البحر الأحمر … مطامع متعددة وصراعات متجددة !
العين برس/ تقرير
علي الشراعي
البحر الأحمر كان وما يزال إلى اليوم بما يمتاز من خصائص استراتيجية وجيوبوليتيكية اخطر محاور الصراع الدولي وملتقي أهم نقاط التحكم الاستراتيجي بوصفه حاملا للنفط وممرا للتجارة .وهذا ما نشاهد اليوم من التحركات الأمريكية بأساطيلها وحشد مزيد من القوات إلى البحر الأحمر والمحيط الهندي .
تكمن أهمية البحر الأحمر الاستراتيجية في مجاورته لمناطق حساسة ذات تأثير حيوي على مصير عدد من الدول.
فالبحار المفتوحة تتحكم في البحار الداخلية أو الضيقة لذا فالمحيط الهندي يتحكم في البحر الأحمر بشكل مباشر وهذا يفسر لنا النشاط الدولي الاستعماري في المحيط الهندي لقربه من مدخل البحر الأحمر الذي يشهد حالة صراع وتنافس بين القوى الكبرى لسيطرة عليه .
مطامع تاريخية
لم تكن اهمية البحر الاحمر في العصور القديمة والوسطى اقل أهمية بالنسبة للعالم في التاريخ الحديث والمعاصر فقد كان البحر الاحمر يمثل طريقا مهما للتجارة العالمية في تلك العصور .
ومنذ زمن قديم ونتيجة لأهميته التجارية وقع البحر الأحمر وعرب شبة الجزيرة العربية تحت تأثير الصراع بين القوى العظمى حينذاك . والمتمثلة بالإسكندر في روما وبيزنطة والامبراطورية الفارسية .
وفي مطلع العصر الحديث كان ساحة للصراع البرتغالي والعثماني لتحقيق أهداف تجارية واستعمارية , وفي أواخر القرن الثامن عشر الميلادي كان محط انظار نابليون الذي فكر باتخاذه قاعدة لضرب المصالح البريطانية في المحيط الهندي .
وبعد فتح قناة السويس عام 1869م أصبح البحر الأحمر ذات أهمية استراتيجية كبرى ودخلت الدول الكبرى يومها بريطانيا وفرنسا وايطاليا في صراع فيما بينها في منطقة البحر الأحمر من أجل تحقيق أهداف تجارية واستعمارية توسعية في المنطقة .
وبعد بروز الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي قوتين كبريتين بعد الحرب العالمية الثانية 1939- 1945م حلت محل بريطانيا وفرنسا وايطاليا في دخول البحر الأحمر وقاد ذلك إلى حدوث صراع بين الطرفين من أجل تحقيق مصالحها في البحر الأحمر والاستفادة من مزاياه الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية والجغرافية .
منطقة صراع
تكمن أهمية البحر الأحمر بموقعه الجغرافي المؤثر على العلاقات الاقليمية والدولية فهو يتوسط قارات العالم القديم الثلاث ( آسيا , افريقيا , اوروبا ) وهو من أهم الطرق البحرية العالمية لأنه يوفر لقوى اقليمية ودولية امكانية الوصول إلى البحر المتوسط والمحيط الهندي والمحيط الأطلسي , ومما زاد من اهميته في التاريخ الحديث والمعاصر افتتاح قناة السويس واكتشاف منابع النفط في الخليج العربي والمناطق العربية الأخرى. ومما اضفى أهمية استراتيجية للبحر الأحمر كونه يشكل حلقة وصل بين منطقتي الصراع الاقليمي والدولي وهما الشرق العربي والقرن الأفريقي .
فضلا على أن البحر الأحمر يشكل حلقة الوصل بين الخليج العربي من جهة والبحر المتوسط واوروبا من جهة أخرى , ومما زاد من أهميته الاستراتيجية هو طول السواحل المطلة عليه حيث أكسبه ذلك امكانية السيطرة على المجرى المائي من خلال المواقع الساحلية المطلة عليه ومنها الجزر والموانئ ذات الأهمية الاستراتيجية .
