العين برس – تحليلات
بعد أن فشلت مساعي آل سعود لعرقلة تأليف الحكومة اللبنانية، افتعلت الرياض هذه المرة قصة الوزير جورج قرداحي لتعود إلى نهجها التقليدي في التآمر على هذا البلد العريق.
ولم يتأخر آل نهيان وآل ثاني وآل خليفة وآل الصباح في التعبير عن تضامنهم مع آل سعود، والكل في خندق واحد تحت الوصاية الأميركية – الإسرائيلية. فهذه الـ”آل لات” التي كان يتآمر بعضها ضد بعض منذ أن أوصلها أسيادها البريطانيون إلى الحكم في مشيخاتهم، كانت على شفا الحرب في ما بينها في حزيران/يونيو 2017 عندما قطعت الرياض وأبو ظبي والمنامة علاقاتها مع الدوحة. فاستنجد آل ثاني “بالتركي إردوغان” ليتصدّى لها جميعاً، ومعها القاهرة التي لم تستطع أن تفعل أي شيء، فتصالحت هي أيضاً مع الدوحة حامية حمى “الإخوان”، الذين أعلنتهم السعودية والإمارات تنظيماً إرهابياً.
وأثبتت السنوات الثلاث اللاحقة أن كل من شهدناه من الحملات الإعلامية المسعورة والتهديدات المتبادلة بين الأطراف المتعادية لم تكن إلا في إطار مسرحية عنوانها “المضحك المبك”، ومليئة بالإهانات المتبادلة ومن الوزن الثقيل.
فلو استخدم جورج قرداحي ما قاله زعماء الـ”آل لات” بعضهم بحق بعض، والعبارات والألفاظ البذيئة التي استخدمها إعلامهم كلّ ضدّ الطرف الآخر، لأعلنت المشيخات الحرب العالمية الثالثة، بل والرابعة، ضد لبنان واللبنانيين. ويشهد التاريخ لهم جميعاً (باستثناء العملاء منهم) شهامتهم وكرامتهم ووطنيتهم بكل المعايير والمقاييس التي لا تنطبق على الـ”آل لات” التي أثبتت دائماً عمالتها الجينية لواشنطن ولندن و”تل أبيب”، كما هي أثبتت خيانتها ليس فقط للقضايا القومية العربية، وأهمها فلسطين، بل لقضايا شعوبها المغلوب على أمرها.
وحتى إذا تجاهلنا تآمر هذه المشيخات على سوريا طيلة السنوات العشر الماضية، وهي ما زالت كذلك، فما علينا إلا أن نسأل لماذا تعترف هذه المشيخات لنفسها بالحق في التدخل بلبنان بهذه الوقاحة بحجة “عبثية” الحرب في اليمن، في الوقت الذي كانت فيه قناة الجزيرة تشنّ حملاتها المسعورة ضدّ السعودية والإمارات بسبب “عبثية” هذه الحرب، وترد عليها قناة العربية وأمثالها الصاع صاعين. ويتذكر الجميع كيف أن هذه الحرب كادت تفجّر حرباً ثانية بين طرفي “الحرب العبثية”، أي السعودية والإمارات، اللتين تتنافسان من أجل إثبات الولاء الأكبر لأميركا و”إسرائيل”، وكانت قطر معهما أيضاً في بداية هذه الحرب.
وأما الجانب الأكثر غرابة في القصة، فهو أن يكون المسيحي “العميل”، سمير جعجع، زلمة آل سعود الوهابيين في لبنان، بعد أن فعلوا فعلتهم بالمسلم سعد الحريري عندما وضعوه أمام الكاميرا ليقول ما أرادوا منه أن يقول.
آل سعود الذين كانوا وما زالوا في خدمة المشروع الصهيو/أميركي، منذ لقاء الرئيس روزفلت بالملك عبد الله العزيز في 14 شباط/فبراير 1945 صرفوا مئات المليارات من الدولارات على جميع الأحزاب والمنظمات والجوامع والمعاهد والمدارس والطرق والزوايا والتكايا التي بايعت واشنطن.
وجاء ميلاد القاعدة والمجموعات الجهادية في أفغانستان ثم طالبان، وبعد ذلك ما عانينا منه في سنوات “الربيع العربي”، كنتاج لهذه المبايعات التي استهدفت المسلم والمسيحي في سوريا والعراق ومصر والمنطقة عموماً، في الوقت الذي كان فيه جعجع وأمثاله ومعهم داعش والنصرة وأمثالهما يتآمرون على لبنان وأهله، من المسيحيين والمسلمين، وهو ما سبق أن فعلوه خلال سنوات العدوان والاحتلال الإسرائيلي للبنان.
