شنّت القوّات التّابعة لتحالف “أنصار الله” الحوثيّة اليمنيّة سلسلة من الهجمات فجر الأحد بالصّواريخ الباليستيّة والطّائرات المُسيّرة على مُنشآت تابعة لشركة أرامكو ومحطّات تحلية مياه في الرياض وجازان وينبع، نجحت في تعطيل إنتاج النفط، ولو بشَكلٍ مُؤقت، خاصَّةً في مِصفاةٍ عِملاقة في مدينة ينبع شمال البحر الأحمر والرياض العاصمة.
توقيت هذا الهُجوم يأتي بمُناسبة دُخول حرب اليمن عامها الثامن، وكرَدٍّ سريع على دعوةٍ سعوديّة لحُضور مُؤتمر حِوار تُشارك فيه مُختلف الجِهات اليمنيّة، بِما فيها حركة “أنصار الله” لإيجاد مخرج سلميّ من الأزمة اليمنيّة، ولكن الحركة الحوثيّة بادرت برفض هذه المُبادرة فورًا، لأنّها حسب تصريحات المسؤولين فيها صادرة عن السعوديّة الدّولة التي تقود الحرب مُنذ سبع سنوات على اليمن، وتُريد عقد المؤتمر في عاصمتها الرياض، وليس أيّ دولة أخرى مُحايدة، ممّا يعني أنه مُؤتمر إملاء من طرفٍ “غير مُحايد” وتنطبق عليه مقولة “الخصم والحُكم” في آن.
ضرب المُنشآت لشركة أرامكو السعوديّة بالصّواريخ الباليستيّة والمُسيّرات ليس جديدًا، ولكنّ الجديد والخطير في هذه الهجمات الأخيرة استِهدافها لمحطّة تحلية مياه في مدينة جازان للمرّة الأولى مُنذ بداية الحرب.
ضرب مصافي بترول أو معامل للغاز ربّما يُؤثّر بشَكلٍ مُباشر على عوائد ماليّة للخزينة السعوديّة، ولكنّ ضرب محطّات تحلية تُشكّل أحد المصادر الرئيسيّة للمِياه لأكثر من 25 مِليون سعودي ومُقيم سيُؤدّي إلى أحداث أزمات معيشيّة ضخمة، تنقل الحرب إلى كُل بيت في المملكة العربيّة السعوديّة.
هذه النّقلة النوعيّة اللّافتة في الهجمات جاءت بهدف كسر عملي، وسريع، للحِصار الذي تفرضه السعوديّة وحُلفاؤها على أكثر من عشرين مِليون يمني، وهو حِصارٌ جعل معيشة هؤلاء مُستحيلة، حيث لا كهرباء ولا ماء ولا الحدّ الأدنى من الخدمات الأساسيّة للمُواطن اليمني.
ما يرسخ حركة “أنصار الله” الحوثية التي تُسيطر حُكومتها على العاصمة صنعاء ومُعظم مُدُن الشّمال اليمني، منع السعوديّة وصول ناقلات الوقود إلى ميناء الحديدة، وحجزها في البحر، وإغلاق الموانئ والمطارات الأساسيّة، ولهذا طفح كيلها، وقرّرت تكثيف هجماتها اعتبارًا من فجر اليوم الأحد، في ظِل التذمّر الشّعبي الواسع.
العميد يحيى سريع المتحدّث باسم القوّات المسلّحة اليمنيّة توعّد “بأنّ هجمات نوعيّة ستشمل أهدافًا حسّاسة لم تكن في حُسبان العدوّ السعودي سيتم تنفيذها في الأيّام المُقبلة لكسْر الحِصار”.
يبدو أن المُعادلة الجديدة التي ستكون عُنوان مرحلة دُخول الحرب عامها الثامن: “محطّات التّحلية مُقابل الحِصار على اليمن”، وهي مُعادلة خطيرة جدًّا إذا ما جرى تنفيذها لأنّ مُعظم المُدُن السعوديّة تعتمد على عشَرات محطّات التّحلية ولا تُوجد أيّ بدائل مائيّة أُخرى يُمكن أن تُعوّضها، سواءً من الدّاخل أو الخارج، بما في ذلك اقتِراح جر جبال الثلج من القُطب الشمالي الذي طرحه الأمير محمد الفيصل في السّبعينات من القرن الماضي.
كان لافتًا أن مُعظم الصّواريخ الباليستيّة والمُجنّحة، والمُسيّرات التي شاركت في الهُجوم الأخير أصابت أهدافها ولم تعترضها المنظومات الدفاعيّة السعوديّة، باستِثناء صاروخ واحِد وخمسة مُسيّرات جرى إسقاطها حسب البيان الرسمي للتحالف السعودي، ممّا يعني أنها “مُتطوّرة” و”دقيقة” في إصابة أهدافها.
هذا التّصعيد الجديد، والمُفاجئ، الذي تعكسه هجمات الحركة الحوثيّة ويتمثّل قي خلق أزمة مِياه في المملكة، وربّما لاحقًا في الإمارات، من خِلال استِهداف محطّات التّحلية، سيكون مصدر قلق كبير، وغير مسبوق للسّلطات السعوديّة لأنّه سيُواصل الحرب إلى داخِل كُل بيت في المملكة العربيّة السعوديّة، ولأوّل مرّة مُنذ بداية الحرب، الأمر الذي قد يُؤدّي إمّا إلى تسريع التوصّل إلى حلٍّ سياسيّ عُنوانه الأبرز رفع الحِصار عن اليمن، ووقفٍ شامِل لإطلاق النّار والتّعويضات، أو الانتِقال إلى الخِيار الثّاني البديل، أيّ توسيع دائرة الحرب بحيث تشمل أهدافًا ومُنشآت مدنيّة إلى جانب الاقتصاديّة والعسكريّة، مثلما قال لنا مصدر يمني رفيع، وختم بالتّأكيد “بأنّ الشعب اليمني لن يجوع ويعطش لوحده بعد اليوم”.. واللُه أعلم.
* رأي اليوم