البصمة الصوتية في عالم الاستخبارات: كيف يغير الذكاء الاصطناعي قواعد المراقبة
العين برس/ تقرير
كامل المعمري
الذكاء الاصطناعي يفتح أبوابا مخيفة أمام استخدامات لا يمكن التنبؤ بعواقبها يمكن أن يتم تعقبك ليس فقط من خلال أجهزتك الإلكترونية أو بيانات موقعك، بل من خلال نبرة صوتك نفسها، وكأن التكنولوجيا أصبحت تسمع نبضاتك وتحركاتك في كل لحظة. ما كان يوما خيالا علميا بات الآن حقيقة مرعبة تهدد الخصوصية وتلاحق الأفراد دون أن يتركوا أثر مرئيا خلفهم. تخيل أنك تمشي في شارع مزدحم أو تتحدث بهدوء على هاتفك في منزلك، غير مدرك أن جهازا ما، في مكان بعيد، يستمع لصوتك بدقة متناهية، يحلل كل نبرة وكل ذبذبة تصدر عنك. تلك الأجهزة، المزودة بالذكاء الاصطناعي، لا تراقب فقط الكلمات التي تقولها، بل قادرة على تحليل بصمة صوتك بدقة تجعل من تغيير نبرتك أو محاولاتك للاختباء وراء أصوات مغايرة أمرًا عبثيًا. هذه التقنية الجديدة تمنح الاستخبارات القدرة على تحديد موقعك في أي لحظة، فقط من خلال صوتك.
التعرف على الوجه وبصمة الصوت
تعتبر الولايات المتحدة الامريكية وإسرائيل من اكثر (الدول) تطورا في استخدام تقنيات المراقبة المتطورة التي تشمل الأقمار الصناعية وأنظمة التعرف على الوجه، مما يمنحها قدرة غير مسبوقة على تتبع ومراقبة الأفراد، بما في ذلك أعدائها. تعتمد هذه التقنيات على مجموعة من الأساليب المتقدمة التي تعزز من فعالية العمليات الاستخباراتية.
من المعروف أن الأقمار الصناعية تلعب دورا حاسما في جمع المعلومات الاستخباراتية، حيث تتمتع بإمكانيات تصويرية عالية الجودة تتيح لها التقاط صور دقيقة لأي نقطة على الأرض. هذه الصور ليست مجرد أدوات لرصد المواقع، بل تستخدم أيضا لتحليل حركة الأفراد وتحديد الأنماط السلوكية، مما يساعد الاستخبارات في اتخاذ قرارات استراتيجية دقيقة. على سبيل المثال، يمكن للأقمار الصناعية مراقبة تجمعات الأفراد في المناطق التي يُحتمل أن تكون نقاط انطلاق لعمليات معادية.
إلى جانب ذلك، يتم توظيف تقنيات التعرف على الوجه التي تستخدم الذكاء الاصطناعي، حيث تتيح هذه الأنظمة تحليل ملامح الوجه بدقة عالية. يمكن أن تتعرف على الأفراد حتى في الظروف الصعبة، مثل الازدحام أو الحركة السريعة. بمجرد أن يتم التقاط صورة لأي شخص، سواء من كاميرات المراقبة المنتشرة في المدن أو من الأقمار الصناعية، يمكن لنظام التعرف على الوجه المطابقة مع قاعدة بيانات تحتوي على صور سابقة له. هذا الأمر يعني أنه بمجرد خروج الشخص إلى الشارع، قد تُحدد هويته بشكل فوري، مما يزيد من قدرة الاستخبارات على مراقبته عن كثب.
تعتبر إسرائيل من اكثر المهتمين في انتاج وتصنيع التكنولوجيا واستخدام تقنيات المراقبة المتقدمة، حيث تعتمد بشكل كبير على الأقمار الصناعية وأنظمة التجسس الرقمية لتحديد مواقع الأفراد وتتبعهم.
