تمثل إيران فرصة لروسيا للتخلص من العقوبات الاقتصادية من خلال التعاون الوثيق ضمن اتفاقيات الاتحاد والإعفاء الجمركي، لا سيما في ظل التعاون الذي أبدته إيران مع روسيا في سبل الالتفاف على العقوبات الغربية المفروضة على روسيا.
ساهمت الحرب الأوكرانية في توطيد التعاون بين إيران وروسيا، إذ أصبح العامل الاقتصادي يشكل محوراً أساسياً، على الرغم من المنافسة في العديد من الملفات السياسية والاقتصادية بين البلدين. تدعم روسيا عضوية إيران في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، وجرى التوقيع على عدد من الاتفاقيات الاقتصادية طويلة المدى على غرار اتفاق إيران مع الصين. كان التعاون بين البلدين يقتصر على المجالات السياسية والتقنية والعسكرية. ترى طهران أن وجودها في الاتحاد الأوراسي يشكل فرصة من أجل توسيع مجال علاقاتها السياسية، وفك عزلتها الاقتصادية، في مواجهة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة الأميركية.
الاتحاد الأوراسي منظمة دولية للتكامل الاقتصادي، تضم كلاً من روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان، فيما تحظى كل من مولدوفا وأوزبكستان وكوبا بوضع مراقب فيها. تأسس الاتحاد كمنظمة دولية للتكامل الاقتصادي، في منطقة وسط آسيا وشمالها وفي أوروبا الشرقية، وانضمت إليه لاحقاً أرمينيا وقرغيزيا، وفيتنام. وقد أعربت أكثر من 40 دولة من بينها الصين وإندونيسيا وأغلب دول أميركا اللاتينية عن رغبتها في الانضمام إلى الاتحاد الذي يشكّل سوقاً موحدة تضم نحو 180 مليون شخص، ويمثل قاعدة لدوله الأعضاء نحو الاتفاق على عملة موحدة، ومزيد من إجراءات التكامل بين الدول المشكلة له في المستقبل لإلغاء التعريفات الجمركية، وإزالة الحواجز غير الجمركية فيما بينها.
العقوبات تزيد وشائج التقارب
تقود روسيا الاتحاد الأوراسي وهي تقدم المساعدات لبلاروسيا وقرغيزيا وأرمينيا، ووعوداً بالحفاظ على الحدود، والدعم السياسي. وتمثل إيران فرصة لروسيا للتخلص من العقوبات الاقتصادية من خلال التعاون الوثيق ضمن اتفاقيات الاتحاد والإعفاء الجمركي، لا سيما في ظل التعاون الذي أبدته إيران مع روسيا في سبل الالتفاف على العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، الأمر الذي من شأنه دعم موقف روسيا الاقتصادي بشكل عام، وداخل الاتحاد بشكل خاص، فما هي منافع انتماء إيران بالنسبة إلى موسكو؟
1. تسعى روسيا إلى إنشاء منظمات دولية موازية للمنظمات الدولية الكبرى، على غرار مجموعة البريكس، وإنشاء بنك للتنمية من شأنه أن يخدم الدول الأعضاء في الاتحاد كبديل لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي الخاضعين لسيطرة الغرب. وتحاول، عقب الحرب الأوكرانية، ومع فرض عقوبات أوروبية عليها، إنشاء مسارات بديلة للأسواق التجارية التقليدية لها، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط، والتعاون الموسع مع إيران في هذا المجال أصبح أمراً لا بد منه.
2. تحاول إنشاء طرق تجارية بديلة بعيدة عن سيطرة الغرب، وهو الهدف الأساسي، إذ تسعى إلى تطوير الممر التجاري الرابط بين الشمال والجنوب، والذي يبدأ من ميناء أستراخان الروسي مروراً ببحر قزوين، ثم ميناء أنزلي في إيران، وينتهي بميناء نهافا شيفا الهندي، كوسيلة لإيجاد البديل للممر الشرقي الغربي، وممر سوفالكي البري لا سيما مع تصاعد أزمة إمدادات الغذاء.
