استهداف سد نوفا كاخوفكا.. أيّ مصلحة سياسية وعسكرية لأوكرانيا؟
العين برس / تقرير
استهداف الجزء العلوي من سد نوفا كاخوفكا، أسفر عن فيضانات غمرت أكثر من 2500 كم، وانقطاع للمياه عن شبه جزيرة القرم والجنوب الأوكراني، وترتبت تداعيات بيئية واقتصادية وحتى عسكرية على هذا الاستهداف.
بعد أقل من عام على تفجير خط السيل الشمالي وتوقفه بشكل كامل، وما أثبتته التحقيقات والوثائق من تورط كييف وواشنطن بالحادثة، تصدر قبل أيام استهداف سد نوفا كاخوفكا واجهة الأحداث في الملف الأوكراني، نظراً لما يمثله من أهمية اقتصادية، ناهيك عن تأثيرات استهدافه في سير العملية العسكرية.
صباح السادس من الشهر الجاري، ضربات عدّة استهدفت الجزء الجنوبي من سد نوفا كاخوفكا، ومحطة توليد الطاقة الكهرومائية التابعة للسد، في مقاطعة خيرسون، ما أدى إلى تدفق المياه إلى الخارج، مسبباً نقصاً في مستوى مياه البحيرة خلف السد، وفيضاناً في مياه النهر .
وفيما تحاول أوكرانيا إلقاء اللوم على روسيا، تؤكد موسكو أنّ الضربة وجهت من راجمة صواريخ من طراز “أولخا” الأوكرانية الصنع، مشددة على أن أوكرانيا هي من تقف وراء الهجوم.
أهمية السد
يعدّ سد نوفا كاخوفكا السد الأكبر في أوكرانيا، بعرض يبلغ 3.8 كيلومترات، وارتفاع يقارب 30 متراً. ويحتجز خلفه 18 مليار متر مكعب من المياه، في بحيرة تمتد حتى محطة زاباروجيا النووية، على مساحة 2155 كيلومتراً مربعاً.
وتخدم مياه البحيرة الاصطناعية في تبريد وقود المفاعلات النووية للمحطة النووية الأكبر في أوروبا، فضلاً عن ري جزيرة القرم وأجزاء واسعة من الجنوب الأوكراني عبر شبكة من القنوات، تمّ شقها في عهد الاتحاد السوفياتي.
التداعيات
تسبب تفجير سد نوفا كاخوفكا بتدفق المياه إلى الخارج، ما أدى إلى غرق نحو 2700 منزل وإجلاء 1300 شخص من المدينة. وامتدت الفيضانات إلى أكثر من 80 بلدة.
صحيفة الغارديان البريطانية نشرت صوراً التقطتها أقمار شركة بيكسار تكنولوجي، الاصطناعية، تظهر حجم الفيضان الواسع جنوب أوكرانيا، وكمية الدمار في السد ومحطة توليد الطاقة الكهرومائية.
وقالت الشركة إن مساحة تتجاوز 2500 كيلومتر مربع قد غمرتها المياه. أظهرت الصور المناطق الممتدة من نوفا كاخوفكا وخليج دنيبروفسكا جنوب غرب خيرسون المطلة على البحر الأسود غارقة في المياه، ولا يظهر في الصور إلا جزء يسير من المباني لم تغمره المياه.
وتُظهر لقطات متداولة على وسائل التواصل شدة حجم الفيضانات الهائلة خاصة على الجانب الجنوبي للنهر، الواقع تحت السيطرة الروسية، نتيجة الانخفاض الشديد في مستوى الأرض عن الضفة الشمالية للنهر، الواقعة تحت السيطرة الأوكرانية.
من جهتها، حذرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر من التبعات الكارثية لتفجير محطة نوفا كاخوفكا، وما سينجم عنه من تبعثر الألغام، جراء الفيضانات الناجمة، ما يشكل خطراً على السكان وفرق الإغاثة.
ما المصلحة الأوكرانية من استهداف السد؟
عسكرياً
اتهم وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، نظام كييف بتفجير محطة نوفا كاخوفكا للطاقة الكهرومائية من أجل نقل القوات من محور خيرسون إلى منطقة عملياته الهجومية.
المحلل السياسي والعسكري الروسي د. رولاند بيجاموف، يرى في حديث خاص للميادين نت، “أن تدمير السد كان هدفه إلحاق أكبر ضرر ممكن بالجانب الروسي، لمنعه من الهجوم المضاد، بعد تصدي الروس للهجوم الأوكراني وتكبيدهم خسائر كبيرة ما خلط أوراقهم، فكان الأوكرانيون بحاجة إلى إعادة التموضع، وتحريك قواتهم من جبهة خيرسون إلى جبهة زاباروجيا، إذ يبدو أن الهجوم الأوكراني القادم سيتركز هناك”.
سياسياً
عمدت كييف، وحلفاؤها من الغرب، إلى استثمار فوري للحادثة عبر دعوة الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي مجلس الأمن إلى فرض عقوبات دولية جديدة على الجانب الروسي.
وفي حديث للميادين نت، رأى المحلل السياسي الروسي أندريه أونتيكوف، أن “الجانب الأوكراني هو من دبر هذه الحادثة من أجل مواصلة الضغط على حلفائه الغربيين، لتسريع تسليمه طائرات أف 16 من جهة، والحصول على مزيد من الدعم المالي والعسكري”.
وقال أوتنيكوف “إنه من المضحك اتهام روسيا بتفجير السد، كون السد تحت سيطرتها أصلاً، مازلنا نتذكر اتهامات الأوكرانيين لروسيا بقصف محطة زاباروجيا النووية حين كان الجنود الروس داخلها، فهل تقصف روسيا جنودها”!