القضية ليست قضية (العبثية) التي تحدث عنها زميلنا وصديقنا “المسيحي الوطني الشريف” جورج قرداحي، لأن الحرب في اليمن ليست عبثية، بل هي مقصودة وعدوانية، ويريد لها آل سعود وحلفاؤهم في مشيخات الخليج، وباسم الصهاينة، أن تدمّر هذا البلد العربي العريق. ويتذكر الجميع مخططات اليهود ومشاريعهم ضد اليمن، ومن بعدها مكة والمدينة، ولن يتردد “صاحب المنشار”، محمد بن سلمان، في فتح أبوابها لليهود الذين باتوا يتحدثون عن حقهم التاريخي والديني فيها! وقد شجّعهم على ذلك “اتفاقيات أبراهام” التي تريد مشيخات الخليج للشعوب العربية أن تتجاهلها ثم تستسلم لأهدافها، وأهمها القضاء على روح المقاومة التي أفشلت كل مؤامراتهم حتى الآن، بما في ذلك إذلال الشعب اللبناني وإخضاعه عبر أزمة المازوت والغاز والكهرباء، وقبلها جميعاً انفجار المرفأ، وما تلاه من نقاشات وسجالات سياسية وأمنية وقضائية.
وجاء قرار البرلمان البرلماني إجراء الانتخابات في آذار/مارس المقبل ليجنّن العملاء والخونة، مسيحيين كانوا أو مسلمين، لأنهم باتوا يعرفون أن الزمن لم يعد لمصلحتهم، بعد أن فشلت كل مشاريعهم لتدمير سوريا ولبنان معاً، ليكونا لقمة سائغة للإرهابيين الدواعش وأمثالهم، ومن دون أن يبالوا بما كان سيقوم به هؤلاء الإرهابيون، وهم من مخلّفات القرون الوسطى، ضِدّهم وضدّ عائلاتهم لو تسلّموا السلطة في دمشق وبيروت.
التواطؤ المسيحي والمسلم مع آل سعود وحلفائهم ضد لبنان أعماهم جميعاً، فلم يروا الأمور على حقيقتها عندما رفضت أنظمة الخليج مساعدة لبنان لمعالجة أزماته الأخيرة، ولم تخجل من نفسها حتى عندما أرسلت “إيران الفارسية” سفنها لإنقاذ الشعب اللبناني بكل فئاته، فجُنّ جنونها جميعاً.
فالتواطؤ والعمالة والخيانة والتآمر أشكال وأشكال، وأثقلها وطأة تلك التي تغدر بالوطن وأهله. وهو ما لا ولن يدرك معانيه إلا أولئك الذي ضحوا ويضحون من أجل هذا الوطن، ولولا شرفاؤه لكان الآن معروضاً للبيع والشراء وبدولارات مشايخ الخليج، وهمّهم الوحيد هو بيع لبنان كما باعوا فلسطين وما زالوا. وإلا لِمَ سكت ملوك الخليج وأمراؤه ومشايخه على إهانات الرئيس ترامب اليومية لهم، وهو يقول لهم: “عليكم أن تدفعوا لأن أميركا تحميكم”، فدفعوا ثم دفعوا، وهم يتغنّون “بالشهامة والكرم العربيَّين”.
الصورة واضحة وضوح الشمس، ولا تحتاج إلى تفسيرات وتحليلات طويلة ومعقدة، ما دام الجميع يعرف تاريخ آل سعود ومن معهم، وليس في هذا التاريخ سوى التآمر ضدّ كلّ من كانوا خطراً على مشاريع اليهود الصهاينة ومخططاتهم، بدءاً من سايكس بيكو مروراً بوعد بلفور ووصولاً إلى اتفاقيات أبراهام.
وجاءت هذه الاتفاقيات كنتاج للتآمر الجماعي لمشيخات الخليج التي أرادت أن “تصدّر ديمقراطياتها المثالية إلى دول الربيع العربي”، والكل يعرف أن قاسمها المشترك هو الولاء للصهاينة والعداء لأعدائهم، وفي مقدمتهم لبنان الذي عرقل بشرفائه ويعرقل المشروع الصهيو/أميركي. وكان جعجع بجيناته المعروفة من الأوائل الذين خدموا هذا المشروع بالتآمر والغدر والإجرام، فقتل من قتل من اللبنانيين الشرفاء، مسيحيين ومسلمين!
حسني محلي المصدر: الميادين نت