أما إيران، ومن خلال انضمامها إلى الاتحاد الاقتصادي الأوراسي فهي:
1. تحرص على تفعيل دورها في الاجتماعات الدولية والإقليمية المختلفة، وتسعى للحصول على عضوية دائمة في العديد من المنظمات، وتقوم بالسعي عبر العضوية الدائمة في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي للاستفادة من منطقة التجارة الحرة. يأتي الدعم الروسي لتوقيع إيران اتفاقية منطقة تجارة حرة مع الاتحاد، متسقاً مع رغبة روسيا وإيران في تعزيز العلاقات التجارية، وسعيهما للوصول إلى سقف الـ 40 مليار دولار خلال عام ونصف.
2. تسمح العضوية الكاملة في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي لإيران بفك العزلة التي تفرضها العقوبات الاقتصادية الأميركية، من خلال علاقات اقتصادية متنامية مع أعضاء الاتحاد بموجب اتفاقيات اقتصادية وتكنولوجية، تفرض التعاون في إطار سياسات نقدية ومالية خاصة بدول الاتحاد، فضلاً عن تسهيلات المنطقة الحرة، والإعفاء الجمركي بين أعضائه.
3. بحصول إيران على عضوية كاملة في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، يتطور التعاون بين البلدين في مجالات مختلفة تحت المظلة الموسعة للاتحاد الاقتصادي الأوراسي. وكانت إيران قد نالت مؤخراً عضوية كاملة في منظمة شنغهاي للتعاون التي عقدت مؤخراً في سمرقند، بعد ستة عشر عاماً بصفة مراقب.
لعل الحافز الرئيسي لانضمام إيران إلى منظمة شنغهاي للتعاون، هو وجود القوى الشرقية القوية (روسيا والصين والهند) في المنظمة؛ لما تتمتع به هذه الدول من مكانة رفيعة على الصعد السياسية والاقتصادية والعسكرية على مستوى العالم، ترى إيران أنها:
1. قادرة على لعب دور بارز بين هذه الدول، لا سيما في مجال ترانزيت السلع والتعاون الأمني والعسكري والاقتصادي، في ظل الضغوط الغربية عليها، وهي تولي أهمية قصوى للجانب التجاري مع دول شنغهاي. يمكن للممرات الدولية في إيران أن تسهّل التجارة بين دول شنغهاي من جهة، وبين الدول الأعضاء مع القارة الأفريقية ودول جنوب غرب آسيا من جهة أخرى، وتربط أسواق الدول الشرقية مثل الصين والهند بالأسواق الأوروبية.
2. حضور طهران رسمياً إلى جانب القوى الشرقية سيعزز اقتصادها، ويغنيها عن تقديم تنازلات في المفاوضات النووية من أجل تخفيف الضغوط الاقتصادية المفروضة عليها، وعدم ربط الاقتصاد الوطني ومعيشة المواطن بالعلاقة بالدول الغربية.
3. تشكل الضغوط الغربية والأميركية على كل من إيران وروسيا والصين عاملاً مشتركاً يقرب هذه الدول ويحثها على تطوير علاقاتها التجارية والمالية؛ ما يساهم في التفافها على العقوبات وتخفيف آثارها على الدول المنضوية في المنظمة.
4. تقترح إيران اعتماد عملة موحدة للمبادلات المالية بين الدول الأعضاء. في حال تنفيذ مقترحها، ستسهل التجارة بين الدول الأعضاء.
لا شك أن أرباح التقارب شرقاً تعدّ فرصة لطهران التي عانت من العقوبات لأكثر من 40 عاماً، وتقوي أواصر العلاقات بالدول المشرقية القوية (الهند والصين وروسيا) بحيث يتم فرض عالم متعدد الأقطاب يفرض نفسه اقتصادياً وتقنياً وسياسياً وعسكرياً.
المصدر: الميادين