التصعيد في جبهة الشمال تضع المنطقة على حافة بركان
العين برس/ مقالات
اروى حنيش
الوضع الداخلي في إسرائيل يشهد توتراً كبيراً، خصوصاً بعد فشل لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في تحقيق الأهداف المعلنة من الحرب الأخيرة مع الفصائل الفلسطينية، لا سيما في قطاع غزة. مع تزايد الانتقادات الداخلية والخارجية، يعاني نتنياهو من تراجع في شعبيته، حيث لم تؤدِ العمليات العسكرية إلى إنهاء تهديدات الفصائل أو استعادة الجنود الإسرائيليين الأسرى.
في ظل هذه الظروف، يحاول نتنياهو الهروب إلى الأمام من خلال وضع شروط صارمة على صفقة تبادل الأسرى، مما زاد من تعقيد المفاوضات التي تهدف إلى إطلاق سراح الجنود المحتجزين. هذا التعقيد يعزز الانقسام السياسي داخل إسرائيل، حيث تتصاعد الضغوط من المعارضة ومن عائلات الأسرى لتسريع المفاوضات. إضافة إلى ذلك، تصاعدت الانتقادات لنتنياهو بسبب تعامله مع الحرب، حيث يتهمه البعض باتخاذ قرارات عسكرية وسياسية غير مدروسة أضرت بأمن إسرائيل وسمعتها الدولية. في الوقت ذاته، تزداد الاحتجاجات والمظاهرات ضد حكومته بسبب قضايا داخلية أخرى مثل الإصلاحات القضائية المثيرة للجدل والوضع الاقتصادي المتدهور. بالمجمل، يعاني نتنياهو من ضغوط سياسية واجتماعية متزايدة، ومن حالة استقطاب داخلية قد تؤدي إلى مزيد من الأزمات في المستقبل القريب.
تصعيد جبهة الشمال
إمكانية تصعيد “إسرائيل” للحرب على جبهة الشمال مع حزب الله هي مسألة معقدة، وتخضع لعدة عوامل استراتيجية وعسكرية وسياسية، رغم أن إسرائيل تعتبر حزب الله تهديدًا كبيرًا، إلا أن هناك عدة عقبات قد تجعل تصعيد الحرب خيارًا محفوفًا بالمخاطر، خاصة في ظل التحديات التي يواجهها الجيش الإسرائيلي حاليًا. وأهم العوامل التي تؤثر على هذا التصعيد المحتمل:
1.قدرات الجيش الإسرائيلي: هناك تقارير داخلية تشير إلى تراجع جاهزية الجيش الإسرائيلي في بعض الجوانب، سواء بسبب نقص التدريب أو المعدات، خاصة بعد الحروب الأخيرة. هذا قد يشكل عائقًا أمام فتح جبهة جديدة مع حزب الله، الذي يتمتع بقدرات عسكرية متطورة وكبيرة، في أسلحة الردع الاستراتيجي.
2.قدرات حزب الله: حزب الله يُعتبر من أقوى المجموعات المسلحة في المنطقة، وله ترسانة صاروخية كبيرة قادرة على إلحاق أضرار كبيرة في العمق الإسرائيلي، فأي تصعيد عسكري مع حزب الله قد يؤدي إلى حرب شاملة تطال المدن والبنى التحتية في إسرائيل، وهو ما قد لا تكون الحكومة الإسرائيلية مستعدة لتحمله في الوقت الحالي.
3.الوضع السياسي الداخلي في إسرائيل: الوضع الداخلي المتأزم في إسرائيل، سواء بسبب الانتقادات الموجهة لنتنياهو، أو القضايا الاقتصادية والاجتماعية، يجعل الحكومة في موقف حرج. تصعيد الحرب قد يؤدي إلى مزيد من الانقسام والتوتر الداخلي، وهو ما قد لا يكون في مصلحة نتنياهو في ظل التحديات الحالية.
4.الدعم الدولي: التصعيد مع حزب الله قد يُعقِّد العلاقات الإسرائيلية مع القوى الدولية، خصوصًا إذا تسببت الحرب في سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين في لبنان، كما أن هناك رغبة لدى بعض الدول الكبرى في تهدئة الأوضاع في المنطقة بدلاً من تصعيدها.
5.حسابات الردع: إسرائيل وحزب الله يتبنيان سياسة “الردع المتبادل”. أي تصعيد من جانب إسرائيل قد يقابله رد قاسٍ من حزب الله، وهو ما قد يجر المنطقة إلى حرب واسعة النطاق. لهذا السبب، تلجأ إسرائيل عادةً إلى توجيه ضربات محدودة، أو الحفاظ على هدوء نسبي على جبهة الشمال، مع التركيز على التهديدات المباشرة بدلاً من الدخول في حرب شاملة.
