رغم التوتر الدبلوماسي بين تركيا و”إسرائيل”، اعتمدت أنقرة سياسة الفصل بين السياسة والاقتصاد، فلم ينعكس التوتر السياسي على حجم التبادل التجاري.
أصدر رئيس حكومة العدو الإسرائيلي، يائير لابيد، بياناً أعلن فيه عودة العلاقات التركية-الإسرائيلية إلى طبيعتها، بما يشمل العلاقات الدبلوماسية وعودة السفراء والقناصل، وهو ما أكدته الخارجية التركية.
ويأتي الإعلان تتويجاً للاتصالات المباشرة بين الطرفين، منها زيارة رئيس الكيان، إسحاق هرتسوغ، تركيا في آذار/مارس المنصرم، وزيارة وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، ووزير الطاقة فاتح دونماز، “تل أبيب” في أيار/مايو الماضي.
تأتي الخطوة التركية في إطار عملية إعادة تموضع في المنطقة، نتيجة عوامل داخلية واقتصادية وسياسية، وتغليب المصالح المشتركة والتبادلية مع مختلف الأطراف في المنطقة على قاعدة الفصل بين الملفات، والعودة إلى سياسة “صفر مشاكل”، التي تبنّاها “حزب العدالة والتنمية”، منذ توليه الحكم عام 2002، وحتى أحداث المنطقة العربية في 2011.
شهدت العلاقات التركية بالعدو الإسرائيلي تراجعاً منذ هجوم الأخير على سفينة “مافي مرمرة” التركية عام 2010، والتي أبحرت تجاه سواحل غزة، وسعى الطرفان لترميم العلاقات بينهما، وتراجعت أنقرة عن شرطها كسر الحصار عن غزة لاستعادة العلاقة، ثم توترت العلاقة مجدداً بعد العدوان الإسرائيلي المتكرر على قطاع غزة.
رغم التوتر الدبلوماسي بين الجانبين، اعتمدت تركيا سياسة الفصل بين السياسة والاقتصاد، فلم ينعكس التوتر السياسي على حجم التبادل التجاري والاقتصادي، بل على العكس، إذ تؤكد الأرقام زيادة في حجم الصادرات والواردات والاستثمارات المباشرة، وذلك وفقاً لبيانات رسمية صادرة عن معهد الإحصاء التركي، والبنك المركزي، وجمعية المصدرين الأتراك.
ففي عام 2002، كانت الصادرات التركية إلى “إسرائيل” بحدود 850 مليون دولار سنوياً، وفي عام 2011 كانت الصادرات 2.4 مليار دولار، واحتلت “إسرائيل” المرتبة 17 للصادرات التركية، وبالمقارنة مع عام 2020 وصلت الصادرات إلى 4.7 مليارات دولار، لتحتل “إسرائيل” المرتبة التاسعة في قائمة الدول التي تصدر لها تركيا.
وفي الربع الأول من العام الحالي 2022، بلغت الصادرات ملياراً و851 مليون دولار، بزيادة تقدر بـ 35% مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، لتكون “إسرائيل” في المرتبة الثامنة للصادرات التركية، وبلغت واردات تركيا من “إسرائيل” 1.5 مليار دولار عام 2020، وبلغ في العام نفسه إجمالي حجم التجارة الخارجية بين الطرفين 6.2 مليارات دولار.
ترغب تركيا في أن تكون مركزاً دولياً للطاقة في شرق المتوسط بحكم موقعها الجيوسياسي، وامتلاكها أطول شاطئ يطل على البحر المتوسط، الأمر الذي سينقذ الاقتصاد التركي، ويعزز مكانة الحزب الحاكم الداخلية. وتسعى تركيا لتكون ممراً للغاز الإسرائيلي المسروق للتصدير نحو أوروبا، وهو ما صرح به أكثر من مرة الرئيس إردوغان، ووزير خارجيته جاويش أوغلو.
استبعدت تركيا من عضوية “منتدى غاز شرق المتوسط” الذي أنشئ عام 2018 وضم في عضويته، “إسرائيل” ومصر واليونان وقبرص والأردن والسلطة الفلسطينية، بالإضافة إلى فرنسا وإيطاليا، بهدف التعاون للاستفادة من الغاز. وتبنى المنتدى مشروع خط أنابيب “ايست ميد” بهدف تصدير غاز المتوسط إلى أوروبا، إذ يبدأ الخط من فلسطين المحتلة مروراً بقبرص ثم جزيرة كريت اليونانية، وصولاً إلى إيطاليا.
أبدت تركيا امتعاضها من المشروع، كونه سيمر عبر ما تعدّه حقوقاً مائية لها، ولكن السبب الحقيقي هو طموحها لاستبدال مسار خط الأنابيب ليمر عبر تركيا، وهو المسار الأقرب لأوروبا والأقل من حيث التكلفة، وسيحقق عوائد مالية كبيرة للأتراك، مستغلة تعثر مسار مشروع “ايست ميد” لأسباب تمويلية وعدم استقرار في البيئتين الأمنية والسياسية في المنطقة، ما دفع الشركات والدول إلى الإحجام عن الاستثمار، الأمر الذي شجع القيادة التركية على استعادة المبادرة عبر خطوات سياسية تجاه “إسرائيل” ودول المنطقة، تتلوها توافقات اقتصادية، لا سيما في سوق الطاقة، لتكون الممر المفضل للغاز نحو أوروبا.
مع اشتداد أزمة الطاقة العالمية بفعل الحرب في أوكرانيا، ورغبة أوروبا والولايات المتحدة في إيجاد بدائل عن الغاز الروسي، يشكل غاز شرق المتوسط أحد البدائل الأساسية، الأمر الذي دفع الإدارة الأميركية إلى توجيه الأطراف في المنطقة لعقد مصالحات وتوافقات، وخفض التصعيد والتوتر، وبلا شك فإن الإدارة الأميركية شجعت عودة العلاقات الكاملة بين تركيا “وإسرائيل”.
يسعى الرئيس رجب طيب إردوغان و”حزب العدالة والتنمية” للتغلب على الأزمة الاقتصادية المتصاعدة في تركيا، والتي أدّت إلى تراجع شعبية الحزب والرئيس التركي، في توقيت دقيق قبيل الانتخابات التركية المزمع عقدها في منتصف العام المقبل 2023، الأمر الذي دفع إلى التحوّل في السياسة الخارجية التركية، تجاه دول المنطقة ومنها الإمارات والسعودية ومصر، بالإضافة إلى “إسرائيل”.
وبالرغم من أن العوامل الاقتصادية هي الأكثر تأثيراً في السياسة الخارجية التركية في هذه المرحلة، لا يخلو التحوّل التركي من إعادة تقييم شامل لتوجهاتها في ضوء المتغيرات الدولية والإقليمية.
المصدر: الميادين