كيف تكبّدت إسرائيل في غزة ما لا يمكن تعويضه!
العين برس/ تقرير
مريم السبلاني
يفوق ما أنتجه العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة من دمار وضحايا خلال أسابيع، ما استغرقت الولايات المتحدة أكثر من عامين لتحقيقه في غزوها للعراق عام 2003. هذه الحقيقة التي حاول الرئيس الأميركي تجنب حدوثها خلال زيارته الأولى إلى كيان الاحتلال بعيد عملية “طوفان الأقصى”، لم تلق آذاناً صاغية لكنه لم يقم بإجراءات تمنع ما حصل، بل التزم بدعم الكيان عسكرياً وسياسياً وهو يراقب عن كثب كيف تتجه “إسرائيل” إلى الكارثة التي يتكلم عنها المسؤولون في إدارته يومياً.
ارتكبت “إسرائيل” خلال 84 يوماً من حربها على غزة جرائم حرب بسلاح أميركي وتغطية سياسية دبلوماسية دولية. وفي الوقت الذي تستمر فيه آلة القتل بالقضاء على مزيد من المدنيين والأطفال، رغبة في “تحقيق أهداف الحرب” دون القدرة على ذلك، تتجه الأنظار إلى اليوم التالي الذي يلي إعلان وقف إطلاق النار، وهو ما سيأتي أخيراً -مهما طال أجله أو قصُر-. وهي المعضلة التي كان قد اجتمع مجلس الحرب لمناقشتها قبل أن يضطر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تأجيلها استجابة للضغوط التي مورست عليه، ليست يتيمة. بل هي في الأساس، وليدة الانقسام الحاصل بين المستويين السياسي وجناحيه، والمستوى العسكري من جهة أخرى. وهذا ما برز أيضاً في تصريح وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير بأن “مجلس وزراء الحرب مفوض لإدارة العملية العسكرية وليس لمناقشة سياسة اليوم التالي التي هي من مهام مجلس الوزراء المصغر”.
تتزايد التحديات أمام نتنياهو وعلى غير صعيد. لكن استراتيجية “الهروب إلى الامام” التي يعتمدها في حربه، تتطلب انجازاً واحداً “لتقريشه” سياسياً. في قراءة للأحداث بعد انقضاء هذه المدة، يمكن تفنيد المشهد وفق الآتي:
-وضع نتنياهو أهدافاً لحملته العسكرية البربرية. تقول القاعدة أن نجاح العمل العسكري، يجب أن يخدم هدفاً سياسياً قابلا للتحقيق. لم يكن هدف نتنياهو المعلن هزيمة حماس فحسب، بل القضاء عليها. وقد وصف الخبراء والمراقبون هذا الهدف بأنه مستحيل أساساً. وقد بدا ذلك في تراجع الخطاب السياسي للمسؤولين الإسرائيليين والأميركيين، والتي باتت تشير إلى هزيمة حماس او اقصائها بعدما كان التركيز سابقاً على القضاء عليها.
-لم يقدم نتنياهو شيئاً عن كيفية حكم غزة بعد انتهاء الحرب. وهو الأمر الذي طرح سؤالاً مفصلياً: إلى أي نقطة إذن تهدف الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية؟
نفذت إسرائيل حربها في غزة بوتيرة ومستوى من الدمار الذي من المرجح أن يتجاوز أي صراع حديث، ودمرت المزيد من المباني، في وقت أقل بكثير، مما تم تدميره خلال معركة حلب من عام 2013 إلى عام 2016 والحملة التي قادتها الولايات المتحدة في الموصل والعراق والرقة في عام 2017.
نشرت مجلة +972 تحقيقاً أجراه حول ممارسات الاستهداف التي يمارسها الجيش الإسرائيلي في غزة. وجدت المجلة أن القيود المفروضة على الاستهداف قد تم تخفيفها للسماح بشن ضربات على مجموعة أوسع من المباني، حتى عندما كانت القوات الإسرائيلية تعرف مسبقا أن الخسائر غير المقاتلة ستكون مرتفعة.
لدى الجيش الإسرائيلي ملفات عن الغالبية العظمى من الأهداف المحتملة في غزة -بما في ذلك المنازل- والتي تنص على عدد المدنيين الذين من المحتمل أن يقتلوا في هجوم على هدف معين. هذا الرقم محسوب ومعروف مسبقاً لوحدات المخابرات التابعة للجيش، التي تعرف أيضاً قبل وقت قصير من تنفيذ الهجوم تقريباً عدد المدنيين الذين من المؤكد أنهم سيقتلون.
وفي إحدى الحالات التي ناقشتها مصادر لموقع War on the rocks، وافقت قيادة الجيش الإسرائيلي عن علم مسبق، على قتل مئات المدنيين الفلسطينيين في محاولة لاغتيال قائد عسكري كبير من حماس. وقال أحد المصادر: “ارتفعت الأرقام من عشرات القتلى المدنيين [المسموح بها] كأضرار جانبية كجزء من هجوم على مسؤول كبير في عمليات سابقة، إلى مئات القتلى المدنيين كأضرار جانبية”.
لم تكتف إسرائيل بالنظر في هذا المعدل المرتفع من الوفيات غير المقاتلين وقبوله سراً. بل دافعت عنها علناً. حيث وصف متحدث باسم الجيش الإسرائيلي قتلهم لمدنيين فلسطينيين لكل ناشط بأنه “إيجابي للغاية”.
ويقترح مؤسس War on the Rocks ريان إيفانز، على الإدارة الأميركية حلاً لحل الأزمة الإسرائيلية. ويقول في تقريره “في حين أصبح بايدن أكثر علنية في انتقاداته لإسرائيل بشأن الخسائر في صفوف المدنيين ومسائل أخرى، يمكن لنتنياهو أن يتجاهله في غياب تهديد موثوق به ومعلن بوضوح بقطع الدعم الأمريكي وحجبه”.
ورأى إيفانز، أنه يجب على بايدن:
-الإبلاغ عن أن الدعم العسكري والاستخباراتي سيتم قطعه في غضون فترة زمنية قصيرة في غياب وقف إطلاق النار.
-تغييرات كبيرة وملحوظة ودائمة في العمليات الإسرائيلية وممارسات الاستهداف إذا استؤنفت الأعمال العدائية بعد وقف إطلاق النار
– إعلان عام يلزم إسرائيل بالسماح لجميع سكان غزة بالعودة إلى مجتمعاتهم (أو ما تبقى منها)، والتخلي عن الترحيل الجماعي الذي يقترحه اليمين الإسرائيلي.
-وعد بأن إسرائيل ستساهم في تكاليف إعادة الإعمار؛ والالتزام بعملية سياسية لإقامة سلطة سياسية جديدة غير إسرائيلية وغير تابعة لحماس لحكم غزة.
المصدر: موق الخنادق