العين برس / تقرير
ظلّت قناة العلاقات المصرية الإيرانية جافةً طيلة العقود الثلاثة الأخيرة، منذ أن اندلعت الثورة الإيرانية التي قادها آية الله الخميني، عام 1979.
فقد كان موقف مصر برئاسة محمد أنور السادات مناهضا لتلك الثورة، فاستقبلت الشاه الأخير محمد رضا بهلوي حين لجأ إليها بعد رفض غالبية الدول إيواءه، كما أقام له جنازة عسكرية حين مات.
ولم يكن ذلك فقط هو سبب القطيعة بين البلدين، فقد قطعت إيران علاقاتها الدبلوماسية مع مصر، بسبب إبرام اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية في مارس 1979، فضلا عن دعم مصر للعراق في حربها مع إيران.
ولم تشهد مياه العلاقات بين البلدين أية حركة بارزة في العقود الثلاثة الأخيرة إلا ثلاث مرات، الأولى حين خطب الزعيم الإيراني آية الله علي خامنئي باللغة العربية، مؤيدًا مطالب الثوار في ثورة 25 يناير عام 2011، والثانية عندما وصل الرئيس محمد مرسي إلى الحكم وزار طهران في اجتماع دولي، والثالثة حين استُقبل الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد في القاهرة.
ولم يكن هناك أي احتكاك مباشر بين ساسة البلدين أو أمور مشتركة تجمعهم، إلى أن تتابعت تصريحات رسمية إيرانية عن وجود قنوات للاتصال ومحادثات سرية لإعادة العلاقات بين البلدين.
وكشف سفير إيران محمد كاظم الصادق، الشهر الماضي، عن جهود لإعادة العلاقات مع الجانب المصري مرحبا بجهود العراق لتنظيم لقاء قريب بين مسؤولين في البلدين. في المقابل، تصمت القاهرة ولا شيء يصدر عن مؤسساتها المعنية أو حتى إعلامها يوحي بالأمر.
والحديث عن قنوات اتصال بين القاهرة وطهران ليس جديدا؛ ففي السنوات الأخيرة تحدثت مصادر مصرية عن وجود نوايا في البلدين لإعادة العلاقات والعمل على تطبيعها لكنها لم تترجم بسبب الموقف من التصعيد الإيراني في المنطقة، فلماذا قد يتقارب البلدان الآن؟ وماذا يجني كل طرف من هذه المصالحة إذا تمّت؟
التقارب مع دول الخليج وخصوصا السعودية
يعتقد كثيرون أن استئناف العلاقات بين الرياض وطهران، الذي تم برعاية صينية، هو أحد الأسباب الرئيسية التي تدفع نحو تطبيع العلاقات المصرية الإيرانية، إذ تسعى طهران جاهدة لاستغلال التقارب مع الرياض لتطبيع العلاقات مع الدول العربية وبالتالي فك عزلتها على المستوى الإقليمي.
وسبق أن تحدث وزير الخارجية المصري سامح شكري سنة 2016 عن مستقبل العلاقات المصرية الإيرانية والعراقيل التي تواجهها.
وقال إن عودة العلاقات مشروط “بوجود تغيير في المنهج والسياسة إزاء المنطقة، السعي إلى بناء علاقات على أسس من التعاون والاحترام المتبادل والتكافؤ في المصالح، احترام استقلال الدول العربيّة وسيادتها على أراضيها وعدم التدخّل فيها، والكفّ عن السعي إلى فرض النفوذ”.
ويقول الكاتب محمد قواص في مقال بجريدة النهار اللبنانية “الواضح أن الاتفاق الذي أُبرم بين السعودية وإيران في 10 مارس الماضي في بكين بات يرفع عن العلاقة المصرية الإيرانية الحرج، وأن ما استجد بعد ذلك من “تطبيع عربي للعلاقة مع دمشق، الحليف العربي الأول لطهران، يجعل لأمر التطبيع بين القاهرة وطهران منطقاً له سياقاته ومبرراته وربما ضروراته”.
