يواجه ملايين المصريين اليوم مخاطر طردهم من منازلهم بعد إلغاء المحكمة الدستورية العمل بقانون الإيجار القديم. في المقابل، دعت رابطة المستأجرين البرلمان المصري إلى إشراكها في النقاشات المرتقبة لتحديد نسبة الزيادة المتوقعة في الإيجارات، لضمان التطبيق العادل.
أسفل منزلها الكائن في منطقة المنيل، قرب وسط القاهرة، وقفت أميرة إبراهيم، تجفف دموعها التي سالت على وجنتيها، بعد أن أرسل لها مالك شقتها إنذاراً قانونياً بزيادة إيجار مسكنها، وهي لا تملك تلك الجنيهات، مستنداً إلى قانون “الإيجار القديم” الذي قضت المحكمة الدستورية، في الأسابيع الماضية بإلغاء تثبيت الأجرة المعمول بها، ما أثار جدلاً كبيراً في الشارع المصري لتهديده الملايين إما الرضوخ لزيادة قيمة الإيجار وفق سعر الوحدة حالياً أو الطرد.
ونظام تأجير المسكن في مصر يخضع لحالتين، الأولى: الإيجار القديم وهو ممتد بقيمة إيجارية ثابتة سنوياً ولا يمكن فسخ العقد إلا في حالات قليلة للغاية، والثاني: يُعرف بالإيجار الجديد وهو عقد محدد المدة، ويتم إدراج بنود تتضمن زيادة الإيجارات السنوية.
مأساة للمستأجر
المرأة الخمسينية أميرة إبراهيم، تقول للميادين نت إن الشقة آلت إليها عن طريق الميراث من والدها المتوفي حديثاً، مُعلّقة: “لا زلت أسكن فيها، فيها رائحة والدي، وأنا لم أتخل عنها أو أغلقها، ولم أتزوج ليتمّ طردي من مسكني”.
تعيش إبراهيم، الموظفة في إحدى الهيئات الاجتماعية بالقاهرة، وحيدة، وتضيف: “لقد حدد القانون موعد الزيادة السنوية في آذار/مارس المقبل حيث سيتم احتساب القيمة الإيجارية الجديدة على أساس خمسة أمثال القيمة السارية عند بدء تطبيق القانون عام 1981، وما أتقاضاه من راتب لا يكفي لتدبير نفقات المعيشة في ظلّ الارتفاع الجنوني للأسعار والتضخم”.
حالة الحزن التي انتابت تلك السيدة التي ربما تنتهي علاقتها بمسكنها بعد عامين والذي تملء جنباته ذكريات طفولتها وحياتها، بمثابة “مأساة تنتظرني، لأنني لا أملك شراء شقة جديدة ولا أتحمل أعباء الإيجار الجديد، وحال عدم التوافق مع المالك سيأمرني بإخلاء المسكن، وهذا بمثابة خروج الروح من الجسد، فلن يكون أمامي إلا الشارع”.
وقضت المحكمة الدستورية العليا، أعلى سلطة قضائية في البلاد وتراقب تطابق القوانين مع الدستور، بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادتين (1 و2) من القانون الاستثنائي رقم 136 لسنة 1981، بثبات الأجرة السنوية للأماكن المؤجرة بغرض السكن، ودعت مجلس النواب إلى التدخل لإحداث التوازن في العلاقة الإيجارية بين الملاك والمستأجرين، كما حددت فترة انتقالية حتى آذار/ مارس 2027، يعقبها عقد اتفاق جديد بين الطرفين، ما قد يترتب عليه إخلاء الملايين لمساكنهم.
وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي، طالب في تشرين الأول/أكتوبر 2023، بإعداد قانون متكامل عن الإيجار القديم، مشيراً إلى أن “المستأجر الأصلي للوحدات قد يكون توفي لأن القانون الأصلي صدر في 1962، والمستفيد الحالي من الوحدات هم الورثة، كما أن هناك مليوني وحدة سكنية شاغرة بقيمة تقديرية تصل لتريليون جنيه (20.3 مليار دولار) بسبب هذا القانون”.
