ثبَّتَت الدولُ المنتصِرةُ في الحرب العالمية الثانية أنظمةً وقواعدَ تنظِّمُ العلاقات بين الدول المنتصِرة والدول المنهزمة وكذلك بين الدول القوية والدول الضعيفة، وحدّدت دوراً معيَّناً لكل دولة في ظل نظام دولي مكون من قُطبَين رأسمالي وشيوعي برعاية الأمم المتحدة التي تم إنشاؤها لهذا الغرض من قبل الدول المنتصرة.
ومن ضمن الدول التي تم تحديد دورها ألمانيا واليابان؛ باعتبارهما زعيمتَي الدول المنهزمة، حَيثُ تم تجريدُهما من السلاح الاستراتيجي وفُرضت عليهما عقيدةٌ عسكريةٌ دفاعية، ورغم التغيُّر الذي طرأ على النظام الدولي بعد سقوط الاتّحاد السوفيتي إلَّا أن الأنظمة والقواعد التي تم الاتّفاقُ عليها بعد الحرب استمرت.
ومع بروزِ عاملٍ جديدٍ وهو فرضُ أمريكا نفسَها زعيمةً للعالم وراعية للنظام العالمي ومع مرور الزمن بدأت بعض الدول ترفعُ صوتَها في مواجهة أمريكا وسياسة القُطب الواحد، من خلال المطالبة بعالم متعدد الاقطاب ومطالبة دول أُخرى بزيادة عدد الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، وفي هذا الإطار برزت الصين كمنافس اقتصادي وعسكري مستقبلي، وروسيا طرحت نفسَها كقوة دولية في مواجهة المشروع الأمريكي من خلال حربها في أوكرانيا، وهذا التحَرّك أقلق أمريكا ومن ورائها دول أُورُوبا والنظام العالمي القائم على منع الحروب في أُورُوبا وسمح بقيامِها في الدول الأُخرى.
وقد دفعت روسيا الغربَ إلى تغيير قواعد المواجَهة من خلال دعم أوكرانيا بمختلف أنواع الأسلحة، وفي نفس الوقت دفعت الدول التي كان عليها قيودٌ أَو كانت تتبنى سياسةَ الحِياد مثل ألمانيا واليابان والسويد وفنلندا إلى ترك الحياد وإعادة النظر في سياساتها العسكرية وتغيير عقيدتها العسكرية من العقيدة الدفاعية إلى العقيدة الهجومية تحت مبرّر درء الخطر الروسي والصيني، وكُلُّ ذلك بتخطيط من أمريكا؛ بهَدفِ الحِفاظِ على مكانتها ومصالحها في مختلف أنحاء العالم بِغَضِّ النظر عن الثمن الذي سوف تدفعُه الدولُ المعنية.
ونحن نرى العالَمَ يتغيّر نجد العالَمَ العربيَّ والإسلامي ثابتاً على سياسة الإيمَـان المطلَق بقوة أمريكا، وكأن المتغيراتِ الجاريةَ في العالم لا تعنيه مع أن ما يحدُثُ يُعتبَرُ فُرصةً للعالم العربي والإسلامي لإعادة حساباته وتقييم علاقاته مع الآخرين، والاستفادة من ذلك في تكوين أُطُرٍ سياسيةٍ واقتصاديةٍ تستطيعُ أن تقفَ في وجه التغول الأمريكي على الأُمَّــة.
ومن المستغرَبِ وقوفُ معظم الدول العربية والإسلامية ضد اليمن عندما وقفت ضد المشروعِ الأمريكي التي كانت أمريكا تريدُ فرضَه عليها.
المصدر: موقع أنصار الله