العين برس:
الانقلابات العسكرية، التي حصلت بشكل متكرر مؤخراً في القارة الأفريقية، بات يمكن اعتبارها مؤشراً على تراجع النفوذ الفرنسي فيها.
الانقلابات العسكرية في أفريقيا: هل ترسم خارطة تراجع نفوذ فرنسا التاريخي؟
الانقلابات العسكرية في أفريقيا: خارطة تراجع نفوذ فرنسا التاريخي
ذكر مقال للباحث حليم بوعمري، نشره المركز العربي الديمقراطي، أنّ الانقلابات العسكرية التي حصلت بشكل متكرر مؤخراً في القارة الأفريقية، بات يمكن اعتبارها مؤشراً على تراجع النفوذ الفرنسي فيها، وعاملاً في تأكل دور الدولة الاستعمارية.
ورأى بوعمري أنّ المشهد الأفريقي “بدأ يتغير خصوصاً مع تغير السلطة في مالي وفي دول مجاورة، بشكل صبّ في غير مصلحة فرنسا، وفتح الباب أمام امتداد نفوذ قوى أخرى أبرزها روسيا”، لا سيما أنّ “الموقف الفرنسي من الانقلابات التي جرت في عدة دول أفريقيا كان مكشوفاً، فأيّدت من وجدت أنه في مصلحتها فيما عارضت من رأت فيه غير ذلك”.
لكنه لفت إلى أنّ “ما لم يدركه الفرنسيون هو أنّ أفريقيا تتطور، في حين أن الذهنية الاستعمارية لدى باريس لم تتطور بالقدر نفسه، فاستمرّت تنظر إلى القارة السمراء باعتبارها منجماً للثروات ومصدراً للاستفادة فقط”، مشيراً إلى أنّ “الأفول الفرنسي في أفريقيا لم يرتبط فقط بتصرفات فرنسا أو قراراتها، وإنّما وجد بعض روافده في قوى دولية بدأت تصوّب أنظارها نحو القارة السمراء وتأمل أن تنال هي الأخرى بعض المكاسب، بعد أن كانت فرنسا هي اللاعب الوحيد في أفريقيا.
ظاهرة الانقلابات المدعومة شعبياً
وأشار المقال إلى الانقلاب الأخير في بوركينا فاسو في 30 أيلول/سبتمبر 2022، الذي أطاح رئيس المجلس العسكري الحاكم الذي وصل إلى السلطة إثر انقلاب قبل أقل من سنة، منوهاً بالتظاهرات التي حصلت أمام السفارة الفرنسية وضد الوجود العسكري الفرنسي ودعمت الانقلاب، وهو تقريباً ما حدث في مالي، المستعمرة الفرنسية السابقة أيضاً، إذ كانت مالي قد شهدت انقلاباً في آب/أغسطس 2020، أطاح خلاله العسكريون الرئيس إبراهيم أبوبكر كيتا حليف فرنسا.
وأضاف أنّ “الرأي العام المالي المساند للانقلاب والحكومة الجديدة والرافض للوجود العسكري الفرنسي شكّل سبباً لانقلاب مفاجئ في موازين القوى الداخلية في مالي، لم يكن بحسبان باريس وحلفائها، ووضعها أمام تحد مباغت جعل أقل الخيارات خسارة بالنسبة لها هو الانسحاب العاجل من بلد فقدت فيه السيطرة على مفاصل الدولة بعد فقدان القدرة على حشد رأي عام موالٍ لها”.
وعدّ الكاتب “الانقلاب الفاشل في غينيا بيساو آخر حلقة في سلسلة الانقلابات التي تضرب منطقة أفريقيا الفرنكوفونية”، موضحاً أنّ “كل هذه المؤشرات من الانقلابات في مالي و بوركينا فاسو، أبرزت ملامح تحول من الحضن الفرنسي إلى الحليف الروسي”، وأنّ “الشعوب الأفريقية تفطنت إلى ازدواجية المعايير التي تستعملها فرنسا، التي تدين الانقلابيين في مالي وغينيا وبوركينا فاسو وتبارك الانقلابَين في تشاد”.
وأكّد المقال أنّ “هذا التنافس الروسي الفرنسي على النفوذ في أفريقيا، ينعكس سلباً على الصراع بين العسكريين الأفارقة الذين لهم ميول قومية اشتراكية معادية لفرنسا، والسياسيين البراغماتيين الأكثر قرباً من باريس”، مشيراً إلى أنّ “الصراع الروسي الفرنسي في أفريقيا يبرز بقوة في ليبيا ووسط أفريقيا ومالي، حيث انحازت موسكو إلى خصوم باريس”، ومرجّحاً أنّ “الوجود الروسي في أفريقيا بشكل عام مرشح لمزيد من التمدد”.
إعادة التشكيل الجيوسياسي لأفريقيا
وبيّن المقال أنّ “موجات الانقلابات الأخيرة في الساحل وغرب أفريقيا، التي ارتبطت بالأزمة الاقتصادية الناجمة عن جائحة كوفيد 19، وتصاعد المدّ الإرهابي في المنطقة، دفعت عدداً من الدول الأفريقية إلى إعادة التركيز على جداول أعمالها المحلية والتحوُل إلى شركاء خارجيين قادرين على تزويدها باستجابات عملية لمشاكل عاجلة وملحّة، وجسد ذلك بوضوح ظهور خطاب شعبوي جديد في المنطقة مناهض لفرنسا ومؤيد للوجود الروسي برزت ملامحه في مالي”.
وتابع: “تتلقى فرنسا في المدة الأخيرة ضربات متتالية في القارة الأفريقية، تمثلت في تصاعد النزعة الوطنية المطالبة بالتخلص من كل ما له علاقة بباريس، فقرابة 10 سنوات من التدخل العسكري الفرنسي في منطقة الساحل أثبتت لشعوب المنطقة فشل باريس في جلب الاستقرار وتداول السلطة في المنطقة، بعد أن تمددت الجماعات المُسلحة إلى مناطق لم تكن تحلم بها قبل 2013”.
وختم بوعمري مقاله بأنّ “ترنُّح النفوذ الفرنسي في أفريقيا يبقى مرشحاً لمزيد من الإخفاقات بسبب استمرار باريس في تعاملها مع القارة السمراء بنظرة أمنية استعمارية خالية من أيّ بعد اقتصادي”، لكنه قال إنّ “عمق الولاء الثقافي للنخب العسكرية والسياسية والمالية في أفريقيا لفرنسا، يبقى عاملاً مفسراً لاستمرار امتداد النفوذ الفرنسي في قارة أفريقيا حتى الآن.
المصدر: الميادين