يبدو ان النظام السعودي رحب مبكرا وعلى طريقته الخاصة بالرئيس الامريكي جو بايدن، الذي من المقرر ان يزور المملكة بعد ايام قليلة، وذلك عندما قرر إختيار كبير مشايخ التطبيع وهو الشيخ محمد العيسى، لإلقاء خطبة عرفة وإمامة الصلاة بمسجد نمرة.
الرسالة الترحيبية التي ارادت السعودية ارسالها الى ضيفها قبل قدومه، تقول وبشكل واضح لا لبس فيها، انها هي وحدها من يملك مفتاح الباب الذي يمكن من خلاله ان تلج “اسرائيل” الى العالمين العربي والاسلامي، والدليل على ذلك انها جعلت حوالى مليون مسلم من انحاء العالم، يصلون وراء رجل لا يخفي ميوله التطبيعية فحسب ، بل يفاخر بها على رؤوس الاشهاد.
السعودية اجبرت حوالى مليون مسلم، في اقدس مكان وفي اقدس يوم لدى المسلمين، على ان يصلوا وراء رجل وصف الصهاينة بانهم إخوته، وزار معسكر “أوشفيتز” ببولندا، وصلى على ضحايا الهولوكوست، كما أدى صلاة هندوسية خلال زيارة قام بها الى تايلاند، ويعتبر من اقرب اصدقاء اليمينية العنصرية المتطرفة، مارين لوبان، التي تعتبر من أشد اعداء الإسلام في اوروبا، والتي لا تكف عن المطالبة بحظر الحجاب وكافة المظاهر الإسلامية في فرنسا.
مواقف العيسى هذه هي التي دفعت الناطق باسم جيش الاحتلال الاسرائيلي، افيخاي ادرعي لان يغرد تعليقا على صلاة العيسى في معسكر اوشفيتز: “هذا هو الاسلام الحقيقي رجل الدين السعودي محمد العيسى وبعثته يصلون لذكرى ضحايا #الهولوكوست اليهود في معسكر # اوشفيتز”.
ان السعودية كانت على استعداد لتحمل كل تبعات قرارها المثير للجدل هذا، من اجل ان تصل الرسالة الى بايدن بإي ثمن كان، ليتعامل مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، على انه الرجل الوحيد في السعودية الذي يملك القدرة على اتخاذ قرار التطبيع مع “اسرائيل”، دون ان يحسب حسابا، لا لرجال الدين ولا للراي العام السعودي.
الاعلام والذباب الالكتروني السعودي، كانوا مدركين لخطورة قرار ان يؤم شخص تطبيعي مثل العيسى الصلاة في عرفة، لذلك شنوا حملة شعواء على من حرم الصلاة وراء العيسى ودعا الحجاج الى الصلاة في مخيماتهم بدلا عن ذلك، واعتبروا هؤلاء بانهم من “الاخوان المسلمين”، وانهم لا يطيقون الشخصية المتسامحة والمنفتحة التي يتحلى بها العيسى، ويحاولون ان تبقى السعودية في دائرة مشايخ التكفير.
الامر الذي فات الاعلام والذباب الالكتروني السعودي، هو انه ليس هناك من عربي او مسلم في العالم يؤمن بعدالة القضية الفلسطينية، يمكن ان يؤيد الفكر الوهابي التكفيري، الذي كان السبب الاول وراء كل المآسي التي تعيشها المجتمعات العربية والاسلامية، ولكن في المقابل ايضا، مثل هذا الانسان العربي والمسلم لا يؤيد ايضا المشايخ الداعين جهارا نهارا الى تناسي القضية الفلسيطنية، والارتماء في احضان الصهيونية العالمية، والتطبيع مع الكيان الاسرائيلي، فمشايخ الوهابية ومشايخ التطبيع، هما وجهان لعملة واحدة.
السعودية ارادت من وراء اختيار شيخ تطبيعي لخطبة وصلاة عرفة، ان تقول لبايدن ايضا، ان السعودية في نسختها الوهابية، هي التي خدمت المخططات والمشاريع الامريكية على مدى اكثر من نصف قرن، وانها في نسختها التطبيعية، بامكانها ان تخدم امريكا ومخططاتها على مدى نصف قرن، وهي الفترة التي حددها ولي العهد السعودي لحكمة ، وعلى بايدن في هذه الحالة، ان يقرر، على ضوء مصلحة “اسرائيل”، دعم مساعي إبن سلمان للوصول الى العرش أم لا.
المصدر: العالم