يشتكى الناشطون المناصرون للقضية الفلسطينية من الضغوط المفرطة التي تمارسها بحقهم السلطات الألمانية، والتي تحد من حريتهم في التعبير، معتبرين أنهم اكتشفوا أن حرية التعبير “كذبة” في ألمانيا.
تحدث عدد من هؤلاء الناشطين لمراسل “الأناضول” عن “قيود عدة وممارسات قمعية تعرضوا لها من قبل الشرطة” بعد بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
ففي العاصمة برلين، لم يُسمح لأطفال بالذهاب إلى المدرسة مع ملصقات تضم صورًا للوشاح الفلسطيني أو الأعلام الفلسطينية، فيما تدخلت الشرطة بقسوة ضد متظاهرين في العديد من الاحتجاجات الرافضة للحرب على غزة، واعتقلت العديد منهم، وفتشت منازل بعضهم.
كما ألغت السلطات الألمانية “مؤتمر فلسطين” الذي كان من المفترض أن ينعقد في برلين ابتداءً من 12 نيسان/ أبريل الجاري
واستبقت الخطوة بإصدار قرار منع من دخول البلاد بحق الطبيب البريطاني من أصل فلسطيني غسان أبو ستة، ووزير المالية اليوناني الأسبق، يانيس فاروفاكيس، اللذين تمت دعوتهما كمتحدثين في المؤتمر.
قيود وتضييقات
على النحو ذاته، فرضت الشرطة قيودًا وتضييقات عدة على الناشطين المعتصمين في خيام بحديقة مقابلة للجمعية الاتحادية في برلين.
هؤلاء الناشطون نظموا الاعتصام لفضح “حرب الإبادة” الإسرائيلية في غزة، والتنديد بتزويد ألمانيا إسرائيل بالسلاح، عبر تعليق لافتات تحمل عبارات من قبيل: “إبادة جماعية – ألمانيا تشارك مرة أخرى”، و”أوقفوا توريد الأسلحة”.
وتضمنت التضييقات بحقهم، فرض الشرطة رقابة متواصلة عليهم، والتدخل بقسوة ضدهم في بعض الأحيان، ومنع أفراد مجموعة إيرلندية من الغناء بلغتهم الخاصة. كما أفادت تقارير صحفية بأن التحدث بالعبرية والعربية ممنوع في هذا الاعتصام حتى الساعة السادسة مساء بالتوقيت المحلي.
وحول ذلك، قال ناشط يهودي مشارك بهذا الاعتصام يدعي ديفيد، لمراسل الأناضول، إن الشرطة الألمانية تحظر بعض الهتافات خلال المظاهرات، فيما تتسبب “ممارستها القمعية” في إخافة الكثير من الناشطين الذين يودون المشاركة في الاحتجاجات.
وأضاف الناشط، الذي طلب عدم ذكر اسمه الثاني لاعتبارات أمنية، أن الشرطة تحظر، كذلك، على المحتجين المشاركين في الاعتصام التحدث باللغتين العبرية والعربية.
وأوضح: “أبلغنا أفراد الشرطة بأنه غير مسموح لنا بالصلاة أو إقامة احتفالات بهاتين اللغتين، أو حتى أداء أغاني شعبية يهودية”.
يهود متهمون بـ”معاداة السامية”
وتطرق ديفيد إلى بعض القيود الأخرى التي تعرض لها متظاهرون مشاركون في الاعتصام.
ولفت في هذا الصدد إلى قيام الشرطة بمنع مجموعة أيرلندية مشاركة بالاعتصام من الغناء بلغتها في 19 نيسان/أبريل، رغم أنها إحدى لغات الاتحاد الأوروبي.
وقال إن الشرطة أبلغت أعضاء هذه المجموعة بأنه غير مسوح لهم استخدام الميكروفون أو البقاء في المخيم.
وأردف أن المجموعة أرادت بعد ذلك الذهاب إلى منطقة أخرى، وأداء الأغاني بلغتهم دون نظام صوتي، “لكن الشرطة حاصرتهم، وتدخلت بقسوة ضدهم، وفرقتهم إلى مجموعات صغيرة”.
تهمة معاداة السامية هراء مطلق
ديفيد أشار كذلك إلى أن “تهمة معاداة السامية باتت تلاحق اليهود في ألمانيا طالما وجهوا انتقادات لإسرائيل”.
