التصعيد الغربي في اوكرانيا يرفع توقعات اندلاع حرب عالمية ثالثة
العين برس/ مقالات
أنس القباطي
تتجه الحرب الاوكرانية الروسية للدخول في مرحلة جديدة من التصعيد، على خلفية التوجه الغربي في السماح لاوكرانيا باستخدام اسلحة بعيدة المدى ضد اهداف في عمق الاراضي الروسية. والاربعاء 11 سبتمبر/أيلول 2024 قالت صحيفة الجارديان البريطانية ان المملكة المتحدة قررت بالفعل وبشكل خاص السماح لأوكرانيا باستخدام صواريخ ستورم شادو التي زودتها بها بريطانيا لشن ضربات طويلة المدى في عمق الاراضي الروسية. ولم تعلق لندن على ما اوردته الصحيفة بشكل رسمي، فيما لم تتناول وسائل الاعلام الرسمية البريطانية ما تداولته الصحيفة، التي تعد من اكثر الصحف انتشارا في المملكة المتحدة.
قيود وتصعيد
وجاءت هذه الانباء بعد اشهر من مطالبة السلطات الاوكرانية لداعميها الغربيين برفع القيود المفروضة على استخدامها للاسلحة بعيدة المدى، والتي ترى انها تخنق جهودها الحربية.
ويبرر الغرب فرض قيود على استخدام الاسلحة بعيدة المدى على نظام زلينسكي بانه ياتي في اطار عدم السعي لتصعيد الحرب.
زيارة بلينكن ولامي
وجاءت الخبر الذي نشرته الجارديان بالتزامن مع زيارة قام بها وزير خارجية الولايات المتحدة، أنتوني بلينكن، ووزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي إلى العاصمة الاوكرانية كييف، ما يعني ان تزامن الزيارة مع تسريب الخبر ربما يكون رسالة ضغط مواجهة لروسيا بان واشنطن ولندن لديهما وسائل ضغط فاعلة لاجبارها على تقديم تنازلات.
وفي المؤتمر الصحفي الذي عقداه بلينكن ولامي في كييف اكدا إن روسيا مسؤولة عن تصعيد الحرب، ما يعني ان بلديهما ستواجه التصعيد الروسي بتصعيد مماثل.
الصواريخ الايرانية
وربما ياتي توجه لندن لرفع القيود على استخدام كييف لصواريخ ستورم شادو ردا على تسلم روسيا صواريخ باليستية من إيران، بحسب تأكيدات واشنطن التي تنفيها موسكو.
وفي المؤتمر الصحفي مع نظيره البريطاني في كييف، اعتبر بلينكن أن تسليم إيران صواريخ باليستية إلى روسيا، سيمنح موسكو قدرة إضافية ومرونة إضافية في الحرب، لكنه لم يعلق على أي تغيير محتمل في السياسة الامريكية بشأن صواريخ ستورم شادو.
تغيير السياسة
ويعتقد ان زيارة بلينكن ولامي الى كييف بعد الاتهامات الأمريكية لروسيا بالحصول صواريخ باليستية من إيران جاءت في ظل هذه التطورات، ويفهم منها انها مؤشر على تغير او توجه لتغيير السياسة المتعلقة باستخدام صواريخ ستورم شادو، وربما اسلحة غربية اخرى.
ضغط بريطاني
ويأتي الحديث عن توجه لندن لرفع القيود عن صواريخ ستورم شادو بعد تقارير صحفية اشارت إلى أن أوكرانيا استخدمت هذه الصواريخ التي يصل مداها إلى 250 كم، لضرب أهداف عسكرية روسية في شبه جزيرة القرم. ومن هذه التقارير ما نشرته في اغسطس/آب 2024 صحيفة التلغراف البريطانية حول تأييد المملكة المتحدة السماح لأوكرانيا باستخدام صواريخ ستورم شادو في الضربات على روسيا، مشيرة إلى ان لندن لم تكن لترغب في الضغط علناً من أجل مثل هذا التغيير في السياسة بسبب المخاوف من رد فعل عنيف من واشنطن التي ظلت تعارض استخدام الاسلحة بعيدة المدى.
