مرَّت عمليةُ استهداف الزراعة في اليمن بعدة مراحلَ، وفي كُـلّ مرحلة كانت المنظمات والبنك الدولي ومن خلفهما الولايات المتحدة الأمريكية تعمل على تحقيق أهدافها بالقضاء على الزراعة في اليمن وتحويل اليمن إلى بلد مستورد.
وبدأ الاستهداف الأمريكي للزراعة في اليمن، لا سِـيَّـما زراعة القمح منذ سبعينيات القرن الماضي؛ أي بداية فترة حكم الخائن عفاش، عندما تواطأ النظام الخائن مع البنك الدولي ومنظمة “الفاو” التابعة للأمم المتحدة، الموكل إليها ضرب القطاع الزراعي في اليمن، وتحويله إلى بلد يستورد ما تنتجه أمريكا وحلفاؤها.
وتم الاستهدافُ بعد مراحلَ من الدراسات، التي نفذتها مراكز أبحاث تابعة لأمريكا وبريطانيا، على مدى عقود على الزراعة في اليمن، والتي كانت تمثل أهم ركائز اليمن الاقتصادية، والتي أَدَّت لتدمير القطاع الزراعي وضعف الأمن القومي الغذائي في اليمن، وتم استهدافُه بموافقة النظام السابق، وعبر السياسات والأجندة الخارجية للبنك الدولي والمنظمات.
وتؤكّـد العديد من الدراسات، أن البنك الدولي ومنظمة الفاو نفّذوا المرحلة الأولى من المخطّط الأمريكي؛ وذلك بنشر تقاريرَ تؤكّـدُ أن اليمن معرَّضٌ للجفاف، وأنه لا يمكنُ زراعةُ القمح فيه، وأن زراعةَ القمح غيرُ مُجديةٍ وليست ذات جدوى اقتصادية، وقد استمرت هذه التقارير طيلة السنوات الماضية، حتى أثبتت ثورة 21 سبتمبر 2014 عكس ذلك تماماً، فبلادنا أرض خصبة للزراعة، وأنه إذَا ما تم الاهتمامُ بالزراعة فسوف نصل إلى الاكتفاء الذاتي.
وبناءً على هذا المخطّط الممنهج وبمساندة الأنظمة السابقة الخائنة، عزف المواطنون اليمنيون عن الزراعة، وبدلاً عن ذلك تم استيرادُ القمح الأمريكي والأسترالي وغيره، وتحولت أموال اليمنيين لتذهب لصالح المزارعين الغرب بدلاً عن تنمية الزراعة وتطويرها في بلادنا.
ومع مطلع عام 2000م، عمدت منظَّمةُ الفاو على شراء مخزون القمح البلدي من المزارعين اليمنيين بثمن باهض، وعبر سماسرة من مكاتب وزارة الزراعة في عدد من المديريات والقرى الريفية وبضوءٍ أخضرَ من نظام عفاش، حَيثُ سارع الكثير من المزارعين إلى بيع ما لديهم من مخزون من القمح البلدي؛ سعياً وراء الثمن الباهظ الذي كانت تعرضه المنظمة عليهم عبر سماسرتها الرسميين المدفوعين من قبل الحكومة، التي وقّعت بعدها على اتّفاقية الوصاية مع البنك الدولي، وقضت بمنع زراعة القمح في اليمن، وهي تشترطُ استيرادَه من مزارِعَ أمريكية وَأسترالية وغيرِهَا، وظهر عدد من التجار التابعين للنظام باستيراد القمح الأمريكي.
وبخصوص المرحلة الثالثة ووفق التحقيقات، فَـإنَّ المنظمات الدولية المعنية بالزراعة، استلمت إدارةُ الإحصاء الزراعي في اليمن، بقرار من النظام السابق وحكومته الذي سلَّم تلك الإدارة المهمة للمنظمات، وسمح لها بتمرير بذور قمح معدَّلة جينياً لا يمكن استخدامها لأكثر من موسمَينِ بين المواطنين وفي الأسواق؛ لتحل محل البذرة الأصلية المعروفة بإنتاجيتها العالية.
