مبدأ الولاية.. بين الضرورة والغاية
العين برس/ مقالات
عبدالرحمن الأهنومي
الاحتفالات التي شهدتها اليمن يوم الخميس بمناسبة يوم الولاية – الذي يسميه اليمنيون عيد الغدير الأغر – غير مسبوقة لناحية الحضور الكثيف والزخم الجماهيري الذي شهدته الساحات المتعددة، ولقد تحوّلت المحافظات اليمنية الحرة إلى ميادين ممتلئة بالحشود التي تقاطرت من قرى وأرياف ومدن وسهول ووديان اليمن، احتفالاً بهذا اليوم العظيم والمقدس، هذه الحشود التي تدفقت لم تأت بها أموال ولا مكاسب تسعى لها من وراء الاحتشاد، بل حضرت بعقيدة ومبدأ الولاية لله ورسوله والإمام علي – عليه السلام، وما لهذا المبدأ من أهمية أساسية في تثبيت دعائم دين الله الذي ارتضاه لعباده، وهو إكمال للدين والنعمة التي امتن الله بها على عباده.
كقضية، فإن الولاية ليست قضية ترفيه، بل ضرورية للناس جميعاً، غير أن الناس ينقسمون فيها ما بين فريق يختار ولاية الله ورسوله والمؤمنين ممن اختارهم الله أولياء من المؤمنين، وما بين فريق يختار ولايات أخرى، بعضهم يتولى فراعنة وزعماء ورؤساء، وآخرون يتولون تماثيل، وبعض آخر يتولى الرئيس الأمريكي أو البريطاني أو سواهما، ويكاد اليمنيون أن يجمعوا جميعاً على أن تكون ولايتهم لله ورسوله والإمام علي عليه السلام، الذي اختير ولياً في تظاهرة نبوية حشد لها رسول الله صلوات الله عليه وآله سلم، بمنطقة غدير خم بين مكة والمدينة خلال عودته مع المسلمين من حجة الوداع.
بعد إكماله عليه الصلاة والسلام حجة الوداع وأثناء عودته من الفريضة نزل عليه أمر الله تعالى وقوله سبحانه وتعالى { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ }( سورة المائدة، الآية :67 ) وهو في مكان يسمى بـ ” غدير خم “، حيث أمر الله سبحانه رسوله صلوات الله عليه وآله وسلم أن يخبر الناس بولايته، فامتثل عليه الصلاة والسلام لإبلاغ الأمر الإلهي وجمع الناس في غدير خم، لينفذ أمر الولاية في الإمام علي عليه السلام، وفي ذلك المشهد قممت أقتاب الإبل لتكون منصة يصعد عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليُلقي ذلك البلاغ المهم وأصعد معه علياً عليه السلام، فخطب في المسلمين ومما قاله في خطبته “ألست أولى بكم من أنفسكم، قالوا بلى يا رسول الله : فأخذ بيد الإمام علي ورفعها إلى السماء قائلا “فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم والِ من والاه و عادِ من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله” إلخ حديث الغدير، الذي اتفقت عليه الأمة كلها وأجمعت على صحته وتواتره وحدوثه بالشكل والمضمون المذكور.
كان عليه الصلاة والسلام حريصاً على إبلاغ الرسالة الهامة، ولذلك جمع لها المسلمين جميعاً، فانتظر وصول اللاحق من الحجيج، وعودة السابق، وفي عزّ الظهيرة وتحت حر الشمس، أبلغ تلك الرسالة بالولاية للإمام علي، ولم يختلف أو ينكر أحد صحة وقوع ذلك ولم يستطع أحد التشكيك في ذلك أيضا، غير أن بعض المنحرفين اختلقوا تفسيرات في دلالة ذلك الحدث والبلاغ، فبعضهم قال إن الولاية المنصوص عليها ليست حقيقة الولاية بما تدل عليه من القيام بأمر الأمة وإدارة شؤونها وبناء دولتها وغير ذلك، بل ولاية من نوع آخر عملوا لها تخريجات ما أنزل الله بها من سلطان.
الحديث حول هذا الموضوع طويل جداً، والشُّبه التي يثيرها بعض المثقفين اليوم حول المراد من الولاية، وما تدل عليه، وما هي حقيقتها تأتي استمراراً لتنكر بعض المنحرفين في العصور السابقة لهذا المبدأ والحقيقة، وذلك أدى بالمسلمين إلى الانصراف عن الولاء لمن اختارهم الله ورسوله أولياء للأمة، إلى الولاء للفجار وملوك الطيش والخنا من بني أمية والعباسيين وحتى السلاجقة والمماليك وغيرهم ، فتردّت الأمة إلى الحضيض وباتت تتنازعها الأهواء والمهووسون، والاعتراضات التي يثيرها الكثير من المثقفين اليوم بزعم الدستور والقوانين وحرية الاختيار هي اعتراضات لا تستند إلى برهان ودليل من كتاب الله الذي جعله الله شريعة ومنهاجاً للعباد، بل إلى تنظيرات تأتي من هنا وهناك، وإلى أهواء ومزاجات قادت الأمة إلى قاع الحضيض، ونخرتها في صميمها، وحتى لا يصبح اليهود الدجالون، وزعماء الرذالة والشذوذ في أوروبا وأمريكا أولياءنا يجب أن يكون الإمام علي عليه السلام وأعلام الهدى من بعده هم أولياؤنا، فبذلك نحصن أنفسنا وساحاتنا من ولاية غيرهم من المنحرفين وزعماء الرذيلة.. والله يهدي إلى سواء السبيل.