في ظل استمرار الضجيج الدولي الكبير إزاء الخيارات الوطنية التي اتخذتها عاصمةُ الصمود والعزة صنعاءُ لحماية الثروات النفطية والغازية اليمنية، يتضح للجميع خفايا وأسباب ذلك الصراخ، حَيثُ تظهر الأرقام والوثائق حجم الثروة المنهوبة لصالح دول العدوان والدول الغربية، ليكون منع تلك المنابع النفطية والغازية من الضخ إلى جيوب العدوان ورعاته الدوليين والإقليميون ضربة قوية أوجعت قوى النهب والاستكبار والاستعمار، كانت أبرز نتائجها صراخاً دوليًّا ونعيقاً أممياً، يرافقه استبشار شعبي كبير وآمال باستعادة كامل الحقوق اليمنية المنهوبة، كاملة غير منقوصة.
نهبُ مرتبات ثلاثة أشهر شهرياً:
وفي السياق حصلت “المسيرة” على وثائقَ حصرية تكشف حجم صادرات النفط الخام المنهوب قبل فرض معادلة حماية الثروة النفطية، فيما تظهر الوثائق الحصرية أن حجم صادرات النفط الخام المنهوب تجاوز مليونَين و600 ألف برميل شهرياً، أي بقيمة تقارب الـ 300 مليون دولار شهرياً، وهو المبلغ الذي يكفي لصرف رواتب كُـلّ اليمنيين لقرابة ثلاثة أشهر، أي أن المبالغ التي يحصدها الأعداء من وراء نهب الثورة لمدة عام واحد يكفي لتغطية الرواتب لمدة ثلاث سنوات، فضلاً عن أن هذه الأرقام هي فقط ما تظهره المعلومات الرسمية والوثائق الموثوقة، وما خفي كان أعظم.
ومن هذه الأرقام يتضح للجميع الأسباب التي جعلت تحالف العدوان ورعاته الدوليين يرفضون تمديد الهدنة مع دفع المرتبات، حَيثُ إن صرفَ المرتبات من عائدات النفط والغاز يجعل عائدات هذه الثروة حصرية فقط على الشعب اليمني ورواتبه واحتياجاته، وهو ما ترفضه دول العدوان ورعاتهم؛ باعتبَار أن أطماعَهم تريدُ حصرَ تلك العائدات على بنوكهم ومخطّطاتهم وحرمان اليمنيين منها.
وتتضمَّنُ الوثائقُ محاضرَ ومناقصات ما يسمى اللجنة العليا لتسويق النفط الخام لبيع النفط من خام المسيلة وشبوة ومأرب مع الشركات الأجنبية، فبما تظهر تلك الوثائق جوانب من مبيعات خام المسيلة التي بلغت مليونَي برميل شهرياً بينما بلغت مبيعات خام شبوة وَمأرب 600 ألف برميل شهرياً.
آمالٌ غيرُ مشروعة لتوسيع النهب:
وتشيرُ الوثائقُ إلى محاضر بين جهات بوزارة النفط التابعة للمرتزِقة وشركة أدنوك الإماراتية توقعت مضاعفة صادرات خام شبوة ومأرب إلى مليون و200 ألف برميل شهرياً، وهو ما يكشف الآمال والطموح التي تبنيها دول العدوان الأمريكي السعوديّ الإماراتي على الثروات اليمنية بعيدًا عن معاناة الشعب اليمني واحتياجاته الإنسانية.
وتظهر وثيقة صادرة عن قيادة وزارة النفط التابعة للمرتزِقة طالبت بتعجيل إعادة الإنتاج في قطاع 5 النفطي بعد جهوزية منشآته؛ بهَدفِ رفع صادرات النفط المنهوب، ليكون قرار صنعاء هو الضربة القاضية على تلك الآمال والأطماع غير المشروعة.
وجاء قرارُ صنعاء بشأن حماية الثروة النفطية ليمنع المرتزِقة من سرقة 2.6 مليون برميل نفط شهرياً.
