من قول الله تعالى: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، يوجه السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي في خطابة بمناسبة المولد النبوي الشريف للعام 1444هـ، النداء للشعب اليمني العزيز، يمن الإيمان، وللأمَّة الإسلامية قاطبة، إلى ما فيه الفلاح والظفر والنجاح، والإنقاذ من الخسران، ويؤكد أنه لن ينقذ الأمَّة من الخسران الذي خسرته- والذي هو الشيء الكثير على كل المستويات- إلَّا بعودتها العملية، والواعية، والصادقة إلى القرآن الكريم، وإلى رسول الله وخاتم أنبيائه محمدٍ “صلى الله عليه وآله”، وفق العناوين الأربعة في هذه الآية المباركة.
العنوان الأول: الإيمان برسول الله “صلى الله عليه وعلى آله وسلم”:
إن الإيمان برسول الله “صلى الله عليه وعلى آله وسلم” هو العنوان الأول، ولذلك فإنه ينبغي على المؤمنين أن يرتقي إيمانهم بالرسول إلى المستوى المطلوب، ليكون ثمرته الاهتداء، والتأسي والاقتداء بالرسول الأعظم، إذ يجب أن يكون الإيمان بالرسول ايماناً صادقاً، وواعياً، وثقةٍ تامةٍ به، وأن يكون مبنياً على معرفةٍ به، وتعظيم منزلته عند الله عزَّ وجلّ، كما قال “سبحانه وتعالى”: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}.
ولذلك، يخاطب الله “سبحانه وتعالى” في عدة آيات في القرآن الكريم المؤمنين بأن يؤمنوا الإيمان المطلوب برسوله “صلوات الله عليه وعلى آله”، وبالمستوى اللازم ، يقول “سبحانه وتعالى” في سورة الحديد: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، كما يقول عزَّ وجلّ في آية أخرى بسورة النساء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ}.
العنوان الثاني: {وَعَزَّرُوهُ}:
ينطلق العنوان الثاني من قوله تعالى: {وَعَزَّرُوهُ}، حيث يُبيَّن القرآن الكريم العديد من الاعتبارات، ويرسم من خلالها كيفية علاقة المؤمنين برسول الله، والتزام الآداب المعبرة عن تعظيمٍ للنبي “صلوات الله عليه وعلى آله”، واحترام مكانته ومقامه، ومنزلته العالية جداً، وتوقيره من واقع الإيمان بعظمته في كماله، وإيمانه، ومؤهلاته، ودرجته عند الله، وهذا مهمٌ جداً في تعظيم ما جاء به من عند الله، واحترام توجيهاته، والتأثر به، والاقتداء والتأسي به، والاعتزاز بمنهجه، وتقديس تعليماته، قال تعالى: {وَعَزَّرُوهُ}، إذ إن من المفردات المهمة في علاقتنا بالرسول “صلوات الله عليه وعلى آله” هي: التوقير، والتعظيم، والتعزير، وأن نعظِّمه، ونجلَّه، ونحترم مكانته، وأن نعرف منزلته العظيمة عند الله “سبحانه وتعالى”.
العنوان الثالث: {وَنَصَرُوهُ}:
يتحقق العنوان الثالث في قوله تعالى: {وَنَصَرُوهُ}، وذلك بنصرة قضية الرسول “صلوات الله عليه وعلى آله”، بكل الوسائل المشروعة، وعلى كل المستويات، وقضية الرسول هي رسالة الله عزَّ وجلّ، وهديه ودينه الحق، وهي القضية التي من أجلها جاهد وصبر وضحى، وعانى.
ويوضح السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي معنى “نصروه” التي تتمثل في الجهاد في سبيل الله بالأنفس والأموال، والتصدي لكل محاولات الأعداء الرامية إلى طمس معالم رسالته، أو تزييف منهجه وتعاليمه والافتراء عليه، وكذلك بحمل راية الحق، والوقوف في وجه الطاغوت والاستكبار، ومواجهة من يعادونه، ويعادون رسالته ودعوته، ويحاربونها بكل الوسائل والأساليب، واطلاق موقف واضح من المسيئين إليه، والمعادين له، باعتبار أن الرسول هو أعظم مجاهدٍ في سبيل الله تعالى، وناصرٍ للحق والمستضعفين، وأعظم من صبر وضحى وثبت في أصعب الظروف، وفي مواجهة أكبر التحديات.
ولذلك، لابدَّ أن يسعى الجميع لأن يكونوا من أنصار رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، وأن ينصروا رسالته العظيمة، التي تحارب أشد الحرب في مبادئها، وقيمها، وأخلاقها، وتعاليمها، من قبٍل أولياء الشيطان بكل الوسائل والأساليب.
العنوان الرابع: {وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ}:
من قوله “سبحانه وتعالى”: {وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ}، يوضح السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي بعض صفات وخصائص القرآن الكريم، حيث يُبيَّن أنه النور الهادي الذي يضيء للمؤمن الحياة، فيستنير به ليكشف كل الظلمات، ويقدم له الحق خالصاً من كل شائبة ضلال، قال تعالى: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ}.
ويشير إلى أن القرآن الكريم هو النور الذي يستوعب من العلم والمعارف ما يفوق كل تصورٍ وخيال، كما قال الله “سبحانه وتعالى”: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا}، إذ إن القرآن الكريم هو النور الكفيل بأن يرتقي بالمسلمين إلى أعلى درجات الوعي والبصيرة.
ويُبيَّن السيد القائد أيضاً أن القرآن الكريم هو المعجزة الخالدة، في بلاغته، وحكمته، وهديه، ونوره، وسعة معارفه، واستيعابه لكل مجالات الحياة، وكل ما يحتاجه الإنسان من الهداية، إلى المستوى الذي قال الله عنه في سورة الإسراء: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}.
ولهذا فإن العلاقة بالقرآن الكريم إيمانياً هي علاقة إتباع بكل ما تعنيه الكلمة، كما كان النبي “صلى الله عليه وآله” متَّبعاً، وعلَّمه الله أن يقول: {إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ}.
النتيجة العظيمة وفقاً للعناوين الأربعة:
يُبيَّن السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي أن هذه العناوين الأربعة قدَّمت للمؤمنين الصلة الإيمانية، والارتباط الصحيح بالرسول “صلوات الله عليه وعلى آله وسلم”، والارتباط الصحيح بالقرآن الكريم، حيث تتحقق بهذه العناوين الأربعة النتيجة العظيمة المهمة وهي الفلاح، والظفر، والفوز بأعظم النتائج، وأكبر المكاسب، وأسمى الأهداف، وأعظم الغايات، مصداقاً لقوله “سبحانه وتعالى”: {أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
وتكون نتيجة ذلك أن المفلحون يحظون في الحياة الدنيا برعايةٍ عظيمة وواسعة من الله “سبحانه وتعالى” في حياتهم، ومواقفهم، فيحبهم الله عزَّ وجلّ، ويعزهم، ويعينهم، ويوفقهم، ويهديهم، ويؤيدهم بنصره، ويمنحهم النجاح، والحياة الطيبة، كما أنهم في الآخرة يأمنون يوم الفزع الأكبر، ويفوزون بالجنة ورضوان الله “سبحانه وتعالى”، ويصلون إلى السعادة الأبدية، ويحظون بالنجاة من عذاب الله، وهذا بلا شك هو الفوز العظيم.
المصدر: موقع أنصار الله