أثبتت “سرايا القدس” في معركة وحدة الساحات على نحو رئيس قدرتها على التصدي ومجابهة المخطط الإسرائيلي وإحباط مشروع تفكيك وفصل الساحات بعضها عن بعض أو الاستفراد بساحة دون غيرها.
وضعت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة أوزارها بعدما اغتالت “إسرائيل” قياديين بارزين من “سرايا القدس” في جولة مواجهة استمرت أكثر من 50 ساعة متواصلة، ردت حركة الجهاد الإسلامي فيها على الجرائم التي اقترفتها “إسرائيل”، وأعلنت خوض معركة “وحدة الساحات”، كانت يدها هي الطولى في ضرب الأراضي الفلسطينية المحتلة بدءاً من مستوطنات غلاف غزة حتى العمق الإسرائيلي في “تل أبيب” بأكثر من 1000 صاروخ وقذيفة، أشلت فيها أركان “إسرائيل” وكل أشكال الحياة، حتى إن الأخيرة وقفت عاجزة أمام معادلات الردع والرعب التي نجحت السرايا في إعادة تثبيتها مجدداً.
خاضت “سرايا القدس” معركة “وحدة الساحات” للتعبير عن وحدة فلسطين أرضاً وقضيةً ومقاومةً، وبهدف إحباط مشاريع “إسرائيل” الهادفة إلى التغوّل على ساحة دون أخرى، وكامتداد متين لمعركة “سيف القدس” التي خاضتها المقاومة الفلسطينية في أيار/مايو 2021 والتي أوقفت “إسرائيل” عن تنظيم مسيرة الأعلام في باحات المسجد الأقصى، واستطاعت رسم قواعد اشتباك وفرض معادلة ردع كُسرت فيها صورة “إسرائيل” وهيبتها أمام العالم.
كما هو معلوم، “إسرائيل” شنّت عدوانها على قطاع غزة هذه المرة لتحقيق هدف مركزي وأهداف أخرى فرعية معروفة، فالهدف المركزي يكمن في التخلّص من عقدة معركة سيف القدس ونتائجها التي ما زالت عالقة في العقل الإسرائيلي، والتي أشعلت ضوءاً أحمر في وجه “إسرائيل” على مدار أكثر من عام ونصف العام، ما جعلها تفكّر بصورة جادة في ضرورة الإقدام على شن عدوان القوة العسكرية المفرطة، بهدف المس بالإنجاز الذي حققته المقاومة وتغيير ميزان الردع معها.
أثبتت “سرايا القدس” في معركة وحدة الساحات على نحو رئيس قدرتها على التصدي ومجابهة المخطط الإسرائيلي وإحباط مشروع تفكيك الساحات وفصل بعضها عن بعض أو الاستفراد بساحة دون غيرها، ونجحت قولاً وفعلاً في تثبيت معادلة معركة سيف القدس، والتأكيد على نتائج معركة وحدة الساحات وترابطها ورفض كل الممارسات والجرائم والانتهاكات والاقتحامات الإسرائيلية من جهة، ومواجهة كل الضغوط الداخلية والخارجية على المقاومة من جهة أخرى.
ما يرفع رصيد المقاومة الفلسطينية في كل جولة من جولات القتال مع “إسرائيل” أنها أصبحت تعمل وفق مرتكزات ثابتة تتمثل في امتلاكها زمام المبادرة النابعة من مصدر القوة والتحدي والعنفوان، وتحديد الأهداف، ورفض التغوّل الإسرائيلي على كل ما هو فلسطيني، سواء أكان الإنسان أم الأرض والمقدسات، ومن قدرتها على رسم مسار أي معركة تقرّر خوضها من بدايتها حتى النهاية، والتأثير في المشهد داخل “إسرائيل” بما يحقق أهداف كل جولة من حيث الثمن والأهداف والخسارة.
داخلياً، فإن نجاح “سرايا القدس،” في جولة المواجهة الأخيرة مع “إسرائيل”، في تثبيت ربط الساحات داخلياً أصبح يقلق المحتل، بل يشكّل تحدياً كبيراً له في 3 مسارات رئيسة:
– الأول: الجرأة على اتخاذ قرار الرد العسكري وتثبيت مفهوم وحدة الساحات بعد الخرق الإسرائيلي الذي أقدمت عليه في 29 أيار/مايو الماضي بتنظيم مسيرة الأعلام وانتهاك قدسية المسجد الأقصى والاعتداء على المقدسيين والبطش بهم.
