إنَّ الدورَ الذي تمارسُه الولايات المتحدة الأمريكية – كوريث استكباري – يحتمُّ عليها الحيلولةَ دونَ ظهور أي مشروع تنموي حقيقي، أَو بوادر تطور ونهضة ذاتية صحيحة، خَاصَّة في البلدان العربية والإسلامية، وذلك ما يفسر حرصها على وأد كُـلّ ما يمكن أن يؤدي إلى نهضة حقيقية، مهما كان الثمن، وبمختلف الوسائل والسبل، انطلاقا من تموضعها العدائي الثابت والمبدئي، تجاه العرب والمسلمين خَاصَّة، وشعوب العالم الثالث عُمُـومًا؛ لأَنَّها تعي معنى أن يمتلك العرب والمسلمون، مشروعا نهضويا حقيقيًّا شاملا، وما يمثله ذلك من خطر وجودي عليها، وعلى الكيان الصهيوني الغاصب، ومن دار في فلكهما، من قوى الاستكبار العالمي.
ولذلك طالما حرصت على تدجين الشعوب، من خلال الأنظمة الحاكمة، وتخديرها بوعود التنمية، وحلم الانتقال الحضاري المجاني، بينما كُـلّ ما قدمته وتقدمه هو اغتيال الشعوب، وتوطين مشاريع التنمية المغلوطة والمنقوصة، وتكريس ثقافة استهلاك المنتج، دون معرفة كيفية صناعته وإنتاجه، وهو ما عبر عنه السيد القائد بقوله: “اليوم عالمنا العربي هو سوق من أكبر الأسواق في العالم، سوق مستهلك؛ لأَنَّ مستوى الإنتاج عندنا في العالم العربي ضعيف، ويكاد يكون صفراً؛ فنعتمد في مشترياتنا، واستهلاكنا على المنتجات الأجنبية (نستورد)، كُـلّ شيء مستورد مستورد، لا ننتج كما ينبغي؛ وبالتالي تذهب معظم أموالنا إلى أعدائنا، وتشكل ثروة لهم، مصدر دخل كبير لهم”. (السيد القائد – خطابات المناسبات – يوم القدس العالمي ١٤٣٨هـ).
ولأن الاستقلال الاقتصادي، هو البوابة الرئيسة، للتحرّر من التبعية السياسية، فقد حرصت القوى الاستعمارية، وفي مقدمتها أمريكا، على إجهاض كُـلّ رؤية أَو حلم نهضوي، أما بحرف مسار المشروع النهضوي، أَو بتصفية رواد النهضة في البلدان العربية بالقتل، وهو ما حدث لمشروع الوحدة الاقتصادية، الذي تزعمه الرئيس المصري جمال عبدالناصر عام ١٩٥٧م، الذي كان يهدف إلى إيجاد اقتصاد عربي قوي، يقوم على (التنسيق بين السياسات الزراعية والصناعية والمالية والنقدية، وتوحيد التشريعات الخَاصَّة بها).
بهدف تحقيق تنمية شاملة، تحرّر الإنسان من قيود التبعية والارتهان، على كافة المستويات، الأمر الذي جعل القوى الاستعمارية، تضع مهمة إفشال هذا المشروع، في قائمة أولوياتها، من خلال إيجاد أصوات معارضة ومتحفظة، على مستوى الحكام العرب، الذين امتنعوا عن توقيع الاتّفاقية، وأصبحوا عائقا أمام تقدمها ونجاحها.
إضافة إلى ربط المشروع النهضوي، بشخص الزعيم جمال عبدالناصر، في هيلمانه السياسي، ثم بمشروع القومية بعد وفاته، ليصبح في نهاية الأمر محاصرا ضمن أطر جغرافية محدّدة، وبقايا أطلال، يتغنى بها القوميون الناصريون، بوصفها إرثهم الخاص المقدس، الذي لا يجوز تجاوزه، لما في ذلك من مساس مباشر، بقداسة حضور الزعيم الراحل.