المبعوث الأمريكي
دور المبعوث الأمريكي في هذه المرحلة حساس للغاية، ويمكن أن يكون له تأثير كبير على تهدئة الأوضاع، أو دفع الأمور نحو التسوية السياسية، لكن نجاح هذا الدور يعتمد على عدة عوامل معقدة.
الدور المحتمل للمبعوث الأمريكي
1.التهدئة ومحاولة الوساطة: المبعوث الأمريكي، بناءً على تاريخ الولايات المتحدة في المنطقة، عادة ما يهدف إلى تهدئة الأوضاع، ومنع تصعيد الصراع، خاصة على جبهة الشمال بين إسرائيل وحزب الله. الولايات المتحدة لا ترغب في حرب واسعة النطاق قد تؤدي إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي، مما يؤثر سلبًا على مصالحها الاستراتيجية في الشرق الأوسط. فالمبعوث الأمريكي قد يضغط على الأطراف المختلفة، بما في ذلك إسرائيل وحزب الله، وكذلك إيران، لوقف التصعيد وتجنب الدخول في مواجهة عسكرية شاملة. من المرجح أن يُركِّز على تقوية قنوات الحوار غير المباشر بين الأطراف، والتعاون مع الحلفاء الأوروبيين والأمم المتحدة لتشجيع العودة إلى التهدئة.
2.تحريك ملف التسوية السياسية: رغم أن التسوية السياسية الكاملة بين إسرائيل وحزب الله تبدو بعيدة المنال، يمكن للمبعوث الأمريكي أن يعمل على تحقيق أهداف صغيرة مثل صفقة تبادل الأسرى أو تقديم تنازلات إنسانية تُخفف من التوتر. وقد يسعى المبعوث إلى تخفيف القيود على قطاع غزة، أو تقديم مبادرات لتقليل التصعيد العسكري من الطرفين عبر اتفاقيات تهدئة قصيرة المدى أو “هدنة طويلة الأمد”، خاصة إذا تم ربطها بمساعدات دولية لإعادة إعمار غزة أو دعم للبنان.
3.التأثير على الموقف الإسرائيلي: الولايات المتحدة تمتلك تأثيرًا كبيرًا على الحكومة الإسرائيلية، ويمكنها الضغط على نتنياهو للتخفيف من التصعيد العسكري، خاصة في ظل الانتقادات الدولية المستمرة لإسرائيل.
الإدارة الأمريكية قد تستخدم نفوذها لدفع نتنياهو نحو تقديم تنازلات في الملفات الشائكة مثل صفقة تبادل الأسرى، أو الموافقة على هدنة مع الفصائل الفلسطينية في غزة لتجنب المزيد من المواجهات العسكرية، في محاولة لتحقيق استقرار على المدى القصير.
4.الحد من تأثير إيران وحزب الله:
الولايات المتحدة تسعى دائمًا لتقليل نفوذ إيران في المنطقة، وأي تصعيد مع حزب الله يُعقِّد محاولاتها للضغط على طهران بشأن ملفات أخرى مثل الملف النووي. لذلك، قد تعمل الولايات المتحدة على احتواء حزب الله ومنعه من التصعيد عبر الضغط على الدول الداعمة له أو محاولة التفاوض بشكل غير مباشر عبر وسطاء.
المؤشرات الحالية:
التهدئة: يبدو أن هناك رغبة من بعض الأطراف، بما في ذلك إسرائيل، لتجنب مواجهة شاملة مع حزب الله، لأن التصعيد قد يضر بمصالح الجميع. وجود مبعوث أمريكي يسعى للتهدئة يعزز احتمالية البحث عن حلول دبلوماسية، أو على الأقل تثبيت الوضع القائم.
التصعيد: في المقابل، إذا فشلت الجهود الدبلوماسية، قد يؤدي تزايد التوترات الإقليمية أو أي حادثة كبيرة (مثل هجمات صاروخية أو عمليات استهداف شخصيات قيادية) إلى تصعيد سريع. الصراع على الحدود الشمالية مع لبنان دائمًا حساس، ويمكن أن ينفجر إذا شعر أي من الطرفين بأنه في موقف ضعف أو تهديد.
الخلاصة: رغم أن تصعيد الحرب مع حزب الله ليس مستبعدًا بشكل كامل، إلا أنه غير مرجح في الوقت الحالي بسبب مجموعة من العوامل المرتبطة بضعف جاهزية الجيش الإسرائيلي، وقدرات حزب الله العسكرية، والأوضاع السياسية الداخلية في إسرائيل. أي قرار للتصعيد سيخضع لحسابات دقيقة من قبل حكومة الكيان، التي قد تفضل تجنب مواجهة واسعة في هذه المرحلة الحرجة.
الدور الأمريكي قد يسهم في تهدئة الأوضاع إذا تمكن المبعوث من تحقيق توافقات محدودة ومؤقتة، ولكن الأوضاع تبقى غير مستقرة، والتصعيد يظل احتمالاً قائمًا إذا فشلت الجهود الدبلوماسية في احتواء الأطراف المختلفة.