التصعيد الأميركي في الجبهة البحرية: مصالح واشنطن بخطر
العين برس/ مقالات
لطيفة الحسيني
تحرص الولايات المتحدة على الاستمرار في سرديّاتها المُخادعة. الأكاذيب والأضاليل ركيزةُ سياستها الخارجية ولا سيّما العسكرية اليوم. في البحر الأحمر حيث المواجهة مُحتدمة مع القوات المسلّحة اليمنية، تنكبّ واشنطن على تسويق دعاية تخدم مصالحها. تُعسكر البحر، تُحرّك غواصّاتها وحاملاتها وطائراتها، تعتدي على أهداف يمنية عسكرية، لتُثبت أنها تُصعّد وتوتّر وتُدخِل المنطقة في مرحلة من عدم الاستقرار والتعقيد، مُبتعدةً عن أكثر المخارج سهولة: الضغط على “إسرائيل” لإنهاء إبادتها بحقّ شعب غزة.
حتى الآن، لا تبدو الولايات المتحدة في وارد التراجع عن تحويل البحر الأحمر إلى ميدان عسكري خالص، بل تعمل على توسيع دعمها للعدو في الجبهة البحرية، وتشكيل التحالفات الدولية كيفما تشاء وتكثيف ضرباتها التي تزيد الأزمة الإقليمية عُمقًا.
العدائية أميركية
يصف بعض المُراقبين ما يجري بالحرب الصُغرى، لكنّهم يجمعون على خطورة الوضع في الجبهة البحرية. الكاتب والمُحلّل السياسي اليمني إسماعيل المحاقري يقول في حديث لـ”العهد”: “عندما فشلت تهديدات واشنطن في ثنيِ اليمن عن قراره بمنع الملاحة البحرية من وإلى الموانئ الفلسطينية المحتلة، اتّجهت نحو البحث عن خيارات عسكرية لتأمين الإمدادات التجارية الإسرائيلية، وإعطاء جيش العدو مزيدًا من الوقت لإكمال مهمّته الوحشية في غزة، لتبدأ في عسكرة البحر الأحمر بالتحالف الدولي المزعوم الذي دعت إليه. وعلى الرغم من الاستجابة الدولية الضعيفة فإن الولايات المتحدة وبريطانيا ذهبتا باتجاه زيادة التوترات الإقليمية ورفع منسوب المخاطر على شركات الشحن الدولية بعدوانهما على اليمن، الأمر الذي يُنذر بتفجّر الصراع العسكري على مستوى الإقليم مع احتمالية انتقال التوتّر إلى مضيق هرمز وهو ما حذّر منه المُتعاملون في أسواق النفط”.
يؤكد المحاقري أن “الولايات المتحدة خسرت شيئًا فشيئًا ثقة شركات الملاحة الدولية في قدرتها على توفير الحماية وتأمين الممرات المائية بقوة الحديد والنار”، ويوضح أن “تعديل شركات إضافية مسارها من باب المندب باتجاه طريق رأس الرجاء الصالح رغم بعد المسافة وكلفة الشحن مردّه للعدوان الأمريكي البريطاني على اليمن والمخاوف من الفعل وردّات الفعل في واحد من أهمّ الممرّات المائية، فكما يُقال رأس المال جبان”، ويُذكّر بأن “الطريق البحري كان سالكًا أمام كل السفن من مختلف الدول قبل تاريخ العدوان البريطاني الأمريكي المباشر باستثناء تلك الإسرائيلية أو المرتبطة بها كما جاء في إعلان القوات المسلّحة اليمنية، لكن مع زيادة التوترات تكدّست السفن في سواحل جيبوتي وعُمان خوفًا من الاستهداف ومن أجل إعادة التقييم الأمني وهذا ما أعلنته قطر وشركات دولية”.
تعقيد الصورة إذًا تتحمّل مسؤوليته الولايات المتحدة بعدوانها المستجدّ على اليمن. هنا يستشهد المحاقري بتصريح رئيس هيئة قناة السويس أسامة ربيع في(16/1/2024) الذي جاء فيه أن الملاحة البحرية في القناة ما زالت منتظمة رغم التعليق المؤقت لبعض الشركات، “وهذا شاهد جديد على زيف الدعايات الأمريكية ومحاولات تضليل الرأي العام لشيطنة التدخّلات اليمنية وإخراجها من دافعها الإنساني المطالب بوقف المذابح الدامية في غزة”. ويُشير إلى أنه “رغم الضجيج والتهويل الأميركي بشـأن حرية الملاحة الدولية ومدى تأثرها من العمليات اليمنية فإن العشرات من السفن تواصل عبورها من باب المندب”.
وإذ يُبيّن أن “التراجع في الملاحة الدولية يعود إلى التصعيد الأميركي”، يتوّقف عند ما ورد في صحيفة “بلومبرغ” حول أن شركات التأمين البحري تُضيف فقرات تنصّ على عدم ارتباط السفن التي تريد المرور في البحر الأحمر بأي من الولايات المتحدة أو بريطانيا وكذلك كيان العدو عند إصدار غطاء للرحلات عبر المنطقة، “ممّا يؤكد أن سبب تأزم الأوضاع هي السياسات الأمريكية”.
وفي سياق الفوضى التي تسعى واشنطن لإثارتها في البحر الأحمر وتعريض أمن التجارة العالمية للخطر، لا يستبعد المحاقري أن “تُقدم واشنطن على استهداف سفن من جنسيات أخرى بهدف خلط الأوراق وحشد المزيد من المواقف الدولية الداعمة لمواقفها العدائية”.