لقد تعمّدت سياسةُ البنك الدولي هدمَ القطاع الزراعي في اليمن، وجعلت عليه دائرة حمراء، وأغرقت الوطنَ بالقروض الربوية؛ ففي عام 1995، وكشرطٍ للحصول على قروض ضرورية، أجبر صندوق النقد والبنك الدوليَّينِ نظامَ عفَّاش على تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي ومالي وإداري؛ بهَدفِ تقليص عجز الموازنة والتضخم واستقرار سعر الصرف، ومن غير المستغرب، أنه لم تتم معالجة ركود القطاع الزراعي وسط الفوضى، واستمر الاعتماد على الواردات بلا هوادة مع تزايد انعدام الأمن الغذائي.
ولهذا ونزولاً عند رغبة أمريكا في إبقاء اليمن تابعاً لها، تعمَّد النظام السابق وحكومته إهمالَ القطاع الزراعي؛ لجعل اليمن بلداً مستهلكاً ومعتمداً على الاستيراد من الخارج وعلى ما تقدمه المنظمات من مساعدات غذائية.
تفكيكُ خيوط المؤامرة:
ومع بدء العدوان الأمريكي السعوديّ الغاشم على بلادنا، استُكمل مخطّط القضاء على الزراعة في بلادنا، وقامت المنظمات الدولية بتنفيذِ أعمال مُثيرةٍ للريبة، تهدف من خلالها للقضاء على مستقبل اليمن الزراعي.
وتؤكّـد تقارير الإعلام الزراعي والسمكي أن المنظمات الدولية الأمريكية قامت بتنفيذ عمليات الاختراق المجتمعي ورصد وجمع بيانات تجسسيه لصالح المنظمات، وقامت بسحب البذور والحبوب المحلية ذات الجودة العالية في عدد من المناطق اليمنية، موضحة أن إحدى المنظمات الدولية قامت بسحب كميات كبيرة من بذور الحبوب للذرة الشامية والرفيعة، والدُّخن والغرب وغيرها، من المزارعين في مديريات الضالع، بأسعار باهظة.
وأوضحت التقارير أن المنظمةَ قامت بإغراء المزارعين بالأموال الطائلة، لافتة إلى أن سعر البرميل الواحد من الدخن والذرة بأنواعها وصل إلى 120 ألف ريال يمني، وقامت بشراء كميات هائلة من تلك الحبوب وسحبها من المزارعين الذين لم يتردّدوا حتى في إخراج كميات مخزنة لديهم منذ ما يقارب العشر سنوات، طمعاً في الأموال، وتخلوا مقابلها عن الحبوب المحلية رغم أنها ذات جودة عالية وتعطي محصولاً وفيراً، واستطاعت تلك المنظمات سحبَ ثلاث قاطرات خلال الموسم الزراعي في عام 2020، ونقلتها من محافظة الضالع إلى أماكنَ مجهولة تابعة لها.
لكن الواقع اليمني تغيَّر بفضل الله عز وجل أولاً، والقيادة الثورية التي حرَّكت الجانب الزراعي، وأبطلت النظريات والمصطلحات والتقاريرَ والدراسات، التي كانت تروج لها المنظمات، والمتمثلة في عدم قدرة اليمن على زراعة القمح والحبوب؛ كونها لا تمتلكُ مساحاتٍ شاسعةً من الأراضي وعدم توفر المياه.
وفي هذا الشأن، يقول الخبير الاقتصادي رشيد الحداد: إن القيادة الثورية والسياسية استطاعت إحياءَ النهضة الزراعية من جديد، وتعزيز الإنتاج المحلي، وُصُـولاً إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي للشعب اليمني، رغم الظروف الصعبة التي يعيشُها اليمن؛ نتيجة العدوان والحصار وتدمير مقدراته وبنيته التحتية، مؤكّـداً أن الزراعة أصبحت هدفاً استراتيجياً للتغلب على الآثار الاقتصادية التي خلّفها العدوان والحصار؛ وبما يسهم في الحد من استيراد الحبوب والمنتجات الزراعية من الخارج.