فرض السيطرة
ومن جانب آخر تكمن أهمية البحر الأحمر الاستراتيجية في مجاورته لمناطق حساسة ذات تأثير حيوي على مصير عدد من الدول فمن المعروف أن البحار المفتوحة تتحكم في البحار الداخلية أو الضيقة لذا فالمحيط الهندي يتحكم في البحر الأحمر بشكل مباشر وهذا يفسر لنا النشاط الدولي الاستعماري في المحيط الهندي لقربه من مدخل البحر الأحمر الذي شهد حالة صراع وتنافس بين القوى الكبرى لسيطرة عليه وهذا ما نشاهد اليوم من التحركات الامريكية بأساطيلها وحشد مزيد من القوات إلى البحر الأحمر والمحيط الهندي .
وتتركز الأهمية الاستراتيجية للبحر الأحمر في المضايق والخلجان والتي يعد البعض منها مراكز استراتيجية للسيطرة على الملاحة الدولية ومنها مضيق باب المندب .
لذا أبدت القوى الدولية الكبرى اهتماما بتلك المضايق والخلجان وتسابقت لاحتلالها أو للحصول على تسهيلات من الدول التابعة لها بهدف تحقيق مصالحها التجارية والسياسية في المنطقة , هذا إلى جانب الصراع بين الدول المطلة على البحر الأحمر من أجل الحصول على مكاسب عل حساب بعضها البعض ومنها من يقف ورائها قوى كبرى تدفها لذلك .
ممر للنفط
والأساطيل يتمتع البحر الاحمر بموقع جيوبوليتيكي فريد يضفى نوعا من التعقيد على العلاقات الإقليمية والدولية فهو يقع عند نقطة التقاء القارات الثلاث افريقيا من الغرب وآسيا من الشرق واوروبا من الشمال ويحكم موقعه بين الشرق والغرب فهو بمثابة جسر يصل الشرق بالغرب وهو ايضا يربط البحر العربي بالمحيط الهندي بالبحر المتوسط بواسطة مضيق باب المندب في الجنوب وقناة السويس في الشمال , فضلا انه يشكل امتدادا للخليج العربي من الناحية الاقتصادية لكونه ممرا لنقل نفط الخليج العربي إلى أكبر مستهلكي النفط في غرب أوروبا وامريكا .
ووفقا لذلك فان البحر الاحمر يتمتع بأهمية جيوبوليتيكية كونه يتحكم في مداخل ومخارج البحر المتوسط عن طريق قناة السويس شمالا ويتحكم في مدخل المحيط الهندي عن طريق مضيق باب المندب جنوبا .
لذلك فهو نقطة تأثير على البحر المتوسط عند قناة السويس وعلى المحيط الهندي والبحر العربي والخليج العربي عند مضيق باب المندب .
اضافه أن البحر الأحمر يشكل طريق الاتصال بين الأساطيل البحرية في البحر المتوسط والمحيط الهندي .
ويعد البحر الأحمر من الناحية الجيوبوليتيكية اكثر اتساعا من البحر الأحمر من الناحية الجغرافية أذ لا يقتصر تأثيره على الدول التي تطل عليه مباشرة بل يتعدى ذلك ليشمل الدول والقوى التي ترتبط سياسيا واقتصاديا وعسكريا واستراتيجيا بالبحر الاحمر .
اطماع دولية
ووفقا لذلك فأن البحر الأحمر يعد منطقة ضعف عسكري وتخلخل سكاني واضطراب اجتماعي وبؤرة للأطماع الدولية سياسيا واقتصاديا , فضلا عن أن منطقة البحر الأحمر لا تتوقف على إرادة الأطراف الإقليمية القائمة فيها وإنما يتعدى ذلك إلى استراتيجيات القوى الكبرى التي تسعى لضمان مصالحها في المنطقة وعلى هذا الاساس فأن منطقة القرن الافريقي تدخل في نطاق البحر الأحمر الجيوبوليتيكية لأنها تتحكم في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر حيث تمر الصادرات النفطية الخليجية من خلاله إلى اوروبا وامريكا ,
كما أن منطقة الخليج العربي يمكن أن تدخل في الحيز الجيوبوليتيكي للبحر الأحمر لأن معظم صادراتها النفطية تمر عبر البحر الأحمر .
