مع التحركات المكثفة التي تقودها سلطنة عمان الشقيقة لوقف الحرب العدوانية على اليمن ورفع الحصار وصرف المرتبات ، تكثف الإدارة الأمريكية تحركاتها لمنع تلك الجهود الإيجابية من تحقيق أي نجاح ، فهي من جانب تريد أن تضاعف معاناة الشعب اليمني بالحرب والحصار وانقطاع المرتبات ، ومن جانب آخر تريد أن تبقي السعودية في ورطة الحرب لتجني أمريكا مزيدا من المليارات إلى خزائنها وبنوكها من تمويلات الحرب ، سلوك يفترض أن يدفع بالسعودية إلى إعادة حساباتها في الانصياع لأجندات أمريكا ، خصوصاً وهي تتعرض لضغوط أمريكية واضحة ومعلومة تدفعها للاستمرار في الحرب على اليمن ، بما يعني مزيداً من التوريط والإغراق والابتزاز في المقابل.
عندما تم التوصل إلى هدنة إنسانية في إبريل من العام المنصرم ، ظهرت الإدارة الأمريكية كأكبر المتضررين من توقف التصعيد العسكري ومن دخول سفن الوقود والسلع إلى موانئ الحديدة ، ومن انطلاق بعض الرحلات المدنية من مطار صنعاء ، رغم محدوديتها ، إلا أن أمريكا تعتبر أي خطوة لتخفيف معاناة الشعب اليمني مزعجة لها ومقلقة ، واستنفرت بكافة مستوياتها للالتفاف على ما تضمنته الهدنة من بنود إنسانية ، وعملت بشكل مكثف على إفشال تنفيذ تلك البنود ، ووضعت ألف عائق أمام كل بند من تلك البنود القليلة ، وبالتوازي عملت بشكل مكثف على إفشال أي تقارب لإعلان هدنة موسعة تضمن صرف المرتبات ورفع الحصار عن الشعب اليمني حتى وصلت مفاوضات إعلان الهدنة إلى طريق مسدود نهاية العام الماضي.
ومنذ انتهاء الهدنة الإنسانية نهاية العام المنصرم وضعت الإدارة الأمريكية العراقيل والتعقيدات أمام أي جهود تفضي إلى هدنة جديدة تلبي استحقاقات الشعب اليمني ، واعتبرت مطالب اليمن في صرف المرتبات ورفع الحصار شروطاً مستحيلة غير مقبولة ، ومارست ضغوطات مكثفة على السعودية لمنعها من أي خطوات في هذا السياق.
ورغم ذلك كثف الأشقاء في عمان من تحركاتهم وجهودهم للتوصل إلى اتفاق بشأن الملف الإنساني ، وتعاملت صنعاء مع الجهود العمانية بإيجابية من خلال الحفاظ على خفض التصعيد لمنح تلك الجهود الفرصة الكافية لنجاحها ، وأجريت نقاشات إيجابية ومكثفة في هذا السياق ، بلغت ذروتها حين وصل الوفدان العماني والسعودي إلى صنعاء أواخر شهر رمضان المبارك وفي اللقاءات التي تمت في القصر الجمهوري بصنعاء مع القيادة الوطنية كانت الأمور تجري بشكل جيد وبإيجابية كبيرة ، غير أن ذلك لم يرق للإدارة الأمريكية التي هرعت مسرعة لتضغط على السعودية بوقف تلك النقاشات ومغادرة وفدها من صنعاء إلى الرياض.
اللقاءات التي جرت في صنعاء كانت مهمة جداً لناحية اليمن والسعودية طرفي التفاوض ، بالقدر نفسه كانت مخيفة جداً للإدارة الأمريكية التي ترتعد رعباً من أي خطوات توقف الحرب وترفع الحصار عن اليمن ، وما إن شوهدت صور الوفدين السعودي والعماني مع القيادة اليمنية حتى استنفرت الإدارة الأمريكية كافة مستوياتها وأطلقت ضغوطاً مكثفة على السعودية لمنعها من المضي في أي خطوات تتجه نحو تحقيق السلام ووقف العدوان ورفع الحصار ، وأطلقت عمليات تحريض مكثفة للتحذير من مخاطر أي اتفاقات توقف الحرب وتصرف المرتبات وترفع الحصار ، فوصل ليندر كينغ إلى الرياض ومع وصوله تم استدعاء الوفد السعودي من صنعاء الذي غادر في اليوم نفسه إلى الرياض.
تمارس أمريكا أقصى الضغوط على السعودية لمنعها من المضي في أي خطوات إيجابية نحو السلام والحلول الإنسانية ، وتتحرك بمستويات عديدة للضغط على السعودية لتستمر في الحرب العدوانية والحصار على اليمن ، والهدف واضح مزيد من التوريط للسعودية في دوامة الحرب على اليمن ، وذلك يعني مزيداً من المليارات التي تكسبها أمريكا.
كل التصريحات التي يطلقها مسؤولو الإدارة الأمريكية حول السلام في اليمن مجرد ادعاءات كاذبة ، فالحقيقة هي أن أمريكا تسخّر كل جهدها لإبقاء الحرب العدوانية على اليمن مستمرة ، ولإبقاء الحصار الظالم والغاشم قائماً، وإبقاء الموظفين بلا مرتبات وبلا حقوق ، لأن ذلك في مجمله يعني استمرار الحرب ومن استمرارها تجني أمريكا المليارات من الدولارات إلى خزائنها وبنوكها وعلى حساب حياة ملايين اليمنيين.
وما يجب على السعودية إدراكه أن استمرار الحصار وعدم صرف المرتبات يعني عودة الحرب ، وعودة الحرب سيكون مكلفاً على السعودية نفسها ، وأن الانصياع للرغبات الأمريكية سيكلفها الكثير ، فأمريكا ليست فاعل خير معها بل تاجر حرب يريد أن تستمر الحرب ليحصل على المليارات من السعودية ، وليس أمام السعودية إلا أن تمضي في وقف العدوان ورفع الحصار وتحقيق السلام.
إن مضي السعودية في خيار السلام مع اليمن خير لها من الاستمرار في الانقياد لأمريكا، لأنها في نهاية المطاف ستخسر أكثر إذا استمرت في طوع أمريكا وخانعة لها بالاستمرار في الحرب والحصار على اليمن ، وبالتأكيد سترغم في نهاية المطاف على تلبية حق الشعب اليمني ومطالبه العادلة ، وبسلام.