وبحسب المحاقري، الأنشطة الأمريكية ازدادت عدائية في المنطقة مع إرسال واشنطن المزيد من البوارج وحاملات الطائرات كـ “يو إس إس دوايت دي أيزنهاور” و”يو إس إس جيرالد آر فورد” لتكون جاهزة لتزويد “إسرائيل” بكل ما تحتاجه في حربها على غزة، ومع ذلك فشلت أميركا في ردع دول وقوى محور المقاومة عن دعم وإسناد الشعب الفلسطيني.
المحاقري يوضح أن “القوات البحرية اليمنية لها وسائلها الخاصّة للتعرّف على هوية السفن ووجهتها، وللتواصل بطواقم السفن لطمأنتها والسماح لها بالمرور دون أيّ اعتراض من قبل اليمن. لهذا على مدى الأسابيع الماضية لم يحدث أن استهدف اليمن أو اعترض سفينة لا علاقة لها بكيان العدو أو داعميه الأميركيين”، ويلفت إلى أن “ثمّة إجراءً بات متبعًا وهو تعريف السفينة بنفسها في برامج تتبع السفن وعدم ارتباطها بـ”إسرائيل””.
التصعيد الأميركي في الجبهة البحرية: مصالح واشنطن بخطر
المصالح الأميركية توتّر المنطقة
الكاتب والباحث في الشؤون الدولية محمد حسن سويدان يغوص في قراءة المشهد في البحر الأحمر، فيرى في حديث لـ”العهد” أن “التصعيد الأميركي في البحر الأحمر مرتبطٌ بمصالح الولايات المتحدة أكثر من مصالح “إسرائيل”، وذلك بعد اكتشاف واشنطن أن اليمن يستطيع أن ينقل المواجهة مع الكيان الصهيوني من المحلي إلى الساحة الإقليمية والدولية”.
يعتبر سويدان أن “قُدرة اليمن على إغلاق المضيق مستقبلًا تضرب صورة القيادة الأميركية وتأثيرها وسيطرتها في الممرّات البحرية، إذ لطالما كانت تُصنّف بأنها القائدة في المجال البحري على مستوى العالم”.
دوافع الولايات المتحدة لتكثيف حضورها في البحر الأحمر يلخّصها سويدان بالآتي:
تأكيد قيادتها في المجال البحري
تأكيد قدرتها على تشكيل تحالفات عسكرية
تأكيد حضورها القيادي في المنطقة ككلّ
تدويل ما يقوم به اليمن لسحب ذريعة أن تحرّكه لنُصرة المدنيين في قطاع غزة.
ويشرح سويدان أن “سحب الذريعة من اليمنيين انقلب على أميركا، لأن أثر ضربتها الأخيرة على صنعاء كان أكبر بكثير من أثر ما يقوم به اليمنيون على الاقتصاد، وجزء كبير من شركات الشحن أعلن أنه لن يمرّ من البحر الأحمر جراء عدوان واشنطن، وهذا زاد القناعة لدى الرأي العام بموقف اليمنيين وقرارهم باستهداف “إسرائيل””.
برأي سويدان، الولايات المتحدة اليوم عاجزة عن حشد الدول وضمّها إلى تحالفات قياسًا مع تشيكلات سابقة كانت فيها القطب الأوحد، وما التحالف الذي أنشأته بوجه اليمن إلّا دليلٌ على ذلك، إذ تبيّن أنه فاشل والدول الأوروبية رفضت الانضمام إليه. الولايات المتحدة ذهبت مع الناتو إلى ليبيا، ومع الاتحاد الأوروبي إلى أوكرانيا، لكنها اليوم تذهب مع 5 دول إلى اليمن.
تهشيم السطوة الأميركية ظهر جليًا في جبهة اليمن، فالقيادة الأميركية لم تنجح في إيقاف عمليات القوات المسلّحة اليمنية بل ظلّت على حالها ما يعني أنها لم تعد المسيطرة على هذه البقع، بحسب ما يقول سويدان.
ويلفت محدّثنا إلى أن النشاط الملاحي في باب المندب استمرّ رغم عمليات اليمنيين، وما يؤكد ذلك تصريحات المصريين الذين أشاروا إلى أن عدد السفن التي تمرّ بقناة السويس الآتية من البحر الأحمر لم يتغيّر فيها وظلّ طبيعيًا، ويضيف “هناك معلومات تفيد بوجود ضغط تمارسه الولايات المتحدة على شركات الشحن لدفعها إلى الإعلان عن تغيير مسارها عن البحر الأحمر، حتى لو كان ذلك غير صحيح فعليًا، وذلك بهدف الإيحاء بأن تعذّر مرور هذه السفن مرتبط بعمليات القوات اليمنية، غير أن مواقع حركة الملاحة في البحر الأحمر تدحض هذه الأكاذيب فهي تشير إلى عدم وجود أي تبدّل في نشاطها”.
ويخلص إلى أن “الأمريكي يريد أن يفصل ملفّ غزة عن الملفات الأخرى وتحديدًا ملفّي اليمن والعراق”، ويعتبر أن “جبهة البحر الأحمر اليوم تستهدف مباشرة المصالح الأمريكية، لذلك نرى ردّة فعل واشنطن هناك أكبر بكثير من ردّة فعلها في أماكن أخرى”.
المصدر: موقع العهد الاخباري