في خضم المهرجانات الكاسحة والأعراس الجماهيرية المتعاقبة التي تُعلي رايات الفرح والابتهاج بأعظم عيد في التاريخ الإنساني، كيف لا والمناسبة تُذكر بالحدث التحولي الكبير الذي أسعد الإنسان على امتداد الخارطة البشرية ويتمثل في انبثاق مولد النور منقذ البشرية من براثن الجاهلية وإخراجهم من دهاليز الظلام وعبادة الأصنام إلى أفياء التوحيد وإفراد الخالق سبحانه بالعبادة، بحيث كان ميلاد الرسول المنقذ محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم المحطة الفاصلة بين ضلال الجهل الماحق والشرك البغيض وأنوار الهداية التي أشرق معها الأمل في النفوس، فكان فعلاً أعظم إنسان في التاريخ كما أشار إليه المؤرخون في الغرب، وبالتالي فإن إحياء المناسبة بهذه العظمة والحضور الجماهيري غير المسبوق ليس إلا رد فعل عملياً على الممارسات المريبة التي سعت إلى إبعاد اليمنيين عن هوية الانتماء الصادق لرسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم والاقتداء به في السلوك والممارسة في الحياة العامة، وأخذ الدروس والعبر من نهجه وسلوكه باعتباره الصادق الأمين، ولذلك حق لنا أن نقول عذراً رسول الله لأننا تراخينا عن إحياء ذكرى ميلادك بشكل قياسي وبلغت حالة القطيعة الذروة منذ بداية الألفية الثالثة على خلفية التحالف المشبوه بين صالح رأس النظام آنذاك وحزب الإصلاح من جهة وبين الجانبين والنظام السعودي بشقه الوهابي المتطرف من جهة أخرى، وعلى ضوء ذلك أصبح المدعو علي محسن الأحمر رجل السعودية الأقوى إلى جانب كونه قائد الجناح العسكري لحزب الإصلاح والرجل الثاني الفعلي في الدولة، هذا الموقع والمكانة المميزة أتاحا الفرصة له لأن يخرج النوايا الخبيثة للرفض وإقصاء الآخر المخالف بالذات أتباع الزيدية والإسماعيلية والصوفية من قعر النفوس التي ظلت مدفونة فيها ردحاً من الزمن إلى حيز التنفيذ، واتسع خطاب التبديع والتفسيق باستخدام كل أشكال الترغيب والترهيب وصولاً إلى مرابطة المخبرين والأطقم الأمنية أمام المساجد التابعة للروافض والمجوس – بحسب توصيف الإخوان – وانقياد القوات الأمنية لنفس الوصف عند تبرير أي فعل تعسفي يتعارض مع نصوص الدستور والقانون، كما حدث في إحدى الليالي عندما كانت جموع المؤمنين تتوافد إلى جامع النهرين لإحياء مناسبة الغدير يوم الولاية لأمير المؤمنين ويعسوب الموحدين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، وعند رفض المصلين أمر المنع والإصرار على دخول المسجد لإحياء المناسبة أقدمت طقوم الأمن على إغلاقه والتعاطي مع من كانوا في المسجد بشكل بشع اشتمل على القمع التعسفي والضرب بالهراوات وأعقاب البنادق وتفاقمت الهجمة بعد العدوان الأول على صعدة عام 2004م، بحيث أصبح ترديد الأذكار المعروفة عقب الصلوات الخمس أو ترديد الصلاة الكاملة على الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أفعالاً مُجرمة كونها تقليداً للروافض والمجوس .
ما تقدم غيض من فيض وأفعال مُريبة تثير السخرية لدى كل إنسان مسلم وغير مسلم يمتلك بصيرة ثاقبة، وقد اقتضى الحال التطرق إليها لا بقصد استدعاء الماضي وجعله مدخلاً لإثارة الأحقاد والضغائن في النفوس، لكن للرد على بعض الانتقادات التي استمعت إليها من أشخاص على درجة عالية من الوعي ليعرفوا ما جرى في الماضي، وأن كل المشاهد المعروفة لعدد كبير من أبناء شعبنا تستدعي ما يشبه الصعقة الكهربائية لإعادة اليمنيين إلى الهوية الإيمانية وإحياء الموروث المتجذر في النفوس الذي جسده اليمنيون على مدى القرون الماضية بما مثله من ولاء وحب صادق للرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم وآله بيته الكرام، هذا على المستوى المحلي أما على المستوى الخارجي فإن الأجواء المحتدمة لدى أعداء الإسلام والصهاينة وحالات الاستهداف التي سعت إلى تشويه صورة الرسول والتأثير على رسالته حتمت إعلاء مظاهر الاحتفاء وتعريف المتطفلين بمكانته وعظمته وأن محبته متجذرة في نفوس المسلمين وهي التي ستحدد طبيعة رد الفعل على أي استهداف لشخص الرسول أو لمنهج العقيدة، ليظل الاحتفال بالمولد محطة هامة للتنوير وتعميق الوعي بدور الرسول الذي قام به حتى أعلى راية الإسلام وامتد شعاع النور المحمدي إلى كل بقاع الأرض كأساس لإحياء ذاكرة الأمة بأهمية المناسبة وتعريف الآخرين بحب المسلمين لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بحيث لا يتطفل عليه أحد أو يحاول تشويه صورته، نكرر عذراً يا رسول الله فإن قومنا لا يعلمون، والله من وراء القصد ..
المصدر: موقع أنصار الله