اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين إيران وروسيا، التي وقع عليها الرئيسان الايراني مسعود بزشكيان والروسي فلاديمير بوتين امس الجمعة، رغم انها اتفاقية شاملة، الا انها اقتصادية بالدرجة الاولى، لكن اللافت في تغطية القنوات الاعلامية التابعة بشكل او باخر للمحور الامريكي، هي انها أبت الا ان تُحرّف الحقائق عبر تجاهل اغلب بنود الاتفاق وتضخيم الابعاد العسكرية والامنية، وحديثها عن وجود بنود سرية، الامر الذي كشف ان ريح الاتفاقية لم تجر كما تشتهي سفن امريكا واتباعها في المنطقة.
اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين إيران وروسيا تُعد، كما يراها وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، خطوة نحو عالم أكثر عدلاً وتوازناً. فإيران وروسيا، إدراكًا منهما لمسؤوليتهما التاريخية، تؤسسان لنظام جديد قائم على فكرة التعاون بديلاً عن الهيمنة. في هذا السياق، أكّد نظيره الروسي سيرغي لافروف أن الاتفاق ليس موجّهًا ضد أي طرف. ومع ذلك، لا تستطيع الولايات المتحدة ومن يدور في فلكها تصوّر أن تكون الاتفاقية غير موجهة إلى طرف ثالث، ما يُظهر إسقاطًا واضحًا على الاتفاقيات التي تبرمها واشنطن مع دول أخرى، والتي غالبًا ما تكون اتفاقيات عسكرية بالدرجة الأولى، تتضمن إقامة قواعد عسكرية وبيع أسلحة. ورغم تكلفتها العالية، التي تصل إلى مليارات الدولارات، فإنها تصبّ في مصلحة الكيان الإسرائيلي والمصالح الأمريكية غير المشروعة في المنطقة.
اتفاقية الشراكة بين إيران وروسيا تُعد خطوة استراتيجية وردًا عمليًا على سياسة الحظر الاقتصادي الظالمة التي تمارسها واشنطن ضمن إطار سياساتها ضد الدول الرافضة لهيمنتها. هذه الحقيقة أشار إليها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في موسكو، حيث صرّح قائلًا: “نحن نقف ضد أي عقوبات دولية موجهة لإيران وروسيا، وإن طهران وموسكو قادرتان على بناء تعاون واسع النطاق في مجالات مختلفة يمكن أن يُحبط الحظر الأمريكي والغربي.”
إيران لم تعد تُعوّل كثيرًا على أوروبا، بعد أن تنصّلت الأخيرة من جميع تعهداتها في الاتفاق النووي، وخضعت للسياسة الأمريكية، وسحبت شركاتها من إيران إرضاءً للولايات المتحدة. لهذا السبب، اتجهت إيران نحو الشرق، حيث وقّعت مع الصين اتفاقية تعاون طويلة الأمد، وأبرمت اتفاقية تعاون اقتصادي مع الاتحاد الأوراسي، كما انضمت إلى عضوية “منظمة شنغهاي للتعاون” و”مجموعة بريكس”. وتهدف هذه الاتفاقيات إلى استبدال هيمنة الغرب بتعاون بناء قائم على المصالح المشتركة.
تشمل اتفاقية الشراكة الإيرانية الروسية الاستثمار في حقول الطاقة، بناء مصافي النفط وتطويرها، التعاون المالي والمصرفي، التعاون الترانزيتي ضمن ممرّ الشمال-الجنوب، تنفيذ مشروعات البنية التحتية المشتركة، وتبادل المعلومات والتكنولوجيا في مجال الأمن السيبراني. يبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين حاليًا خمسة مليارات دولار سنويًا، ما يمثل زيادة بنسبة الضعفين خلال العقد الماضي.
مع توقيع اتفاقية الشراكة، تجاوزت إيران وروسيا العقبات المتعلقة بالمعاملات النقدية والمصرفية. حيث تم تفعيل العملة الرقمية في التجارة بين البلدين، وأصبح من الممكن استلام الروبل من أجهزة الصراف الآلي الروسية باستخدام بطاقات بنك “شتاب”. في المرحلة المقبلة، ستعمل البطاقات الروسية في أجهزة الصراف الآلي الإيرانية. وابتداءً من العام الإيراني المقبل (الذي يبدأ في 21 مارس/آذار)، ستُستخدم البطاقات الإيرانية في نقاط البيع الروسية والعكس صحيح، ما يتيح للمستخدمين إجراء المشتريات من المتاجر مباشرة.
اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين إيران وروسيا ستُسهّل تطور العلاقات الاقتصادية والثقافية والسياسية بين البلدين بشكل أكثر فعالية. وفقًا للفقرة الأولى من المادة 18 في الاتفاقية، يلتزم الطرفان بتطوير التعاون التجاري والصناعي، وتحقيق منافع اقتصادية متبادلة، بما يشمل الاستثمارات المشتركة، البنية الأساسية التمويلية، تسهيل آليات التجارة، تعزيز المسائل المصرفية، وتبادل السلع والخدمات والمعلومات.
رغم أن الاتفاقية تشمل التعاون القضائي، البرلماني، الأمني والدفاعي، إلا أنها ليست معاهدة تحالف عسكري أو موجهة ضد أي طرف. بل تهدف إلى توفير رؤية طويلة الأمد لتطوير العلاقات الثنائية بشكل شامل. كما أن الاتفاقية لا تضع أي قيود على العلاقات بين البلدين وأي دول أخرى.
ختامًا نتائج هذه الاتفاقية الشاملة لن تكون مقتصرة على إيران وروسيا فقط، بل ستُحدث أثرًا إيجابيًا في مصلحة جميع الدول التي ترفض هيمنة الدولار الأمريكي على الاقتصاد العالمي، والذي تحول إلى أداة أمريكية لتجويع وتركيع الشعوب. هذه النتائج ستُثبت لباقي الدول إمكانية التحرر من الهيمنة الأمريكية عبر فك الارتباط بالدولار، وهو ما نجحت إيران وروسيا في تحقيقه.