حان الوقت لاتخاذ القرار
وردا على هذه الانباء واتهامات بلينكن ولامي لروسيا بتصعيد الحرب اكد الرئيس الروسي بوتين أن الوقت قد حان لاتخاذ القرار الذي أعلنه في بداية الحرب، والذي يتلخص بانه إذا تدخل الغرب فإن كل الخيارات امام روسيا ستكون مفتوحة بما فيها الأسلحة النووية. ومن جانبه وصف ميدفيف وعود لندن بمساعدة كييف لمدة 100 عام بانها كاذبة، مشيرا الى ان كييف لن تصمد طويلا.
الصبر الاستراتيجي
لكن تصاعد التصريحات الرسمية الغربية حول رفع القيود على استخدام الاسلحة بعيدة المدى في الحرب الاوكرانية تشير إلى ان ذلك صار خيارا غربيا لاجبار روسيا على تقديم تنازلات اذا استمر موقفها متصلبا، وهو ما سيجعل سياسة الصبر الاستراتيجي الروسية غير منطقية، لان استمرار التحلي بهذه السياسة يحتاج الى ثقة من موسكو بأن الصراع سينتهي في أي حال بضربات متبادلة بالأسلحة النووية الاستراتيجية، وهو امر لا يمكن الركون إليه.
حرب مفتوحة
وفي حال كحال الحرب الاوكرانية التي يمكن وصفها بانها حرب مفتوحة نظرا لارتباطها بتغييرات دولية في موازين القوى فإن الصبر وضبط النفس لا يمنعان من التصعيد اللامحدود، فالضربات الاوكرانية التي توجه إلى عمق الاراضي الروسية تؤدي إلى استثارة المجتمع الروسي، وتجعله يضغط على قيادة البلد للرد.
ضوء اخضر
واذا ما صح خبر الجارديان فإن توجه لندن لرفع القيود عن صواريخ ستروم شادو في هذا التوقيت تم بضوء اخضر امريكي، وان واشنطن ربما ستتخذ نفس القرار، ولكن بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية، وتسلم الادارة الجديدة للبيت الابيض في الثلث الاخير من يناير/كانون ثان 2025.
استثمار الصبر
وربما تكون واشنطن تستثمر سياسة الصبر الاستراتيجي الروسية بادخال المزيد من إمكانات الغرب العسكرية تدريجيا، ما يجعل روسيا امام خياري الهزيمة او الاشتباك النووي، بحسب توصيف المحلل الروسي ألكسندر نازاروف، والذي يرى انه من المنطقي أن تضرب روسيا أولا.
تطوير وتوجه
وقد يكون تطوير موسكو لصواريخ بوريفيستنيك وطوربيدات بوسيدون النووية مؤشرا لوجود توجه روسيا لاستخدام خيار ضربة نووية محدودة. وفي هذا السياق يعتقد نازاروف أن نقطة التحول ربما تكون دخول أوروبا في الحرب، مبينا انه وحتى ذلك الحين لن تتمكن صواريخ ستورم شادو أو غيرها من تغيير حدود صبر روسيا الاستراتيجي.
فرصة وحيدة
ويعد استمرار استهداف العمق الروسي باسلحة غربية تصعيدا للحرب، وهو ما يقرب من احتمال اندلاع حرب نووية، وتظل الفرصة الوحيدة لتجنبها هو انفجار حروب جديدة في مناطق حساسة في العالم سواء كان ذلك في الشرق الأوسط او بحر الصين الجنوبي، او حصول حرب أهلية في الولايات المتحدة على ذمة نتائج الانتخابات الرئاسية التي تشهد توترا غير مسبوق بين الديمقراطيين والجمهوريين.
اندفاع بريطاني
والمتتبع لموقف لندن في الحرب الاوكرانية سيجد انها تدفع لرفع القيود على استخدام اوكرانيا الاسلحة الغربية بعيدة المدى، وسبق ان تعهدت بتوفير الدبابات القتالية الرئيسية المصنعة في الغرب، وكانت أول دولة تقدم قذائف اليورانيوم المنضب، كما دفعت الدول الأوروبية إلى الضغط على الولايات المتحدة للسماح بتسليم مقاتلات إف-16 إلى أوكرانيا، فضلا عن كونها أول دولة تقدم صواريخ كروز طويلة المد للجيش الاوكراني.
