إيران تستشرف «فوضى» في سوريا: أميركا وإسرائيل «واهمتان» بضعفنا
العين برس/ مقالات
محمد خواجوئي
أعطت كلمة المرشد الأعلی الإيراني، آية الله علي خامنئي، أمس، والتي وصف فيها الأحداث الأخيرة في سوريا بـ»الفوضى»، متوقّعاً «ظهور مجموعة من الشرفاء الأقوياء» ضدّ کیان الاحتلال، صورة أوضح لسياسة طهران تجاه دمشق. ومن دون ذكر اسمها، وصف خامنئي، «هيئة تحرير الشام»، بأنها «مجموعة من مثیري الشغب»، تمكّنت «بمساعدة وتخطيط حكومات أجنبية، من استغلال نقاط الضعف الداخلية في سوريا، وجرّ هذا البلد إلی حالة من الفوضى». وإذ لفت إلى أن «مخطّط أميركا لفرض هيمنتها على بلد ما، يكون إمّا بتنصيب نظام استبدادي يخدم مصلحتها، أو بإثارة الفوضى»، فهو اعتبر أن «مخطّط أميركا في سوريا هو نشر الفوضى والشغب».
وعزا المرشد تقدُّم إسرائيل في سوريا، واحتلال أراضيها بهذه السهولة، إلى «عدم وجود مقاومة هناك، ولو حتى جندي واحد يواجههم»، مستدركاً بأن «الشباب السوريين الغيورين والشجعان سيطردونهم من هناك لاحقاً». كما توقّع أن تؤدّي الأحداث في سوريا إلى ظهور مَن وصفهم بـ»مجموعة من الشرفاء الأقوياء؛ فالشباب السوريون ليس لديهم ما يخسرونه»، إذ إنّ «جامعاتهم، ومدارسهم، ومنازلهم، وشوارعهم وحياتهم غير آمنة. ولذا، عليهم أن يواجهوا مَن خطّطوا لزعزعة أمن بلادهم ومَن نفّذوا ذلك، وسيتغلّبون عليهم»، وسيكون «مستقبل المنطقة أفضل من واقعها الحالي».
ويَظهر ممَّا قاله خامنئي مدى تشاؤم إيران حيال قدرة الحكّام الجدد في سوريا على تحقيق الاستقرار في هذا البلد. ومن جهة أخری، حذّر المرشد، الولايات المتحدة وإسرائيل من «التوهم» بضعف إيران، ومن محاولة إثارة الفتنة والفوضى على أرضها. وجاءت تصریحاته تلك في وقت تحدّث فيه بعض المسؤولين ووسائل الإعلام الغربية، في الأيام الماضية، عن احتمال حدوث اضطرابات وتغييرات في إيران. وعلّق خامنئي على ذلك، بالقول إن الأميركيين الذين «يقولون إنهم سيدعمون مَن يثير الفوضى في إيران»، هم «حمقى، واهمون جداً ومخطئون. فالشعب الإيراني سيسحق كلّ مَن يقبل أن يصبح مرتزقاً للولايات المتحدة». ورأى أن «اعتبار أميركا والكيان الصهيوني ومن يدعمهما، أنهم انتصروا، ليس إلا هذياناً وكلاماً فارغاً». وتساءل: «أين كان انتصاركم؟ هل كان في غزة بقتل أكثر من 40 ألف بريء، أو بالقضاء على حماس، أو بتحرير الأسرى من غزة؟»، مضيفاً أنّ «الكيان الصهيوني أراد القضاء على حزب الله، لكنّ حزب الله اليوم حيّ والمقاومة الفلسطينية حيّة وحماس حيّة وحركة الجهاد حيّة».
وفي غضون ذلك، أعادت الزيارة التي أجراها الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، إلى القاهرة، حيث شارك في قمة الدول الثماني الإسلامية النامية، والتقى خلالها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (وهي الأولى منذ 12 عاماً)، إلى الأذهان مسألة العلاقات بين طهران والقاهرة، ولا سيما في الوقت الذي يبدي فيه البلدان قلقاً مشتركاً إزاء التطورات في سوريا. وإذ شهدت العلاقات الإيرانية – المصرية تقلّبات وتأرجحات، طوال العقود الماضية، يبدو أن التواصل الدبلوماسي بينهما ازداد، خاصة بعدما اضطلعت القاهرة بدور الوسيط في حرب غزة. وقد أجرى البلدان، خلال العامَين الأخيرين، خصوصاً بعد إحياء العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية، عدّة جولات من المشاورات في سبيل تطبيع العلاقات بينهما. وتحدّث مسؤولوهما عن إحراز تقدّم في هذه المحادثات، ما دون مستوى استعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة. ومع ذلك، قال مساعد الرئيس الإيراني للشؤون السياسية، مهدي سنائي، تعليقاً على لقاء بزشكيان – السيسي، إن «هناك إرادة لدى إيران ومصر لاستئناف العلاقات، ونأمل في ضوء الإجراءات المتّخذة، أن نصل في المستقبل القريب إلى مستوى إعادة فتح سفارتَي البلدَين».
