فرنسا تدفع ثمن عنصريتها
العين برس/ متابعات
“ان المهاجرين لم يأتوا بمفردهم وإنما تم جلبهم بالشاحنات والقوارب، لأن فرنسا كانت في حاجة إلى العمالة في المناجم وصناعة السيارات والأشغال العامة وجميع الصناعات الملوثة التي يرفضها الفرنسيون”، هذا الكلام، هو للرئيس الفرنسي الاسبق فرانسوا ميتران، هؤلاء المهاجرون التي جلبتهم الحكومات الفرنسية لبناء فرنسا، يُسحقون اليوم بالعنصرية وعنف الشرطة الفرنسية.
يتفق اغلب المراقبين للمشهد الفرنسي المُحترق، ان السبب الرئيسي في انحدار فرنسا الى هذه الهوة السحيقة التي سقطت فيها اليوم، لا يكمن بشحة الاموال في خزينة الدولة، بل في التعامل غير الانساني للحكومات الفرنسية المتعاقبة مع الفرنسيين من اصول عربية واسلامية، الذين تم حشرهم في عشوائيات في ضواحي المدن الفرنسية الكبرى، وهو ما كثف ظاهرة الاخر الغريب والخطير والمشكوك فيه، لدى المجتمع الفرنسي الابيض.
وحول حقيقة هذه النظرة اليمينية والعنصرية، للسلطات الفرنسية، الى المواطنين الفرنسيين من اصول عربية واسلامية، تقول فيرجني مارتن، أستاذة العلوم السياسية وعلم الاجتماع في كلية “كيدج” أن “بلديات المدن التي تقودها الحكومة اليسارية حاولت تصحيح هذا الوضع بسياسة ترابطية قوية للغاية وضوابط شرطة محلية، فعلى سبيل المثال، كان ضباط الشرطة منسجمين مع أفراد المجتمع في تلك المناطق ويلعبون كرة القدم مع أطفال الحي. لكن اليمين، خاصة في عهد الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي، أنهى كل ذلك بين عامي 2005 و2010 وفُقدت همزة الوصل لنغرق في هوامش جغرافية واجتماعية واقتصادية وسياسية”.
هذه النظرة العنصرية الى الفرنسيين والمهاجرين، وجدت تطبيقاتها العملية على الارض، ومن هذه التطبيقات عنف الشرطة، التي لا تتوانى عن اطلاق النار دون مبرر على كل من يتجاهل اوامرها من اصحاب البشرة الملونة، وكانها في ساحة حرب، فعندما قتلت الشرطة الفرنسية بدم بارد الشاب نائل (17 عاما) ذي الأصول الجزائرية، لم تقع هذه الجريمة بسبب خطأ، بل هو فعل ممنهج ومدروس، فهذه الشرطة قتلت في العام الماضي 13 شابا، لنفس السبب، وهو العنصرية، الامر الذي جعل صبر هؤلاء المظلومين ينفد ويفجرون الارض تحت اقدام هذه السلطات العنصرية وشرطتها القاسية والعنيفة.
فرنسا التي كانت تتقمص دور الدولة المتحضرة، عندما كانت تنتقد تعامل الشرطة الايرانية، مع اعمال الشغب التي شهدتها ايران مؤخرا، والتي كان يغذيها الغرب، نراها اليوم، تجند عشرات الالاف من الشرطة والامن، لاسكات صرخة المظلومين، وترسل قوات التدخل السريع الى مدينة ليون، وتستخدم المدرعات والطائرات المروحية لقمع المتظاهرين، وتم اعتقال 1300 شخص لحد هذه الساعة، بينما يعلن وزير الداخلية جيرالد دارمانان إن “الجمهورية ستنتصر” وكأنما يحارب جيشا من الغزاة.
لن تقوم لفرنسا قائمة، ما لم تُقبِر عنصريتها، وخاصة لدى نخبها السياسية، وما لم تنصف الفرنسيين من اصول عربية واسلامية، من الذين بنت فرنسا نهضتها بعد الحرب العالمية الثانية وبعد انتهاء احتلالها للجزائر، على اكتافهم، وتعاملهم معاملة انسانية يستحقونها عن جدارة، وتحترم كرامتهم، كباقي المواطنين الفرنسيين، فنيران العنصرية ستبقى مشتعلة، وستحرق في الاخير الاخضر واليابس.