انطلقت اليوم في مصر، مباحثات غير مباشرة بين وفود من حركة المقاومة الاسلامية حماس والكيان الاسرائيلي وامريكا، للبحث في الخطة الأميركية للتوصل لاتفاق لوقف الحرب في غزة. وقال قيادي في حماس سيتم عقد لقاءات تمهيدية مع الوسطاء المصريين والقطريين في القاهرة قبل بدء جولة المفاوضات غير المباشرة مع الوفد الاسرائيلي.
ومن المقرر ان يتم في المباحثات غير المباشرة بحث آليات وقف إطلاق النار وانسحاب قوات الاحتلال الاسرائيلية وتبادل الأسرى، فضلاعن موعد بدء المرحلة الأولى من خطة الرئيس الامريكي دونالد ترامب والخاصة بتبادل الأسرى، وسيتم التفاوض لتحديد موعد الهدنة المؤقتة لتهيئة الظروف الميدانية لبدء عملية التبادل.
اللافت هذه المرة هو ان الرئيس الامريكي ترامب يسابق الزمن من اجل وقف الحرب بعد ان كان يماطل ويضع شروطا تعجيزية على الجانب الفلسطيني، ويتحدث بلغة التهديد والوعيد، وطالب علنا الى تهجير اهال غزة الى دول اخرى، بهدف تحويلها الى ريفيرا الشرق الاوسط، ضاربا بعرض الحائط بالابادة الجماعية التي ينفذها كلبه المسعور نتنياهو منذ عامين في غزة، وكذلك ضاربا بعرض الحائط بكل قرارات المحكمة الجنائية الدولية التي طالبت باعتقال مجرم الحرب نتنياهو، على خلفية الفظائع التي ارتكبها ويرتكبها في غزة.
يتفق اغلب المراقبين ان الخطوط العريضة لخطة ترامب التي كانت بمثابة دعوة حماس للاستسلام ورفع الراية البيضاء، الا ان حماس تعاملت بذكاء عندما فصلت بين ما تملكه وتملك قراره كحركة، وبين ما يملكه الشعب الفلسطيني كحقوق وطنية. فوافقت على إطلاق سراح كافة الأسرى لديها وربطت ذلك بوقف الحرب ورفض احتلال القطاع. وأكدت على تسليم إدارة قطاع غزة لهيئة فلسطينية من المستقلين، ما يعد خطوة ذكية تجاوزت فيها الوصاية الدولية وأشركت فيها الدول العربية، و احالت كافة القضايا الوطنية إلى إطار وطني فلسطيني جامع ستكون حماس جزءاً منه. بذلك دفعت حماس بالشعب الفلسطيني وكافة القوى الوطنية لتكون شريكا أصيلا في القرار الوطني. وأشركت كافة القوى الوطنية الفلسطينية والدول العربية والإسلامية لتتحمل مسؤوليتها التاريخية. وبذلك ألقت الكرة في ملعب نتنياهو وحشرته في الزاوية وجعلتة في مواجهة مع المستوطنين، وفي صدمة مزدوجة، من قدرة حماس على قلب الطاولة ومن رد فعل ترامب على موقف الحركة.
هنا يطرح هذا السؤال نفسه على الجميع وهو لماذا يصر ترامب على وقف الحرب ورفض ضم الضفة الغربية للكيان الاسرائيلي، وتناسى مخطط نتنياهو بشان “اسرائيل الكبرى”، وضغط على الاخير لوقف الحرب، هل هو صحوة ضمير متاخرة للرجل بعد ان راى ابادة جماعية في غزة تم تشبيهها بابادة هيروشيما بالقنبلة النووية؟. من المؤكد ان الجواب لا ، فترامب ليس بالشخص الذي يتعاطف مع الاخر خاصة لو كان هذا الاخر عربي ومسلم، فهو وكما بايدن كانت ومازالت ايديهما ملطخة بدم اطفال ونساء غزة اكثر من نتنياهو وبن غفير وسيموتريش، بل لولاهما لما وقع ما وقع.
الاسباب الحقيقية وراء اصرار ترامب على وقف الحرب لا تمت من قريب او بعيد للانسانية التي تذبح امام العالم في غزة منذ عامين، بعد ان منعت امريكا اي جهة او قوة في العالم، حاولت وقف الابادة، ومن هذه الاسباب، فشل خيار القوة الذي تجاوز كل الحدود، دون ان يحقق الثنائي الامريكي هدفهم في القضاء على المقاومة، وتهجير اهالي غزة من القطاع، رغم كل الفظائع التي ارتكبت، كما فشل الثنائي باطلاق سراح الرهائن، بالاضافة الى ذلك الطوفان الثقافي الشعبي الذي ضرب العالم وخاصة العالم الغربي، الذي تم تنويمه على كذبة كبرى طوال ثماني عقود، حول «اسرائيل» الكيان الديمقراطي الوحيد في منطقة متخلفة تحاول القضاء عليه. العالم الغربي استفاق من غيبوبته تحت وقع طوفان الاقصى الذي كشف لهذا العالم ان فلسطين بلد عريق يضم شعبا من اعرق شعوب المنطقة، وليس ارضا جرداء كان بسكنها اليهود يوما فعادوا اليها بعد الاف السنين، فاذا بهذا الكيان ليس سوى كيان مسخ متوحش لا يتورع ان يذبح الاطفال الجياع امام عدسات المصورين دون اي رادع من ضمير او اخلاق انسانية، فهب الشارع الغربي لينتفض على هذه الكذبه التي انطلت عليهم تحت وقع الاعلام الغربي المغرض، فخرجت الالاف من التظاهرات دعما لغزة واحتجاجا على دعم الحكومات الغربية للقتلة، وطالبت بتحرير فلسطين من الاحتلال.
لم تجد الحكومات الغربية من خيار امامها الا مماشاة شعوبها لامتصاص الغضب لديها، حتى اعترفت العديد منها بدولة فلسطين، بعد ان وصل الرفض الى النخب والاكاديميين الذين كانوا الى الامس القريب ابواقا للكيان الاسرائيلي، فاخذ ترامب يسمع صدى ناقوس الخطر الذي بات يهدد الكيان الاسرائيلي، فاضطر مرغما امام كل هذه الوقائع المتسارعة، ان يلقى طوق نجاة لنتنياهو، ليس لانقاذه من طوفان الشعوب الغربية والمقاومة والصبر الفلسطيني، بل لانقاذ “اسرائيل”، حتى انه اعترف صراحة ان “اسرائيل” اخذت تفقد حتى الدعم داخل امريكا، فما كان منه الا ان يطلق مبادرته، والتي مازالت غير واضحة وفظفاظة، من اجل كسب الوقت على اقل تقدير، ليرى بعدها كيف يمكن له ان يهدا من غضب الشارع الغربي وحتى الامريكي حيال “اسرائيل”.
لكن مهما كانت نتائج المفاوضات، الا انها لا تلغي مسؤولية الدول والمؤسسات الدولية المختصة في المتابعة القانونية والقضائية لجرائم الكيان الصهيوني وتحديد ومحاكمة آمري ومرتكبي جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة، بهدف إنهاء إفلات الكيان من العقاب على مدى عدة عقود.
اشترك وانظم ليصلك آخر الأخبار عبر منصات العين برس على مواقع التواصل الإجتماعي :