ويؤكّـد الحداد أن النهضةَ الزراعية في اليمن تحرّر الاقتصاد اليمني من الاقتصاديات الأشد حساسية بالأزمات الخارجية، وخَاصَّةً في ما يتعلق بأزمات الغذاء، مُشيراً إلى أن اليمن يملك إمْكَانيات كفيلة بتحقيق أمنه الغذائي والاكتفاء الذاتي، ومن تلك الإمْكَانيات أن اليمن بلد زراعي بامتيَاز، والنشاط الزراعي يحتل المرتبة الأولى لدى القيادة الثورية والسياسية والشعب، مؤكّـداً أن هناك بوادرَ إيجابية في زراعة العديد من المحاصيل الزراعية، خَاصَّة الحبوب، في عدد من المحافظات، وفي حال استمر الاهتمام بالجانب الزراعي بهذه الوتيرة؛ فقد يحقّق اليمن اكتفاء ذاتياً خلال سنواته القادمة، وكذلك نتائج ومعدلات إنتاج مقبولة سنوياً من الحبوب المتنوعة.
وتعد محافظة الجوف وتهامة من أبرز المناطق اليمنية التي يتم استثمار زراعته خلال السنوات الماضية، ولا سيَّما زراعة الحبوب والقمح؛ فالتربة في هذه المناطق من أفضل أنواع التربة الزراعية؛ كونها قريبة من المياه الجوفية التي لا تحتاج لمضخات مياه كبيرة؛ وَنظراً لقرب المياه الجوفية من سطح الأرض، وبالتالي فَـإنَّ زراعة القمح أَو أية حبوب أُخرى تعتبر من الفرص الاستثمارية الناجحة جِـدًّا.
ومن مظاهر الاهتمام بالزراعة نجد أن قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي –يحفظه الله- يشدّد في أكثر من خطاب له على السير في هذا الطريق؛ مِن أجل تحقيق الأمن الغذائي للشعب اليمني، وتحقيق تنمية اقتصادية لبناء يمن حر ومستقل.
ويؤكّـدُ خُبراءُ أن تحقيقَ الاكتفاء الذاتي لم يعد مهمة مستحيلة، في ظل وجود قيادة ثورية حكيمة وإرادَة سياسية مستقلة لا تخضعُ لإملاءات قوى الهيمنة والاستكبار العالمي والمؤسّسات الدولية التابعة لها، والتي وقفت لعقودٍ طويلةٍ حجر عثرة أمام أية توجّـهات لدعم وتشجيع الإنتاج الزراعي المحلي.
واليوم ومن خلال التوجّـه الجاد لقائد الثورة والقيادة السياسية نحو الزراعة والاكتفاء الذاتي، يؤكّـد المختصون أن الزراعة تمثل حصناً منيعاً لليمن في ظل حرب العدوان الاقتصادية والحصار، وتجعله خارج عوز ما تسمى منظمات الإغاثة التي تعمل ضمن أدوات العدوان.
وتكثّـف القيادة الثورية والسياسية من أنشطتها الزراعية في محافظة الجوف، لزيادة إنتاج القمح في المناطق الواعدة بمعدل 120 % عن المستوى الحالي، حَيثُ وصلت المساحة المزروعة من القمح في محافظة الجوف إلى 6 آلاف هكتار لأول مرة في تاريخها الزراعي، بواقع إنتاج يصل إلى 5-6 أطنان من محصول القمح لكل هكتار، وارتفعت زراعةُ القمح في محافظة الجوف في ديسمبر 2022م بنسبة 70 % عن عام 2021م، وهذه نسبةٌ مشجِّعةٌ لتغطية الاحتياج المحلي من القمح، عوضاً عن شرائه من الخارج، واتّجاه اليمن نحو الاكتفاء الذاتي بحسب اقتصاديين.
وتُعتبَرُ محافظةُ الجوف من المحافظات الأصلح لزراعة القمح؛ نظراً للكميات التي تم حصادُها مؤخّراً، والتي وصل حجمُ محصولِها إلى ما بين 6-7 أطنان من القمح لكل هكتار واحد، وذلك بعد دعم مؤسّسة البذور المحسنة بكميات من البذور المعدلة، والتي ثبتت نجاعتُها في إنتاج كميات وفيرة من حبوب القمح بعد زراعتها في الجوف أكثر من أي حقل قمح تمت زراعته في أية منطقة أُخرى من اليمن؛ الأمر الذي دفع اللجنةَ الزراعية العليا إلى إنشاء مزارع للقمح في محافظة الجوف، وهي المزارعُ التي أطلق عليها مزارعُ الصمَّاد.
صحيفة المسيرة