المخططات التهويدية للمسجد الأقصى أخذت منحنيات خطرة خلال الفترة الماضية، وهو ما يشير إلى نية الاحتلال تثبيت وقائع على الأرض في الحرم القدسي، وتقسيمه زمانياً ومكانياً.
بعد أكثر من عام على معركة “سيف القدس” التي خاضتها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة نصرة للمسجد الأقصى المبارك وأهالي حي الشيخ جراح في القدس المحتلة، يعود المسجد الأقصى مرة أخرى إلى الواجهة من جديد وسط مخططات وانتهاكات جديدة يمارسها الاحتلال محاولاً تجاوز الخطوط الحمراء، في ظل تقديرات خاطئة لديه بأنّ هذا الأمر لن يفجر الأوضاع مجدداً.
لا شكّ في أنّ المقاومة الفلسطينية وقيادتها تراقب وتتابع من كثب التطورات التي تجري في مدينة القدس المحتلّة، وآخرها محاولات المتطرف الصهيوني إيهودا غليك نفخ البوق داخل المسجد الأقصى، وقبلها دخول عدد من “العاهرات” بملابس فاضحة إلى المسجد المبارك، في مشهد مستفزّ لمشاعر المسلمين.
قد يعتقد الاحتلال أنّ سياسته السابقة التي تهدف إلى تمرير المخططات التهويدية على أمد بعيد يمكن أن تمر بسهولة على الفلسطينيين بعد معركة “سيف القدس”، لكنّه مخطئ في تقديره، نظراً إلى أن قضية القدس حاضرة بشكل دائم في التفكير الفلسطيني المقاوم، إذ إنّ من خاض معركة “سيف القدس” لن يتردد في فتح معركة جديدة لأجل المدينة المقدسة التي تجمع الأمة العربية والإسلامية.
المخططات التهويدية للمسجد الأقصى أخذت منحنيات خطرة خلال الفترة الماضية، وهو ما يشير إلى نية الاحتلال تثبيت وقائع على الأرض في الحرم القدسي، وتقسيمه زمانياً ومكانياً بين المسلمين والصهاينة المتطرفين، إذ وصلت محاولات عزل المسجد الأقصى عن محيطه إلى مراحل متقدمة في ظل الحفريات التهويدية أسفله من الناحية الغربية، إضافةً إلى خطوات قد تبدأ خلال الفترة المقبلة بعمليات هدم مفتعلة لمبانٍ تحيط به، وصولاً إلى إحداث تشققات داخل مصلياته، لتكتمل بعدها المرحلة الثالثة بسيطرة ميدانية على جزء من باحة المسجد الأقصى وصولاً إلى تدمير المسجد ومعالمه.
من يتابع ما يحدث في مدينة القدس والمسجد الأقصى يدرك جيداً أنّ “دولة” الاحتلال تتعمّد تغيير الوضع القائم في الأماكن المقدسة، إذ سعت على مدار عقود لتغيير الوضع الذي كان في العهد العثماني والبريطاني، وأخيراً الأردني، في مخالفة لاتفاقيات “الوضع الراهن” (الستاتيكو) التي تنصّ على تثبيت حقوق كل طائفة وجماعة دينية كانت موجودة في المدينة، من دون السماح بإحداث تغيير لما كان عليه الوضع منذ آب/أغسطس 1852.
عمدت الجماعات المتطرفة في الآونة الأخيرة إلى إحداث تغييرات جوهرية في واقع المسجد الأقصى، تتمثل بإجراء طقوس السجود الملحمي، وإحياء فكرة الكهنة الذين يلبسون الزي الأبيض ويدخلون القرابين إلى ساحته، وهو ما يُراد منه إظهار قدسية يهودية للمكان.
في المقابل، عمدت إلى إدخال عارضات أزياء يهوديات بملابس فاضحة تظهر في خلفيتهن أماكن مقدسة داخل الحرم، وهو الأمر الذي يراد منه نزع القدسية عن هذه الأماكن بالنسبة إلى المسلمين، وإخراج مناطق داخل ساحة الأقصى من المناطق المقدسة لكسر المفهوم الإسلامي بأنّ كل مساحة المسجد مقدسة.
في الآونة الأخيرة، زادت الانتهاكات ضد المسجد الأقصى بعدما اتفقت جماعات الهيكل والأحزاب اليمينية في حكومة الاحتلال على فرض أداء الطقوس التوراتية في الحرم القدسي، عبر تثبيت عمليات الاقتحام اليومي، وآخرها محاولات نفخ البوق التوراتي داخل الحرم القدسي، في محاولة معنوية لإحياء فكرة إمكانية بناء الهيكل المزعوم فوق المسجد الأقصى.
بعد معركة “سيف القدس”، تكثّفت مراقبة المقاومة الفلسطينية للأوضاع في المسجد الأقصى، وهي ترى أنّ العدو يحاول تمرير خططه في المسجد المبارك وجعلها أمراً واقعاً، من دون أن تكون هناك ضجة أو ظهور عبر وسائل الإعلام، خشية تفجر معركة جديدة مع غزة تشارك فيها الضفة والقدس والداخل المحتل.
الانتهاكات والخطط التهويدية المتسارعة للعدو نابعة من تقديرات لديه بأنّ المقاومة لا ترغب في فتح مواجهة عسكرية من قطاع غزة خلال الفترة الحالية. هذا الأمر خاطئ وغير واقعي بدرجة كبيرة، نظراً إلى تحرر المقاومة من أي قيود داخلية أو خارجية. وبناء عليه، فإنّ الواقع يقول إنّ استمرار المخططات ومحاولات تمريرها سيدفع المنطقة كلها إلى زاوية حرجة وانفجار كبير.
الفلسطينيون ينظرون إلى خطوات الاحتلال الخبيثة في المسجد الأقصى ومدينة القدس بأنّها من أخطر الخطوات التي يمكن أن تفجر الأوضاع. هذا الأمر ربما أبلغت به الفصائل الفلسطينية الوسطاء خلال الفترة الأخيرة. ومع ذلك، فإنّ إبلاغ الوسطاء ما هو إلا مرحلة قصيرة سيتبعها فعل مفاجئ للمقاومة لتثبيت معادلة القدس مجدداً.
المصدر: الميادين