وقال: “تهمة معاداة السامية هراء مطلق، صحيح أن معاداة السامية تمثل مشكلة حقيقية في ألمانيا وفي كثير من أنحاء العالم، لكن يجري الآن توظيفها لصالح أغراض سياسية”.
وتابع: “نحن يهود وليس من المنطقي اتهامنا بمعاداة السامية”، معتبرًا أن “هذا الاتهام بات بلا معنى، حتى عندما يكون موجهًا ضد غير اليهود”.
وأوضح ديفيد أنه كيهودي يقف ضد “الإبادة الجماعية” في غزة.
اعتقالات وتفتيش منازل
ياسمين آجار، التي تشارك في الاعتصام كذلك، كشفت، لمراسل الأناضول، عن انتهاكات عدة تعرضت لها وناشطون آخرون بسبب موقفهم الرافض للحرب على غزة.
وقالت إنها تعرضت للاعتقال من قبل الشرطة التي استخدمت العنف ضدها وفتشت منزلها، قبل الإفراج عنها لاحقًا.
وعن اللحظات الذي عاشتها عند اعتقالها، قالت: “وصل 8 أفراد من الشرطة إلى منزلي عند الساعة السادسة صباحًا، حطموا الباب، ثم توجهوا إلى غرفة نومي وفتحوا بابها بأقدامهم، ثم ظلوا يصرخون: استيقظي، استيقظي”.
ولفتت ياسمين إلى أن الشرطة داهمت وفتشت كذلك منزل أحد أصدقائها ومنازل ناشطين آخرين؛ بسبب منشورات لهم على وسائل التواصل الاجتماعي مؤيدة لفلسطين.
ورأت أن هذه المداهمات تهدف إلى “تخويف داعمي فلسطين حتى لا ينزلون إلى الشوارع”.
واستنكرت ياسمين الضغوط التي يتعرض لها الناشطون الداعمون لفلسطين من قبل الشرطة، وأوضحت: “في كل مكان أذهب إليه بصحبة 4 أو 5 من الأصدقاء تأتي الشرطة وتوجه أسئلة من قبيل: من أين أتيتم، إلى أين أنتم ذاهبون؟ هل أنتم هنا من أجل فلسطين؟”.
يمنع التحدث بالعربية
ولفتت إلى الشرطة حظرت استخدام العلم الفلسطيني والتحدث باللغة العربية في الاعتصامات والاحتجاجات، وهذا “إجراء يتعارض مع الديمقراطية التي أظهرتها لنا ألمانيا (في السابق)، حتى بتنا نسأل أنفسنا: هل الديمقراطية مخصصة للدول الغربية فقط”.
وتابعت: “أعتقد أن ألمانيا كانت لديها دائما مشكلة ضد فلسطين وضد الأجانب، وكنا نعرف ذلك دائمًا، وبطبيعة الحال بدأ الجميع في رؤية ذلك على أرض الواقع”.
إزدواجية المعايير – أوكرانيا وغزة
وللتدليل على صحة ما تشير إليه، قالت ياسمين إنها وناشطين غيرها قدموا مساعدات كبيرة للاجئين للأوكرانيين الذين فروا إلى ألمانيا بعد الحرب الروسية على بلدهم، ولاقى ذلك إشادة من السياسيين الألمان.
وأضافت مستدركة أن “الموقف تغير عندما باتت الاحتجاجات تخرج دعمًا لفلسطين”.
وخلصت ياسمين إلى أنه “لا يوجد شيء اسمه حرية في الدول الغربية؛ حيث تستخدم هذا المصطلح فقط للتباهي”.
وأضافت “سبق أن ادعوا أنه لا توجد ديمقراطية في أفغانستان والعراق، وشنوا الحرب هناك بدعوى أنهم سيجلبون لشعبي هذين البلدين الديمقراطية”. واستطردت: “يستخدمون الديمقراطية لشن الحرب في بلدان أخرى، ونحن استفقنا لذلك”.
وأكدت ياسمين أن الضغوط التي تمارسها الشرطة عليها وعلى غيرها من الناشطين لن تردعهم، مشددة “لن نترك هذا الطريق قبل أن تأتي الحرية إلى فلسطين”.
وأضافت: لا يهم أن يُداهموا منازلنا، وليسجنونا بقدر ما يريدون، ويعتقلونا عدة مرات كما يريدون، سنستمر على هذا الطريق لأن الاحتلال في فلسطين هو مجزرة ضد الإنسانية”.