عبر بصمة الصوت وفي ظل هذه التطورات التكنولوجية، أصبح من الممكن لأي شخص يُجرى مكالمة عبر الهاتف المحمول أن يتعرض للمراقبة
عندما يتحدث شخص ما عبر هاتفه المحمول، يتم إرسال إشارة إلى برج الهاتف القريب، وهذا البرج بدوره يُرسل البيانات إلى نظام مركزي يقوم بتحليل هذه الإشارات لتحديد الموقع. لذا، يمكن لاجهزة الاستخبارات المتقدمة التعرف على موقع أي فرد بمجرد إجراء مكالمة، مما يجعل الأمر أشبه بتحديد هدف في الوقت الحقيقي.
علاوة على ذلك، تعتبر بصمة الصوت واحدة من العناصر الأساسية التي تستخدمها إسرائيل لتعزيز قدراتها الاستخباراتية عبر اخطر وحدة استخباراتية على مستوى العالم وهي الوحدة 8200 يتم جمع بيانات الصوت من المكالمات الهاتفية، مما يسمح بتحليل نبرة الصوت والتعرف على هوية المتحدث. تستخدم هذه التقنيات في العديد من العمليات الاستخباراتية، حيث يتم التعرف على المتحدثين من خلال نمط صوتهم، مما يسهل عملية مراقبتهم.
كيف يتم ذلك مثلا عند إجراء مكالمة هاتفية، يمر الصوت بعدة مراحل قبل أن يصل إلى المتلقي، ويتضمن ذلك تحويل الصوت إلى إشارات كهرومغناطيسية. هذه العملية هي أساس جميع الاتصالات الهاتفية الحديثة، سواء كانت عبر الهواتف المحمولة أو الثابتة فعندما تُرسل الإشارات الكهرومغناطيسية إلى برج الهاتف القريب، يتم التقاطها.
تعتمد أجهزة التنصت على تقنيات معقدة لالتقاط هذه الإشارات من الهواء هذه الأجهزة مصممة لتحديد الترددات المستخدمة في الاتصالات الهاتفية، مما يسمح لها بالتقاط المكالمات الصوتية.
بعد التقاط الإشارات، يمكن استخدامها بواسطة أنظمة متطورة مدعومة بالذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات تشمل هذه الأنظمة خوارزميات متقدمة تُستخدم لفك تشفير الإشارات وتحليل المحتوى. بفضل الذكاء الاصطناعي، تستطيع الأنظمة التعرف على الأنماط والكلمات المفتاحية، وتحليل بصمة الصوت مما يُمكنها من تحديد المكالمات المهمة.
هذه القدرة التكنولوجية ليست مجرد خيال سينمائي، بل هي واقع يتم استخدامه الآن في النزاعات العسكرية. تعتمد إسرائيل على الذكاء الاصطناعي في تحديد أماكن القادة الميدانيين وأهدافها من خلال رصد الاتصالات وتحليل الصوتيات، مما يمكنها من تنفيذ ضربات دقيقة تستهدف الأشخاص بشكل مباشر، دون الحاجة إلى ملاحقات مرهقة أو عمليات تجسس تقليدية. تكفي بضع كلمات من فم الهدف ليكون مصيره قد تحدد.
شركات كبيرة يعتمد عليها الكيان
العديد، من الشركات المتخصصة بالذكاء الاصطناعي في الجانب الاستخباراتي والامني تساهم في تعزيز قدرات إسرائيل في مجال الاستخبارات من خلال تطوير تقنيات متقدمة تعتمد على الذكاء الاصطناعي، مما يُسهل مراقبة الأنشطة وتحليل الالكيان
من بين هذه الشركات، نجد “مجموعة إن إس أو” المعروفة بتطوير برنامج “بيغاسوس”، الذي يُستخدم في التجسس على الهواتف المحمولة، مما يتيح للاستخبارات الإسرائيلية مراقبة الأفراد المشتبه بهم. بالإضافة إلى ذلك، هناك شركة “فيرينت” التي تقدم حلولًا متقدمة لتحليل البيانات والمعلومات، مما يساعد في رصد الأنشطة وتحليل الاتجاهات في الوقت الحقيقي.