وعلى الفور، أعلن مجلس النواب المصري، عزمه مناقشة القوانين الاستثنائية لإيجار الأماكن، والتعديلات التشريعية اللازمة لتنفيذ الحكم، مؤكداً أن التعديلات ستراعي حماية مصالح المؤجر و المستأجر.
إشكاليات مجتمعية خطيرة
داخل شقته الصغيرة في حي جاردن سيتي بالقاهرة، يقول إبراهيم الدريني، وهو موظف متقاعد، إن “قرار المحكمة وتحرك البرلمان السريع يفتح الباب لإخلاء الشقق من المستأجرين، وهذا يثير قلقاً كبيراً لدى الكثير من المستأجرين”.
الرجل السبعيني، والأب لثلاثة أولاد، يشير بنبرة تغلفها الحيرة والآسى، إلى أن “الحكومة لديها ملايين الشقق في العاصمة الإدارية التي شيدتها ولم تجد مشتري لها لتكلفتها العالية، وهي قد تستغل هذا القانون في الرواج لتلك العقارات لبيعها، لأن هناك الملايين ممن سيتم طردهم، لأن الملاّك سيكون هدفهم الأول طرد المستأجرين لحيازة الشقق لبيعها أو توريثها وليس الدخول في علاقة إيجارية جديدة مع مستأجر”.
ويضيف الرجل الذي تبلغ قيمة شقته ملايين الجنيهات لأنه يقطن في أرقى أحياء القاهرة: “أنا رجل سبعيني وأريد الوفاة بشقتي التي استأجرها منذ 50 عاماً، وبين أركانها جميع ذكرياتي، وزواج أولادي لا أمتلك ثمن شقة جديدة أو أتحمل أي زيادة في الإيجار في ظل راتبي الضئيل مقارنة بالأسعار الحالية، ولا يمكنني الانتقال إلى سكن آخر، فيجب حمايتنا وتوفير حلول بديلة”.
وفور حكم المحكمة الدستورية العليا، دشّن مستأجرون صفحات على وسائل التواصل الاجتماعي مثل “معاً ضد قانون الإيجار القديم فى مصر”، و”نرفض تعديل قانون الإيجار القديم وتشريد ملايين المستأجرين”، و”رابطة المستأجرين”، و”صوت مستأجري الإيجار القديم”، لعمل حشد مجتمعي ضد القانون، حيث كتب محمد إسماعيل تدوينة قال فيها: “السكن وطن، والمواءمة العادلة بين الطرفين مطلوبة حرصا على سلامة المجتمع والطبقات الفقيرة”.
تشريد ملايين المصريين
داخل أروقة مجلس النواب حالياً يجرى طرح مقترحين حول نسب الزيادة، الأول: تحديد القيمة الإيجارية بناءً على القيمة السوقية للوحدة والمكان الموجودة فيه، والثاني: زيادات سنوية تدريجية بنسب معينة لتخفيف الأعباء على المستأجرين.
سعيد فرحات، رجل يشارف سن المعاش، يقول للـميادين نت، إن “القانون يمهّد لطرد الملايين في الشارع، ففور صدور حكم المحكمة الدستورية العليا سارع ورثة المالك الذي استاجر منه شقتي إلى إقامة دعوى قضائية لطردي، متعللين بعدم دفع الأجرة لسنوات، برغم أنني أدفعها عن طريق المحكمة بعد رفضهم تقاضيها منذ وفاة والدهما منذ حوالى 4 سنوات، فهم يريدون الشقة ولا يسعون لزيادة الأجرة”.
الموظف في إحدى المصالح الحكومية، الذي يقطن في حي المنيرة بالقاهرة، يتابع: “القانون الجديد يثير الذعر وسيفتح الباب لتشريد ملايين المصريين إن لم يمتلكوا شقق بديلة أو قيمة الإيجار الجديد الذي سيكون أضعاف الأجرة الحالية”.