فنفط الخليج العربي الذي تحتكر معظم انتاجه وتجارته الشركات الامريكية في الوقت الحاضر يعتمد اعتمادا كبيرا على البحر الأحمر بوصفه المجال الحيوي لصادراته .
لذلك ان امريكا ودول غرب اوروبا الصناعية لها مطالب جيوبوليتيكية في البحر الأحمر لأنها تعتمد على نفط الخليج العربي اعتمادا رئيسيا لتلبية حاجاتها من الطاقة كما أد دول مثال الاتحاد السوفيتي سابقا وروسيا اليوم لها اهتمام بالنطاق الجيوبوليتيكي للبحر الأحمر الذي يعد اقصر طريق يربط موانئها على البحر الأسود واسطولها في المحيط الهندي الذي يمثل أهمية بارزة في الاستراتيجية البحرية الدولية .
كذلك مع ظهور الصين كقوى اقتصادية وعسكرية تنافس امريكا في البحر الأحمر والمحيط الهندي ومطامع الكيان الصهيوني بتحويل البحر الأحمر إلى بحيرة يهودية بمسانده واضحة من امريكا وما توجد القوات الامريكية اليوم في البحر الاحمر إلا تحقيق لاستراتيجياتها واهدافها ومنها تمكين الكيان الصهيوني واسطوله من التواجد بالبحر الأحمر وجزره والتحكم بممراته ومنها مضيق باب المندب للعبور إلى المحيط الهندي بسفنها وغواصاتها .
اضافه إلى قطع لسفن حربية فرنسية وبريطانيا وقطع لحلف الناتو التي شرعنتها الامم المتحدة بقرارات عام 2008م تحت ذريعة محاربة القرصنة.
انتهاك للسيادة
وبذلك يتضح أن النطاق الجيوبوليتيكي للبحر الأحمر هائل الاتساع بحيث يمكن ان يشمل خارطة العالم مما يؤدي إلى تجدد الصراعات بسبب تعدد مطامع الدول الكبرى الاستعمارية وعلى راسها الولايات المتحدة الأمريكية من خلال تحركاتها الأخيرة في البحر الأحمر فمصالح الدول الأجنبية الموجودة في البحر الأحمر لا تطابق مصالح الدول المطلة عليه التي قد تفقد سيادتها ليس على البحر الأحمر بل على جزرها وموانئها ومياهها الاقليمية وإنما تسعى إلى تحقيق مصالحها وأهدافها الخاصة وأن لذلك الوجود الأجنبي تأثيره المباشر على ما يجرى في البحر الأحمر وله تأثيره على توازن القوى الكبرى مع القوى الإقليمية حيث أدى ويؤدى ذلك إلى بروز قضايا بدول المنطقة قادت إلى صراع بين القوى الإقليمية مما يخدم اهداف القوى الاستعمارية الطامعة بالسيطرة على البحر الأحمر تحت ذرائع مختلفة .
فأن الأهمية الاستراتيجية لأي موقع جغرافي تعني في جانب أخر أهمية ذلك الموقع في الاستراتيجية العسكرية فالبحر الأحمر كمعبر إلى المحيط الهندي من ناحية ولأهمية المنطقة التي يمر فيها من ناحية ثانية فكان مجالا لتدفق القوى العسكرية ما بين البحر المتوسط والمحيط الهندي وهذا قاد إلى تنافس القوى الكبرى فيما بينهما من اجل فرض السيطرة على مداخله واقامة قواعد عسكرية فيه تشرف منها على مصالحها .