مرحلة خطيرة
وعليه فإن لندن يبدو انها تتجه لادخال الحرب الاوكرانية مرحلة خطيرة من التصعيد، خاصة وانها كانت قد شحنت صواريخ ستورم شادو إلى اوكرانيا في مايو/آيار 2023، وبالتالي فإن بريطانيا تبدو خلال العامين الاخيرين صاحبة اكبر دور محوري غربي في المجهود الحربي ضد روسيا.
استغلال وانشغال
وربما ياتي التحرك البريطاني من بوابة انها ترى ان الولايات المتحدة أصبحت منشغلة بمشاكلها الداخلية، ما جعل لندن تشعر بمخاوف من تشكل محور روسي كوري شمالي ايراني، ولذلك تسعى للتصعيد لتفكيك هذا المحور، او لارهاب الصين من عدم الدخول في هذا المحور.
تجريب وترتيب
ويبدو ان تصاعد نشاط الوحدات الخاصة البريطانية في اوكرانيا منذ أوائل العام 2024 ياتي في سياق استخدام أساليب جديدة للحرب في مسرح العمليات تمهيدا لنقل الحرب إلى مرحلة تصعيد جديدة، تهدف من وراها محاولة تغيير الواقع على الارض.
فرض واقع
ولا يستبعد ان تكون بريطانيا تتجه لفرض امر واقع على الادارة الامريكية القادمة في الحرب الاوكرانية، مستغلة انشغال واشنطن بمشاكلها الداخلية التي افرزتها الدعاية المبكرة للانتخابات الرئاسية.
توريط
وفي الوقت نفسه ربما تكون واشنطن تريد ان تترك بريطانيا تتصرف في اوكرانيا بدون اي ضغوطات، بما يجعل موسكو ترى أن أي هجمات على العمق الروسي جاءت من قبل لندن، وليس من قبل واشنطن، ما سيعطيها فرصة اكبر للتفاوض مع روسيا في الشان الاوكراني ومنع الوصول إلى ضربات نووية، وهو ما سيحقق لها اكبر قدر من المصالح.
ومن هذا المنطلق ربما تسعى واشنطن لتوريط لندن في المواجهة مع موسكو، لان الاخيرة سبق وان هددت في مايو/آيار 2024 في بيان للخارجية الروسية بانها ستهاجم أهداف بريطانية مباشرة، ردا على اي هجمات ستنفذها كييف على اراضي الاتحاد الروسي باستخدام أسلحة بريطانية، مبينة ان الهجمات ستستهدف أهداف عسكرية في بريطانيا وخارج أوكرانيا. وربما تسعى واشنطن من توريط بريطانيا بجعل الرد الروسي محدودا بما لا يؤدي إلى حرب شاملة، وهو ما قد يعطيها الفرصة للسيطرة على عدم توسعها باتخاذ موقف يدعو إلى التهدئة.
عدم رضاء
ومما سبق يمكن القول ان التصعيد الغربي في الحرب الاوكرانية مؤشر على عدم وجود رضاء غربي على النتائج التي افرزتها عامين من الحرب الاوكرانية، وبالاخص على الارض، لان ذلك لن يحقق لها الاهداف التي من اجلها سعرت الحرب، لعدم تناسبها مع حجم الدعم الذي قدمته للجيش الاوكراني، وان التصلب الروسي في فرض شروط موسكو على طاولة التفاوض لن يوفر الحد الادنى من الاجندة التي يريد الغرب ان يحققها في اوكرانيا.
مخاطرة
وعليه فإن السعي الغربي لتغيير الواقع على الارض في الحرب الاوكرانية يظل مخاطرة بالسلم والأمن العالميين، لان روسيا تبدو غير مستعدة لتقديم تنازلات للغرب في اوكرانيا، ربما لانها ترى انها لم تحقق من حرب العامين سوى الحد الادنى من اهدافها، نظرا لان مزيد من التنازل يعني استمرار تهديد الامن القومي لها، وكل ذلك يجعل خيار اندلاع حرب عالمية ثالثة غير مستبعد.
لبمصدر: عرب جورنال