تتحمله أعصابه الهشة.
اليوم يبدو مشروع ابن سلمان كسرًا للعالم العربي والإسلامي، حتى لو كانت العلاقات بين الكيان وقصور الحكام في الخليج قائمة قبل ذلك يكثير، التطبيع الرسمي يعني أن الكيان تحول إلى “لاعب رسمي” في المنطقة، دولة عادية مثل غيرها، على الأقل بالنسبة لحكومات دول عربية وإسلامية أخرى، ستغريها الخطوة السعودية وتقربها، وهي في كل حال خصم من قوة الأمة ومواردها وإمكانياتها لصالح المشروع الصهيوني.
في الحقيقة يمثل حوار ابن سلمان صورة أكمل جرم للنظم العربية الرسمية، التي لا تعرف من قضايانا ولا من مصالحنا ومستقبلنا شيئًا، أقزام تافهون تغازلهم الدعاية الصهيونية وتغريهم أضواء فلاشات الكاميرات ولمعان الاستديوهات الهوليوودية البراقة، بالشكل والصورة الغربية لـ “البطل” الذي يستفز خيالاتهم المريضة أصلًا، وتغذي فيهم النزعة الكاذبة للتفوق بتقارير وأرقام وأماني خداعة، وتلجأ في ليل حالك إلى الوصفة الأميركية كحل لمواجهة مشكلاتها، أو ما تتوهم أنه مشكلاتها، وتفيق على أسوأ واقع ممكن، وسياط الأثمان الفادحة والمرعبة للتفريط وبيع الأوطان، تستنزف الاستقلال الوطني، والكرامة، والدم.
المصدر : موقع العهد الاخباري