ويضيف “إذا ما أظهرت إيران مزيداً من الجدية والحماسة في إزالة كل موانع تطبيع العلاقات مع مصر، فذلك يعني أن إيران ستأخذ جيداً بعين الاعتبار هواجس القاهرة في أمنها الداخلي (ولطالما كان لأذرع الإرهاب امتدادات إيرانية) والخارجي (ولطالما كان لطهران أجندات سودانية وإثيوبية وأفريقية وغزية..إلخ). وعلى هذا فإن القاهرة تريد للمصالحة مع إيران أن تكون حدثاً مصرياً في المتن لا يكون من الأعراض الجانبية لـ”صلح بكين” بين الرياض وطهران”.
ويقول الخبير في الشأن الإيراني حسن النافعي، في حديثه لموقع “الحل نت” إن الحديث عن إعادة العلاقات المصرية الإيرانية، يأتي من نافذة التفاؤل بالتقارب السعودي الإيراني، بيد أن الأمر مختلف لأن مصر جغرافيا بعيدة عن إيران ولا تعاني من مسألة التهديد الإيراني، خلافا للحالة السعودية والتي تحاول أن تنأى بنفسها عن أي تأثيرات إيرانية، لذلك حاولت أن تبرم هذه الصفقة.
وأضاف أنه “نتيجة لذلك توصّلت الرياض لقناعة بأنه لا يوجد ما يحميها من المخاطر سوى العمل الدبلوماسي، فضلا عن الجهود الصينية التي حاولت بكين من خلالها أن تُشعر الجميع بضرورة تكوين تحالف اقتصادي في المنطقة لخدمة الجميع، وهكذا انبثقت اتفاقية الصلح بين طهران والرياض”.
مصالح استرتيجية بناءً على مكانة مصر
الخبير في الشأن الإيراني حسن النافعي، أشار إلى أن هناك مصالح استراتيجية يمكن أن تجنيها مصر من وراء استئناف العلاقات، مثل تأمين المجرى المائي لـ”قناة السويس”، وضمان مرور آمن للسفن من مضيق “باب المندب” الذي يخضع لسيطرة جماعة “أنصار الله” اليمنية المدعومة إيرانيا، فضلا عن أن انفتاح مصر على إيران سيسهم في حدوث طفرة سياحية، وهذا له مكاسب للجانبين.
وفي السياق، يرى السفير الإيراني الأسبق في ليبيا، جعفر قناد باشي، أن مصر تمثّل ركيزة أساسية في العالم الإسلامي بالنسبة لبلاده التي تسعى للقضاء على المؤامرات الرامية للوقيعة بين الشيعة والسنة، مؤكدا أن إيران ومصر تتمتعان بموقع إستراتيجي في المنطقة، وأن تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية بينهما كفيلة بقطع الطريق على الأطراف التي تراهن على وضع القاهرة في المعسكر المعادي لإيران.
ووصف قناد باشي -في حديثه للجزيرة نت- القاهرة بأنها حلقة وازنة بين كبرى الدول الإسلامية، نظرا إلى موقعها الجغرافي والسياسي، موضحا أنه فضلا عن نفوذ مصر في الاتحاد الأفريقي ومنظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية، فإنها تتمتع بموانئ عدة على البحرين الأحمر والمتوسط، وأن التقارب بين طهران والقاهرة سينعكس إيجابيا على حركة عبور السفن الإيرانية من قناة السويس.
وتهتم مصر بأمن الملاحة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، لما لذلك من تأثير كبير على حركة الملاحة في قناة السويس، وبالنظر إلى علاقة إيران الوثيقة بجماعة “أنصار الله” في اليمن الذين بمقدورهم التأثير سلباً على الملاحة في البحر الأحمر، فإن هذا عامل آخر من العوامل التي يمكن أن تقرب بين القاهرة وطهران.
ولخص مركز “شاف” للدراسات المستقبلية وتحليل الأزمات والصراعات في الشرق الأوسط وأفريقيا، الأسباب التي تدفع إيران للتقارب مع مصر إلى الحضور المصري البارز في القضايا الإقليمية، وكسر العزلة المفروضة على إيران، ومواكبة مسار المصالحات في المنطقة، كما ترغب إيران أن ترسل رسائل تقارب إلى بعض دول المنطقة، على أساس مدى أهمية المكانة الاسراتيجية لمصر، كما ترغب في كسب الدور المصري البارز، لمحاولة تحجيم سياسات الحكومة الإسرائيلية الجديدة في زيادة أزمات المنطقة.