ومع هذه الوثائق وما سبقها من وثائق وتسريبات وتفاضح بين المرتزِقة، فقد تبين للجميع حجم النهب الذي كانت تمارسه قوى العدوان ومرتزِقتها لثروة اليمن النفطية، وتستغل جزءاً كَبيراً من عائداته الضخمة لتمويل عملياتها العدائية ضد الشعب اليمني، الذي يعاني أزمات اقتصادية وإنسانية هي الأكبر على مستوى العالم، نتيجة الحرب العدوانية والحصار المفروض عليه من قبل دول العدوان نفسها التي استمرأت سرقة ثرواته والاستئثار بعائداتها منذ العام 2015م.
انتصارٌ لحقوق الشعب
وأمام هكذا غطرسة وإزاء كُـلّ ما تعرضت له ثروات البلد من عبث ونهب ممنهج في ظل تنصل الأمم المتحدة والمجتمع الدولي عن وضع حَــدّ لما يقوم به العدوان ومرتزِقته من حرمان لشعب بأكمله من حقوقه المشروعة وفي مقدمتها الرواتب، لم يكن أمام القيادة الثورية والمجلس السياسي الأعلى من خيار سوى الانحياز إلى الشعب ومصالحه وإطلاق تحذيرات صريحة لسفن وشركات النفط من الدخول أَو الاقتراب من موانئ النفط اليمنية التي اعتادت على تحميل النفط المنهوب منها طيلة السنوات الماضية؛ كونها ستتحول إلى أهداف مشروعة للقوات المسلحة اليمنية.
وعلى الرغم من أهميّة وفاعلية قرار صنعاء الأخير بشأن منع نهب الثروة النفطية والذي وصفه الكثير من المراقبين بالحكيم والصائب، إلا أن القيادة في صنعاء لم تكن ترغب أن يصل الأمر إلى هذا المستوى لولا تعنت الطرف الآخر، إذ سبق وأن طالبت أكثر من مرة، عبر الأمم المتحدة وفي مختلف المحافل والمراحل بتحييد اقتصاد وثروات البلد السيادية، واستغلال عائداتها لصالح الشعب بدءاً بدفع المرتبات لكافة الموظفين.
فخلال شهر أُكتوبر الماضي رفضت صنعاء استمرار ما تسمى الهدنة الأممية الهادفة لتكريس حالة اللا حرب واللا سلم، ما لم تلتزم دول العدوان والمرتزِقة برفع الحظر بشكلٍ كامل عن مطار صنعاء الدولي، وفتح ميناء الحديدة أمام واردات الغذاء والوقود، وتخصيص عائدات النفط والغاز لتسليم المرتبات، بما يسهم في تخفيف معاناة الشعب اليمني جراء العدوان والحصار، وباعتبار أن تلك المطالب حقوق مشروعة لأبناء الشعب وليست مِنَّةً أَو هبةً من قوى العدوان والاحتلال.
وبهذه المعلومات فإنَّ قراراتِ صنعاء المعلنة باستخدام كُـلّ الوسائل المتاحة لمنع تهريب النفط والثروات اليمنية وما تلاها من عمليتين تحذيريتين تحولٌ استراتيجيٌّ وتحَرّكٌ حاسمٌ ترتب عليه وقف عمليات النهب الممنهج للثروة النفطية وأجبر العديد من الشركات النفطية والملاحية على الامتثال لمطالب صنعاء الشعبيّة والمشروعة، فقد مثلت بهذا انتصاراً أخلاقياً وعسكريًّا وسياسيًّا لحقوق الشعب اليمني المشروعة والإنسانية والمحقة والعادلة، وفي المقابل مثلت ضربة موجعة وصفعة مدوية تضاف إلى سجل الصفعات القوية التي تلقاها تحالفُ العدوان الأمريكي السعوديّ الإماراتي طيلة السنوات الماضية، كما مثّلت سقوطاً أخلاقياً وسياسيًّا وعسكريًّا وَأَيْـضاً اقتصاديًّا إن صح التعبير، كما حظي قرارُ حماية الثروة السيادية بإجماع وارتياح وتأييد شعبي واسع في مختلف المحافظات، بما فيها الخاضعة لقوى الغزو والاحتلال، تأكيداً على رفض كُـلّ أبناء الشعب اليمني الأحرار لنهب الثروات السيادية من قبل الغزاة واتباعهم من المرتزِقة الذين باعوا أنفسهم لأعداء اليمن واختاروا طريق الهوان مقابل ما يحصلون عليه من أموال وعطايا.