اقتصادياً
بحسب بيجاموف، تعدّ خيرسون سلة طعام جنوب روسيا وأوكرانيا، وحدوث هذه الفيضانات سيؤدي بالدرجة الأولى إلى تضرر السكان المحليين، الذين خسروا كل محاصيلهم لهذا العام، ويرى بيجاموف أن هذا الاستهداف للسد، هو انتقام من سكان هذه المنطقة التي اختارت أن تكون جزءاً من الاتحاد الروسي، بالتالي أصبح الأوكرانيون يعاملون شعبها كعدو.
وفي سياق متصل، أثار تدمير السد، قلقاً بشأن احتمال تعطل الإمدادات العالمية، نظراً إلى موقع أوكرانيا كمصدّر رئيسي للقمح والذرة. وبسبب وجود حقول زراعية واسعة في جنوب أوكرانيا، عرّض الانهيار في السد كميات كبيرة من المحاصيل للخطر وهدد إمدادات مياه الشرب.
وفي التعاملات المبكرة في بورصة شيكاغو التجارية يوم الثلاثاء، ارتفعت أسعار القمح بنسبة 2.4 %، لتصل إلى 6.39 دولارات للبوشل (وحدة قياس أميركية للقمح تساوي 27,2 كيلوغراماً)، وارتفعت تكلفة الذرة بأكثر من 1% ، أو أكثر من 6 دولارات للبوشل (20,4 كلغ)، وارتفعت تكلفة الشوفان 0.73% ، أو 3.46 دولارات للبوشل (14,5 كلغ).
وحذر خبراء من كارثة بيئية تلوح في الأفق، بعد تسرب 150 طناً من الزيوت، من آلات السد، في نهر دينبرو، إضافة إلى وجود 300 طن أخرى تحت خطر التسرب في أي وقت.
من جانبه، قال ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، نقلاً عن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للمنظمة، إن تدمير سد نوفا كاخوفكا جنوبي أوكرانيا سيؤثر سلباً في الأمن الغذائي العالمي.
وأضاف المتحدث الأممي، أن الفيضانات الناجمة عن دمار سد نوفا كاخوفكا تسببت في تدمير آلاف الهكتارات من المحاصيل الزراعية، وأن السلطات المحلية أكدت أن تدمير السد أهلك نظام الري في مناطق دنيبرو وخيرسون وزاباروجيا.
الوضع في محطة زاباروجيا النووية
أكّدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أنه ليس هناك “خطراً نووياً آنيّاً في محطة زاباروجيا، موضحةً أنّ خبراءها الموجودين في الموقع “يراقبون الوضع من كثب”.
ويوم أمس، أعلن المدير العام لمؤسسة “روس آتوم” الحكومية الروسية للطاقة الذرية، أليكسي ليخاتشوف، أن طاقم محطة زاباروجيا النووية مستعد لسيناريو خسارة المحطة لماء التبريد.
من جهته، ينفي الخبير العسكري الروسي بيجاموف للميادين نت، أن يكون هناك أي تداعيات لانهيار السد على محطة زاباروجيا، كون المحطة تحتوي خزان تبريد منفصلاً، يبلغ ارتفاعه 16.5 متراً، غير مرتبط بشكل مباشر بخزان السد، إضافة إلى أن خمسة من مولدات المحطة النووية في حالة التوقف البارد، وأن مولداً واحداً في حالة التوقف الساخن، أي يمكن إعادة تشغيلها واستخدامها بسهولة، بالتالي هذه المولدات لا تحتاج إلى طاقة تبريد عالية،مشدداً على أنّه “لا خطر آت من محطة زاباروجيا في الوقت الحالي”.
في نهاية شهر كانون الثاني/ يناير من العام 2022، أجرت صحيفة واشنطن بوست الأميركية، مقابلة تحدث فيها ضابط أوكراني كبير، عن اختبار أجرته قوّاته لضرب سد نوفا كاخوفكا، والتسبب بفيضان يغلق من خلاله المعابر الروسية خلال معركة خيرسون.
قال يومها اللواء أندريه كوفالتشوك (قائد الهجوم على خيرسون)، للصحيفة، “لقد استهدفنا الجسرين( جسر أنتونوفسكي وجسر سكة حديد أنتونوفسكي) بأنظمة صواريخ هيمارس، التي زودتنا بها الولايات المتحدة الأميركية، ووضعنا في خطتنا فيضان النهر، فأجرينا ضربات اختبارية على إحدى بوابات التصريف لسد نوفا كاخوفكا، باستخدام قاذفة هيمارس، ما أحدث ثلاثة ثقوب في المعدن (في بدن البوابات)، كانت الضربات، استكشافية، بهدف معرفة إذا ما كان يمكن رفع مستوى نهر دنيبر، بما يكفي (للتسبب بفيضان يؤدي) إلى إغلاق المعابر الروسية”.
ختم اللواء يومها حديثه “لقد نجح الاختبار، لكن تركنا هذه الخطوة كحل أخير”.
ومما تقدم، تبرز المصلحة الأوكرانية من استهداف السد بدءاً من “شيطنة روسيا”، وزيادة الضغط عليها عبر فرض مزيد من العقوبات والحصول على المزيد من الدعم العسكري، ناهيك بمحاولة كييف المستميتة لاستعطاف الرأي العام العالمي ومحاولة إظهار نفسها دائماً كطرف معتدى عليه.
ويبقى الهدف العسكري الأهم من وراء هذا الاستهداف عبر تعطيل أي تحرك عسكري روسي مضاد وإغراق المنطقة بالوحول، خاصة في ظل الخسائر الفادحة التي منيت بها القوات الأوكرانية مؤخراً.