مزايا اقتصادية وانتعاشة سياحية
وبحسب تحليل لدورية السياسة الدولية المصرية، تري إيران في عودة العلاقات مع مصر فرصة لتحقيق عدد من المكاسب، من أهمها: كسر الحصار الدولي، ففي حال عودة العلاقات مع مصر، ستتمتع إيران بمزايا نسبية، نظرا للمكانة الإقليمية التي تتمتع بها الأخيرة، لكونها دولة القلب للوطن العربي، لها كلمة يعتد بها في المحيط العربي، وتشترك في العديد من التحالفات، مما يتيح فرصة جيدة لإيران لإفشال سياسة الولايات المتحدة الرامية إلي عزلها دوليا، وحشد العداء لها، خاصة بين الدول العربية.
وانفتحت مصر على السياحة الإيرانية بعد سنوات من التجميد والتوترات، حيث قال مسؤولون في وزارة السياحة المصرية إن القاهرة ستسمح قريبا للإيرانيين الوافدين ضمن مجموعات سياحية بالحصول على تأشيرات عند الوصول إلى جنوب سيناء تمهيدا لإمكانية السماح لهم بزيارة أماكن أخرى في البلاد.
ويمكن تفسير القرار المصري أيضا بحاجة البلاد الشديدة للعملة الصعبة أي أن للقرار بعد اقتصادي أكثر منه سياسي فمصر وجدت نفسها في ظل أزمة الدولار، مضطرة للانفتاح على إيران بعد سنوات من التوتر.
وعلي الرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسية بين إيران ومصر، فإن التبادل التجاري بين البلدين لم يتوقف، وإن لم يكن بمعدلات كبيرة، حيث لم تتجاوز قيمة التبادل التجاري بينهما 100 مليون دولار.
وخلال الأعوام الماضية، استطاعت بعض المنتجات المصرية غزوالأسواق الإيرانية، أبرزها المنتجات الغذائية، والأدوية، ومستلزمات البناء، والمواد الكيماوية، والصناعات المعدنية والهندسية، في حين استطاعت إيران الوجود في السوق المصري خلال إسهامها في مجال السيارات -علي سبيل المثال- خاصة شركة “سوزوكي إيجيبت” المصرية، وشركتي”سايبا” و”خودروا” الإيرانيتين.
رغبة مصر في الحفاظ على الهدوء في غزة
تعد الرغبة المصرية في تهدئة الأوضاع في غزة دافعا رئيسيا للتقارب مع طهران، في ضوء ارتباط طهران بعلاقات وثيقة مع العديد من الفصائل المسلحة في قطاع غزة ومنها حركتي حماس والجهاد وغيرهما.
وفي الوقت نفسه فإن القاهرة يهمها الحفاظ على الاستقرار في القطاع وعدم تصعيد الصراع العسكري مع إسرائيل، إضافة إلى دورها في ملف المصالحة الفلسطينية، وهذا يجعل مصر في حاجة إلى التواصل مع إيران، بشكل أو بآخر، في إطار السعي للحفاظ على الاستقرار في غزة وعدم استخدامها كورقة إيرانية لمواجهة إسرائيل.
وناقشت صحيفة “آفتاب يزد” الإصلاحية الموضوع مع أستاذ جامعة “أصفهان” محمد علي بصيري، الذي رأى أن مصر اليوم لم تعد مصر السبعينات، مشيرًا إلى أن هذه الأخيرة فقدت مكانتها في العالم العربي ولم تعد الزعيمة مثل ما كانت عليه.
لكنه في المقابل، أكد أن إعادة العلاقات بين البلدين ستساهم في الحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة، غير أنها لا تخدم كثيرا إيران وحتى مصر
ودلّل على ذلك بـ”الاختلاف الاستراتيجي” بين البلدين، والذي تعمق مع توقيع القاهرة لمعاهدة “كامب ديفد” التي تنص، بحسب ما أورد على “اتحاد مصر مع أمريكا وإسرائيل للحفاظ على بقاء إسرائيل”، في حين أن إيران تتصدى لإسرائيل بالمواقف والسياسات.