وفي ذات السياق التنموي القومي، ولكن بشكل أوسع وأشمل، استطاع الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي، اجتراح مشروع نهضة تنموية شاملة، في زمن قياسي، الأمر الذي جعل القوى الإمبريالية الغربية وأدواتها، تبادر إلى اغتياله وتصفيته جسديا، لتدفن مع جثمانه الطاهر، سيادة الوطن، وأحلام الشعب اليمني، في مهدها، لتأتي أمريكا بعد ذلك لتعدنا بالتنمية والنهضة، ولا أدري عن أي تنمية يتحدث حامل الإرث الاستعماري، وصانع مشاريع الموت والإرهاب؟!!!.
خَاصَّة بعد مثابرتها على تحويل اليمن إلى بيئة طاردة لكل مشاريع التنمية، والنهضة الاقتصادية والاستثمار، وأصبح الوضع الحياتي الجمعي، في غاية البؤس والشقاء والاستلاب، مستخدمة في ذلك كُـلّ أوراقها وأدواتها، بما فيها الجماعات التكفيرية، كما يوضح ذلك السيد القائد في تشخيصه للوضع، قبل ثورة ٢١ سبتمبر ٢٠١٤م، ولعبة أمريكا وأدواتها، “وفي مقدمتها الأدَاة الإجرامية التكفيرية التي اعتمدت عليها قوى الطغيان الاستكبار؛ لتدمير منطقتنا وارتكاب الجرائم بحق شعوبنا، واستهداف أُمتنا.
بلدنا اليمن هو في مقدمة البلدان المستهدفة؛ ولذلك تحَرّكت هذه اليد الإجرامية التي هي صنعيةٌ استخباراتية لصالح أمريكا وإسرائيل والغرب، فقد تحَرّكت في بلدنا اليمن بشكلٍ ملفت، وبشكلٍ ملحوظ حاله حال سوريا، حال العراق، البلدان التي هي مستهدفة في المقام الأول، وإلاّ فكل البلدان في المنطقة مستهدفة، لكن هناك مناطق وبلدان مستهدفة في المقام الأول منها بلدنا اليمن، هو مستهدف -أَيْـضاً – في المقام الأول؛ ولأجل ذلك أتوا بالتكفيريين، وحشدوهم من مناطق كثيرة من شتَّى أقطار العالم، وجاؤوا بهم إلى هذا البلد، ووفَّروا لهم السلاح، ووفَّروا لهم الغطاء السياسي، والغطاء الإعلامي، والحاضنة الاجتماعية، ونشروهم وأمدُّوهم بكل وسائل القوة؛ ليتمكّنوا من الهيمنة على هذا البلد، والسيطرة عليه، والفتك بشعبه، وارتكاب أبشع الجرائم الفظيعة والمهولة والشنيعة بحق أبناء هذا البلد، ومن ثمّ التمهيد للاحتلال الخارجي تحت عنوان محاربة القاعدة، ومحاربة الإرهاب.
ولذلك نرى الخطورة الكبيرة في المدّ التكفيري، هذه الأدَاة الإجرامية التي من أهم أهداف صناعها هو التمهيد والتبرير لاحتلال بلداننا، والسيطرة على مناطقنا، والقهر لنا، وهذه مسألة واضحة وبات هذا المشروع التآمري على المنطقة ككل، وعلى بلدنا كجزء منها بات هذا المشروع التآمري مكشوفاً وجليًّا وواضحًا لا تتعامى عنه إلا العيون التي لا تُبصر؛ لِعمى القلوب ولِعمى الأفئدة، لعمى القلوب ولعمى الأفئدة، وإلا فالحقائق جليّة وواضحة”. (السيد القائد – الذكرى السنوية للشهيد – ١٤٣٦هـ).
ورغم ذلك الوضع المأساوي المزري، تظل التنمية والنهضة الاقتصادية، هي الهاجس الجمعي الحاضر بقوة، والحلم الشعبي الذي تتوارثه الأجيال، جيلاً بعد جيل.
المصدر: موقع أنصار الله