قرارُ منع النهب كنقطة تحول جديدة.. ضجيج واسع له أسبابه
وأمام هذه المعطيات فقد اتضح للجميع أنه لأكثر من سبعة سنوات وتحالف العدوان والمرتزِقة يتوغلون في نهب عائدات البلد الأَسَاسية من النفط والغاز التي كانت تشكل ما نسبته 80 % من الموارد العامة للدولة حتى العام 2014م وتساهم في تغطية غالبية النفقات والمدفوعات الحكومية ومن ضمنها رواتب الموظفين، وهو ما يكشف للجميع أن العدوان وأدواته هم الناهبون لمرتبات الشعب اليمني وهم من حرموا موظفي ومتقاعدي الدولة من حقوقهم طيلة السنوات الماضية التي بدأت بنقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن المحتلّة.
فعلى الرغم من استحواذهم على الجزء الأكبر من موارد الخزينة العامة والنقد الأجنبي وكل مصادر وعائدات الثروات النفطية والغازية والجمركية والمنح والمساعدات الدولية وغيرها، لا يزال العدوان ومرتزِقته يرفضون حتى اللحظة صرف المرتبات التي تسببوا بقطعها منذ العام 2016م بنقلهم وظائف البنك المركزي إلى عدن، ليكون قرار منع النهب قد حرم تلك الأطراف المتغطرسة من ملايين الدولارات شهرياً، وهو ما أثار من حفيظتهم وزاد من صراخهم وأوجاعهم، حَيثُ إنه بدلاً عن صرف مرتبات موظفي الدولة، وتوفير الخدمات الضرورية لعامة الشعب وتخفيف ما أمكن من معاناتهم، استغلت دول العدوان وحكومة المرتزِقة العوائد المالية الضخمة من صادرات النفط وبيع الغاز، لصالح عملياتها العدوانية على اليمن، وتقاسم المبالغ الطائلة من أموال الشعب اليمني بين قياداتها المتخمة التي باتت تمتلك العقارات والاستثمارات في العديد من البلدان العربية والدولية، وهنا نشير إلى الأخبار التركية والمصرية الرسمية التي أكّـدت ارتفاع أعداد الشركات والعقارات بمختلف أنواعها بنسبة 400 % في إسطنبول والقاهرة، وقد أكّـدت الأخبار الرسمية المصرية والتركية أن تلك العقارات والشركات التي ارتفعت بشكلٍ مهول يمتلكها قيادات المرتزِقة ونافذون موالون للعدوان الأمريكي السعوديّ الإماراتي وأدواته.
وأمام كُـلّ هذه المعطيات فقد بات الشعب اليمني جنوباً وشمالاً أمام نقطة تحول جديدة قد ترتقي بهم إلى الوصول نحو الحصول على الحقوق العادلة كاملة لا منقوصة، وفي مقدمتها الرواتب والمعاشات ومعالجة الأوضاع الاقتصادية للبلد، ليقول الشعب اليمني وقيادته الفذة في صنعاء كلمتهم القوية بوجه الضجيج الدولي والأممي بأن اليمن واليمنيين بعد ثماني سنوات لم يعودوا كما كان يريد العدوّ وأدواته؛ لأَنَّ فيها رجالاً صادقين لا يخافون لومةَ لائم، ولا يهابون أحداً إذَا كان الأمر يتعلَّقُ بحقوق اليمن وأبنائه وسيادته وقراره.