شركات مثل “إلبيت سيستمز” تساهم أيضًا في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي المستخدمة في أنظمة الطائرات بدون طيار والمراقبة عن بُعد، حيث تستخدم الذكاء الاصطناعي لتحسين دقة الضربات الجوية وتحليل البيانات المستخرجة من الاستطلاع.
برنامج “الإنجيل” هو في الواقع واحد من عدة برامج ذكاء اصطناعي تستخدمها الاستخبارات الإسرائيلية، وفقًا لتال ميمران، المحاضر في الجامعة العبرية في القدس والذي عمل لصالح حكومة الإحتلال في مجال الاستهداف خلال العمليات العسكرية السابقة. تقوم أنظمة الذكاء الاصطناعي الأخرى بتجميع كميات هائلة من البيانات الاستخباراتية وتصنيفها. النظام الأخير هو “الإنجيل”، الذي يقدم توصيات الاستهداف إلى محلل بشري. يمكن أن تكون هذه الأهداف أي شيء من المقاتلين الأفراد، إلى المعدات مثل قاذفات الصواريخ، أو المرافق
علاوة على ذلك، يستخدم الاحتلال تقنيّات الذكاء الاصطناعي لتحليل الكميات الهائلة من البيانات المستخرجة من الأجهزة وإسنادها. يمكن لهذه الأدوات أن تعرض تلقائياً التوجّهات والمعلومات المفيدة حول سلوك الهدف، بما في ذلك مجموعة كبيرة من التفاصيل حول جهات الاتّصال والشبكات الاجتماعيّة الخاصة به.
تستخدمه امريكا منذ السبعينات
الوكالات مثل وكالة الأمن القومي الأمريكية (NSA) أو وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) تطور أنظمة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات الكبيرة، التعرف على الأنماط في الاتصالات، واستخدام الذكاء الاصطناعي في الهجمات الإلكترونية. هذه الأدوات قد تكون في مراحل تطوير متقدمة لسنوات عديدة قبل أن يتم الإعلان عنها أو تظهر في الحياة العامة.
في النهاية، يمكن القول إن الحكومات، وخاصة الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة، تعمل على تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل سري لفترات طويلة، حيث يكون هدفها تعزيز قدراتها الدفاعية والاستخباراتية بعيدًا عن العيون العامة، وبالتالي ما يعلن عنه يمثل جزءًا صغيرًا من القدرات الفعلية المتاحة لهم.
حقيقة مهمة يجب ان ندركها وهي ان ما تطرحه الحكومات أو الجهات الاستخباراتية التي تمثلها شركات تكنولوحية للعالم من تقنيات الذكاء الاصطناعي غالبًا ما يكون أقل تقدمًا من التقنيات الفعلية التي تطورها وتستخدمها في الخفاء.
التقنيات التي تظهر للعامة تميل إلى أن تكون جزءًا من تطبيقات أقل حساسية أو ذات استخدامات تجارية أو مدنية، مثل تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الهواتف الذكية، السيارات ذاتية القيادة، أو المساعدات الرقمية. أما التقنيات الأكثر تقدمًا التي تُستخدم في المجال الاستخباراتي والعسكري، غالبًا ما تظل سرية لفترة طويلة.
الاستخبارات الأمريكية بدأت في استخدام الذكاء الاصطناعي (AI) ومع تطور الحوسبة والقدرات التكنولوجية، توسع دور الذكاء الاصطناعي بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وخاصة بعد ظهور خوارزميات التعلم العميق والتحليل الكبير للبيانات.
في العقد الأخير، زاد اعتماد الاستخبارات الأمريكية على الذكاء الاصطناعي بشكل كبير، حيث تستخدمه في تحليل الصور والمعلومات التي تجمعها الأقمار الصناعية والطائرات بدون طيار، وفي عمليات التنبؤ بالتهديدات الأمنية باستخدام تحليل البيانات الكبيرة .
– صحفي متخصص في الشأن العسكري
المصدر: عرب جورنال