– الثاني: جاءت معركة وحدة الساحات لتؤكد صوابية مسار المقاومة الذي يعمل في سياق تثبيت مفهوم وحدة الساحات وإحباط كل مشاريع التسوية الإسرائيلية وسرقة الحقوق الفلسطينية التي بدأت قبل 25 عاماً بمشروع انهزامي استسلامي عنوانه (أوسلو غزة أريحا أولاً).
– الثالث والأخير: جاءت معركة وحدة الساحات لتؤكّد شرعية المقاومة وقدرتها على حماية الإنسان والأرض والمقدسات في الساحات الفلسطينية كافة، سواءً في قطاع غزة أو الضفة الغربية والقدس المحتلة و في الأراضي المحتلة عام 1948، وهذه ما يحقّق ميزان الردع ويرسم قواعد الاشتباك من جديد في العلاقة بالاحتلال.
خارجياً، فإن أكثر ما يقلق “إسرائيل” بعد معركة وحدة الساحات مع باقي المناطق في فلسطين المحتلة هو أن تتوسّع إلى خارج حدود فلسطين، على جبهة لبنان الشمالية أو سوريا، وقد تعزز القلق الإسرائيلي بدرجة كبيرة بعد التحذيرات التي أطلقها الأمين العام لحزب الله اللبناني أخيراً، والتزامه الرد على أي حادث اغتيال لأي قائد فلسطيني من قيادات المقاومة على الأرض اللبنانية.
مفهوم وحدة الساحات خارج حدود فلسطين بدأ عملياً بالإمداد العسكري واللوجستي للمقاومة، ثم بالتنسيق العالي والمشترك بين المقاومة في ساحة فلسطين، وساحات محور المقاومة الخارجية كافة، وقد تجسّد هذا المفهوم بعد الإعلان عن وجود غرفة عمليات وتنسيق مشترك على مستوى عالٍ من التكامل بين المقاومة الفلسطينية ومحور المقاومة في معركة سيف القدس، وهذه الحال أصبحت تحيط بـ “إسرائيل” على نحو أقرب بعد كل محطة مواجهة، وهي تصف حزب الله المقاومة الإسلامية اللبنانية بأنه يشكل خطراً استراتيجياً عليها بما يمتلكه من ترسانة عسكرية كبيرة، وتصف إيران كذلك بأنها الدولة التي تشكل تهديداً وجودياً لها، في الوقت الذي تدرك فيه “إسرائيل” أنها غير قادرة مطلقاً، وباعتراف جنرالاتها، على احتمال أي مواجهة شاملة قد تضرب العمق الإسرائيلي من خلال العمل بوحدة الساحات الخارجية معاً .
“إسرائيل” بعد كل هذه الخلاصات أصبحت تعيش أزمة كبيرة تؤرّقها بعد نجاح معركة وحدة الساحات داخل حدود فلسطين في تحقيق أهدافها، وصمود “سرايا القدس” الأسطوري على مدار 3 أيام، وقدرتها على مواصلة إطلاق رشقات صواريخها في العمق الإسرائيلي حتى اللحظة الأخيرة التي سبقت إعلان وقف إطلاق النار، وهذا له دلالاته العسكرية الكبيرة.
أخفقت “إسرائيل” في تحقيق ميزان الردع الذي أرادته في معركة وحدة الساحات بعد المواجهة العسكرية التي خاضتها مع حركة الجهاد الإسلامي وفصائل مقاومة، لكنها تخشى في الوقت نفسه معركة أخرى محتملة، وربما باتت قريبة، عنوانها وحدة الساحات الخارجية التي تدخل فيها حركة حماس وحزب الله في لبنان وربما ساحات خارجية أخرى، وهذا ما عبر عنه عاموس يدلين رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق، الذي قال بعد انتهاء معركة وحدة الساحات: “يجب ألا نطير من الفرحة وألا ننجرف مع نشوة النصر، الجهاد الإسلامي تنظيم صغير نسبياً، حماس أقوى منه بعشرات الأضعاف، وحزب الله أقوى بعشرات الأضعاف، الحقيقة أن الحرب انتهت من جانبنا، لكن هذا الأمر لن يكون كذلك في مواجهة محتملة ومقبلة مع حماس وحزب الله”.
المصدر: الميادين