ويقول عهدى جاد الله، إن “المناقشات الحالية وسيلة مفتعلة من الحكومة بمعاونة بعض نواب السمسرة وتجارة العقارات لإلهاء المطحونين وشغل تفكيرهم عن الضغوط ومعاناتهم جراء ارتفاع ثمن كل السلع الضرورية والخدمات”.
وأضاف للـميادين نت: “إذا كنا نتحمل فلن نستطع تحمل تهجير أغلب الأسر المصرية من مساكنها أو زيادة إيجار السكن”، داعياً إلى أن ” يراعي أي تعديل للقانون الظروف المعيشية للمستأجر في ظل أزمة اقتصادية وحالة غلاء عامة”.
يُمثل القانون المرتقب فرصة للمؤجرين، فالمواطن يسري عوض، مالك عقار في حي جاردن سيتي، رحب بحكم الدستورية العليا، معتبراً إياه “خطوة لرفع الظلم عن الآلاف من مالكي العقارات فهي في الأساس ثروة ضخمة لكنها لا تكفي لدفع فاتورة كهرباء”.
وتابع:”ملايين الشقق مغلقة لأنها إيجار قديم، لقد أغلقها المستأجرين وانتقلوا للعيش بأماكن أخرى، وهناك الملايين منها تم توريثها فأي قانون نستطيع تحمله طوال تلك السنوات؟، والحكم رد المظالم عن أهلها”.
ومن ناحيته، يقول مصطفى عبد الرحمن، رئيس ائتلاف ملاك العقارات القديمة بمصر، إن التعديلات المنتظرة على القانون ستخلق توازناً اجتماعياً، لافتاً في حديثه للميادين نت، إلى أن “تقديرات تشير إلى وجود حوالى 2,5 مليون وحدة تخضع للقانون، نصفها على الأقل مغلق، وبالتالي مع التعديل وزيادة الأجرة سيتخلى المستأجر عن شقتة المغلقة، ويستفيد بها غيره، ومع كثرة المعروض ستنخفض قيمة إيجار الوحدات”.
في المقابل، دعت رابطة المستأجرين البرلمان المصري إلى إشراكها في النقاشات المرتقبة لتحديد نسبة الزيادة المتوقعة في الإيجارات، لضمان التطبيق العادل للحكم وحتى لا يؤدي إلى طرد المستأجرين.
ووفق بيانها، أكدت أهمية حماية حقوق المستأجرين والتركيز على زيادة الأجرة وعدم المساس بالمستأجر وفق حكم المحكمة الدستورية العليا.
ويقول المستشار القانوني للرابطة، ميشيل حليم للـميادين نت، إن “الحكم أغلق الباب أمام طرد المستأجرين أو إنهاء العقد، فلا يمكن لمالك طرد مستأجر بناء على هذا القانون إنما زيادة الأجرة وهذا قد يمثل تحدياً أمام المستأجر”.
وطالب حليم المُشرع بالنص على زيادة تدريجية في قيمة الإيجار، فلا تكون مماثلة للقيمة السوقية الحالية للعقارات مراعاةَ للظروف العامة للبلاد.
ومنذ أكثر من 40 عاماً يطالب أصحاب العقارات بتغيير هذا القانون في ظل رفض السلطة، خشية إحداثه خضة اجتماعية لأنه قد يُطرد ملايين المستأجرين من مساكنهم، ووفق إحصائيات غير رسمية يبلغ عدد الوحدات المؤجرة بنظام الإيجارات القديمة بـ3 ملايين، بينما إحصائيات أخرى تقدرها بنحو 10 ملايين وحدة ما يعني أن ملايين المواطنين سيكونون بلا مأوى إن اختلف المؤجر مع المستأجر وقام الأول بطرد الثاني.