خامنئي: «مخطّط أميركا في سوريا هو نشر الفوضى والشغب»
وتُظهر المؤشرات أن الجمهورية الإسلامية تبدي حرصاً أكبر على استئناف العلاقات مع مصر، إذ يقول الإيرانيون إن الدولتين، صاحبتا حضارة عريقة ووارثتا إمبراطوريتين قديمتين، وإن مجتمعَي البلدَين، تربطهما أوجه اشتراك كثيرة من حيث نمط الحياة والهواجس وحتى المشكلات. وفي المقابل، يلتزم المصريون نوعاً من الحذر في التعامل مع إيران، ولا سيما الأجهزة الأمنية التي تقيم علاقات وثيقة مع الأميركيين والإسرائيليين. من جهتها، تبدي الدول الخليجية وأميركا وإسرائيل، حساسية خاصة تجاه مسألة التقارب بين طهران والقاهرة، وهو ما تسبّب في إطالة أمد إحياء العلاقات بينهما.
وفي هذا الإطار، سلّطت صحيفة «إيران» الحكومية، الضوء على أرضية التقارب بين طهران والقاهرة في الحقبة الحالية، وفي ظلّ التطوّرات الجديدة في المنطقة، إذ قالت إن «مصر حاولت دائماً اتّخاذ خطوات مرتجفة لإحياء العلاقات مع إيران. إن العلاقات مع طهران بالنسبة إلى المصريين، قد تكون على الأرجح بمنزلة بوابة توغّل الإيرانيين الثقافي والفكري في مصر. وللفكر المقاوم، أنصار كثر في أرض الأهرامات، كما أن التوجّه الإيراني نحو المنطقة له شعبية لدى الرأي العام المصري.
وفي شتاء العام الماضي، أظهر استطلاع للرأي أجراه معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى الأميركي اليميني، أن أداء إيران في حرب غزة، حظي بشعبية وصلت إلى 50% في مصر. ومن جهة أخرى، فإن استيلاء تل أبيب على معظم الأراضي السورية في مرتفعات الجولان، يعيد إلى أذهان المصريين، تواجد إسرائيل في محور فيلادلفيا واحتلالها لهذه المنطقة». وأضافت أن «الديناميكية الإقليمية، ولا سيما حربَيْ غزة ولبنان، والتطورات السورية، أفرزت هذا المفهوم لدى الحكومات العربية، بما فيها المصرية، بأن أيّاً من بلدان المنطقة لن يكون بمنأى وحصانة عن النزعة التوسعية لإسرائيل؛ وفي هكذا أجواء، فإن هذه الأحداث، ولا سيما في سوريا، قد تكون عاملاً محفّزاً للتقريب بين مصر وإيران».
وفي هذا السياق، رأى المختصّ في الشؤون الدولية، صباح زنكنه، أن «إيران ومصر لديهما، في ظلّ الظروف الجديدة للمنطقة، هواجس مشتركة، والتعاون بينهما يمكن أن يُسهم في خفض التصعيد الإقليمي». ولفت، في مقال له في صحيفة «جام جم»، إلى أن «ظروف سوريا مهمّة بالنسبة إلى مصر وإيران، فدخول القوات الأجنبية أو وكلاء الدول الأجنبية وتواجد أميركا وداعش والقوات المدعومة من تركيا في سوريا، أثارا مخاوف كثيرة لدى البلدَين. لذلك، فإن المشاورات بينهما يمكن أن تؤدّي إلى إرساء الاستقرار والهدوء في المنطقة، وكذلك حفظ استقلال الدول، وتساعد الشعب الفلسطيني على التخلّص من أنواع الحصار والتهديدات الإسرائيلية».
أما عضو «معهد البحوث الاستراتيجية للشرق الأوسط» في طهران، عبد الأمير نبوي، فاعتبر، بدوره، أن «مصر لديها توجّه حذر إزاء العلاقات مع إيران». وكتب، في صحيفة «دنيا الاقتصاد»، أن «القاهرة التي ستتابع كما في السابق، موضوع العلاقات السياسية مع طهران بحذر وبخطوات بطيئة، تسعى إلى استخدام الورقة الإيرانية في التعامل مع باقي اللاعبين الإقليميين والدوليين. إن مصر لا تتجاهل أبداً مخاوف وحساسيات ومصالح دول، بما فيها الإمارات العربية والسعودية والبحرين، كما أنها تقيم علاقات استراتيجية ومهمّة مع باقي اللاعبين الإقليميين والدوليين، بمن فيهم إسرائيل والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والصين وروسيا، وستأخذ مصالح وقلق وحساسيّات هؤلاء في الاعتبار في توسيع علاقاتها مع إيران».
المصدر: صحيفة الاخبار