التصعيد على الجبهة الشمالية وفق المفهوم الروسي
العين برس/ تقرير
إن المفاهيم التي يقوم عليها التفكير الروسي بشأن إدارة التصعيد لها عدة أهداف: إدارة التصعيد على المستويات الحالية، وإبقاء الصراع محدودًا، وردع المشاركين الإضافيين عن الانضمام، وتقليل تماسك التحالفات المتعارضة. وتسعى الدولة الروسية إلى إبلاغ العدو بالتكاليف المحتملة وعدم الجدوى النهائية للعدوان المسلح المستمر ضد المصالح الأمنية الأساسية الروسية.
وعليه، يظهر أن حزب الله استطاع أن يعتمد استراتيجية واضحة في إدارة تصعيده مع الكيان المؤقت، وفقًا للنموذج الروسي، كونه لا يزال يتحكّم إلى حدٍّ ما بمجريات الأحداث وتطوّرها في ظل حفاظه على القدرة على إلحاق الضرر، وإرساله رسائل للعدو تثبت امتلاكه للقوة والإمكانيات، وسعيه لرسم مسار جديد على مستوى الردع، كما والحفاظ على الصراع ضمن المستوى الذي يمنع تصعيده إلى حرب في هذه المرحلة، وذلك بناءً على جهوده المبذولة لإلحاق ضرر موضوعي بالخصم، وفهمه للأهداف ذات الأهمية الحيوية في أراضي الكيان، كما وتحليله للأساليب المحتملة لإلحاق الضرر بها، مع وضعه معاييرًا للضرر غير المقبول الذي يتم إلحاقه، وتحديده تسميات وخصائص الوسائل القادرة على تحقيقه.
بناءً على دراسة، الإستراتيجية الروسية لإدارة التصعيد: تطور المفاهيم الأساسية، والتي تناولت جوانب عدّة تتعلق بالردع النووي والترهيب كما الغموض والمباغتة بالإضافة إلى التصعيد المحدود والمتدرج في ظل استخدام محدود للقوة، والتي أعدّها مايكل كوفمان مع مجموعة من الباحثين، سوف يتم التطرق في هذا المقال إلى أبرز المفاهيم التي تناولتها الاستراتيجية الروسية في هذا المجال بهدف دراسة وفهم واقع التصعيد على الجبهة الشمالية بين حزب الله والكيان المؤقت.
إدارة التصعيد على الجبهة الشمالية
مراحل تطور الاستراتيجية:
– المرحلة الأولى، مرحلة الاستعراض والإثبات: سعى من خلالها حزب الله إلى إظهار حجم إمكاناته في إعماء الاحتلال والقضاء على إمكاناته التجسسية المتطورة. وقد استعرض قدرته على توجيه ضربات عطّلت مجموعة الأعمدة التجسسية كما واستهدفت قاعدة ميرون، باعتماد الضربات الدقيقة على أنواع معينة من الأهداف. وبرزت أهمية هذه المرحلة في إعماء الإسرائيلي وعرقلة عمليات مراقبة ورصد تحركات المقاومين وتصعيب مهامه.
– المرحلة الثانية: مرحلة إلحاق الضرر المناسب: في هذه المرحلة سعى حزب الله إلى تبديل بعض تكتيكاته وتصعيد ضرباته، فباتت عملياته عبارة عن هجوم مركّب وردود مباشرة سريعة على أي هجوم إسرائيلي، وأصبح استهداف المباني والمستوطنين والمراكز الاستراتيجية خطوة أساسية في هذه المرحلة. وبرزت أهميتها في توجيه ضربات أكثر إيلامًا وردعًا للعدو لا سيما في العمق وفي مراكز حساسة واستراتيجية، وتكبيده خسائر باهظة وردعه عن أي خطوة تصعيدية.
مفاتيح الاستراتيجية: الردع، المحافظة على حرية العمل، الضرب في العمق، الحفاظ على مبدأ الإسناد، تكبيد الاحتلال ثمنًا باهظًا في الزمان والمكان المناسبين كما والمزيد من الخسائر، التهجير، تبديل متواصل للتكتيكات، والمحافظة على أوراق القوة لديه وعنصري المباغتة والمفاجأة.
– الردع: كرَس حزب الله الردع من خلال الردع بالدفاع والردع بالاستخدام المحدود للقوة سعيًا منه نحو تحقيق الردع الاستراتيجي.
– لأساليب: اعتمد حزب الله أساليب عدة منذ بداية المعركة، كاستهداف القدرات التجسسية للعدو، الهجوم المركب، تغيير أساليب القتال، الرّد المباشر، تعزيز استخدام المسيّرات.
– نجاح الاستراتيجية: نجح حزب الله في الحفاظ على قدراته الهجومية وكفاءتها وتوجيه ضربات استراتيجية، كما وتقييد الكيان في الاستخدام الحر للقوات وتوسيع أهدافه العسكرية بما فيها الوصول إلى العمق والحفاظ على عنصري المباغتة والمفاجأة.
الكيان المؤقت: استنزاف على مختلف الأصعدة
مراحل إدارة التصعيد:
– المرحلة الأولى: القتال الرمزي والمنضبط.
– المرحلة الثانية: توسيع الأهداف تدريجيًا لكبح المقاومة وتقليل الضرر.
– المرحلة الثالثة: مواصلة التصعيد متجاوزًا بعض الخطوط.
– المرحلة الرابعة: تطوّر التصعيد بوتيرة أكبر وبشكل مكثّف.
وبالتالي، وفقًا للنموذج الروسي اعتمد الإسرائيلي المزج بين مرحلتين:
– إثبات وإظهار القوة.
– إلحاق الضرر المناسب.
استطاع حزب الله أن يعمل وفق سقف يجعله يلحق الألم الأعلى والضرر المناسب بالعدو بأقل تكلفة دون ارتقاء الصراع إلى مستوى حرب شاملة ومنع أي عملية استباقية، في ظل استخدام الكيان المؤقت مختلف أساليبه وخططه وتكتيكاته الإجرامية التي لم تمكّنه حتى الآن من تحصيل أي قدرة على إدارة التصعيد أو استعادة الردع والتحكّم به، وبات كل ما يفعله هو القتل والتدمير دون تحقيق أي إنجازات سياسية أو عسكرية مقابل دفع الجيش أثمانًا مرتفعة على صعيد القدرات البشرية والعسكرية، والدخول في حلقة من الاستنزاف التي يصعب الخروج منها.
المصدر: موقع الخنادق