العين برس:
أثبتت جميع استطلاعات الرأي المستقلة أن ما لا يقل عن 60% من الناخبين لن يصوتوا لإردوغان في الانتخابات القادمة، على الرغم من القرارات الأخيرة التي اتخذها لزيادة شعبيته.
بأغلبية أصوات حزب العدالة والتنمية وحليفه الحركة القومية، أقرَّ البرلمان التركي قانون الرقابة الجديد على الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، وهو ما اعتبرته المعارضة “المسمار الأخير في نعش الديمقراطية”.
وتطالب المادة 29 من هذا القانون بسجن “كل من ينشر أيّ معلومة كاذبة تستهدف الأمن القومي الداخلي والخارجي للبلاد، وتخلق جواً من الخوف والرعب بين المواطنين، وتستهدف السلم الاجتماعي والصحة العامة للشعب” لفترة تتراوح بين سنة و3 سنوات.
ولم يحدّد القانون الجهة التي ستراقب كلّ ما سيقال ويكتب في وسائل الإعلام أو شبكات التواصل الاجتماعي التي باتت أكثر تأثيراً من التلفزيونات والصحف مع اقتراب موعد الانتخابات في أيار/مايو القادم، على الرغم من سيطرة إردوغان على 90% من وسائل الإعلام الخاصة والإعلام الحكومي برمته.
كلّ ذلك لم يكن كافياً بالنسبة إليه لإقناع الناخبين بالتصويت لمصلحته. وقد أثبتت جميع استطلاعات الرأي المستقلة أن ما لا يقل عن 60% منهم لن يصوتوا له في الانتخابات القادمة، على الرغم من القرارات الأخيرة التي اتخذها لزيادة شعبيته، ومنها بناء المساكن لذوي الدخل المحدود بفوائد مصرفية متدنية، وخفض سن التقاعد لمن استحق ذلك منذ سنوات، مع المعلومات التي تتوقع أن يقرّ قبل الانتخابات بفترة قصيرة زيادة كبيرة على مرتبات العاملين والموظفين لتعويضهم الخسارة التي لحقت بهم جراء ارتفاع التضخم الذي زادت نسبته رسمياً على 80%، وعملياً على 180%.
بالعودة إلى القانون الذي سيُطبق بدءاً من مطلع نيسان/أبريل القادم، أي قبل شهر ونصف شهر من الانتخابات، فقد قال أحد أعضاء البرلمان عن حزب “العدالة والتنمية”، إن القانون حظي بموافقة مبدئية من السفارة الأميركية في أنقرة، وهو ما أثار نقاشاً واسعاً في الأوساط السياسية والإعلامية التي اتهمت إردوغان بتلقي التعليمات من واشنطن، وهي اتهامات تتزامن مع اللقاء المهم بين إردوغان وبوتين في أستانة، وهو اللقاء الرابع منذ 4 أشهر، والذي أثبت عمق التضامن المثير بين الزعيمين!
القانون الذي يهدف إلى مزيد من التشديد في الرقابة المطلقة على الإعلام المرئي والمكتوب وشبكات التواصل الاجتماعي، يريد له الرئيس إردوغان أن يساهم في إسكات أيّ صوت معارض قبيل الانتخابات التي ستشهد حملات عنيفة من قبله. ويعرف الجميع أنه لا يريد للشعب التركي أن يسمع أو يرى أو يقرأ إلا ما سيقوله، مهما كان ذلك مبالغاً به أو كذباً، وهو ما عوّد عليه الشعب طيلة السنوات العشرين الماضية.
لم يكن كل ذلك كافياً لضمان التأييد المطلق له، حتى بعدما سيطر على جميع مؤسسات الدولة ومرافقها وأجهزتها بعد التعديل الدستوري في نيسان/أبريل 2017، الذي جعل منه الحاكم المطلق للبلاد من دون أيّ منافس، وخصوصاً بعدما سيطر إلى القضاء والأمن، وهما معاً في خدمته، لإسكات صوت المعارضة برمتها.
وقد أثبتت السنوات الخمس الأخيرة منذ تغيير الدستور أنّ كل ما اتخذه إردوغان من قرارات وإجراءات لإسكات المعارضة لم يكن كافياً، ما اضطره إلى إصدار القانون الجديد الذي سيمنح الأمن والقضاء وأجهزة الرقابة على وسائل الإعلام سلطات استثنائية ضد المعارضة بكلّ أشكالها، بما فيها المواطن العادي، الذي لن يستطيع أن يكتب أي شيء في قد يرى فيه القانون خطراً على السلم الاجتماعي أو مخالفاً للأمن القومي داخلياً وخارجياً، ومن دون أن تكون هناك معايير لتحديد ماهية وحجم هذا الخطر الذي سيجد المواطن نفسه في السجن إذا ارتكبه بشكل أو بآخر؛ فالمجلس الأعلى للإذاعة والتلفزيون الذي يسيطر عليه إردوغان يغرم يومياً محطات التلفزيون المعارضة مبالغ كبيرة بذريعة مخالفتها التعليمات، ولا يتردد بين الحين والحين في اتخاذ قرارات مجحفة، ومنها إيقاف بث المحطات لأيام معدودة.
يأتي ذلك في وقتٍ لا تخفي المعارضة قلقها من احتمال أن يوقف المجلس بثّ محطات المعارضة بشكل نهائي قبل الانتخابات بأيام قليلة، ليمنع وصول صوت المعارضة إلى الناخبين. كلّ ذلك مع استمرار الحديث عن إجراءات مشددة سيتخذها إردوغان في مجالات مختلفة، ومنها منع إجراء أي استطلاع للرأي قبل شهر من الانتخابات، ما دامت هذه الاستطلاعات تثبت تقدم مرشح المعارضة عليه في انتخابات الرئاسة، في وقت تتحدث المعلومات عن سيناريوهات مخيفة، ومنها انفجار الوضع الأمني في البلاد عشية الانتخابات، أولاً لترهيب الناخب التركي ومنعه من التوجه إلى صناديق الاقتراع، وثانياً لمنعه من التصويت للمعارضة التي سيحمّلها عندها مسؤولية كل الأحداث التي ستعيشها تركيا على الصعيد الأمني داخلياً وخارجياً، فقد تحدث زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو عن احتمال تورط المجموعات المسلحة السورية المدعومة من أنقرة في مثل هذه الأحداث لمصلحة الرئيس إردوغان.
وقد بات واضحاً من خلال القانون الأخير أنه يقول للشعب: “اسكت وكن قنوعاً بما أعطيه لك أنا فقط”. هذا هو أكبر رهان خلال المرحلة القادمة حتى موعد الانتخابات التي سنرى فيها جميعاً: هل سيكتفي المواطن التركي بما سيتكرّم به إردوغان أو سيثبت صحة نظرية الفيلسوف الألماني نيتشه الذي قال: “ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان”.
إنَّ الحرية بكلّ أشكالها، وفي جميع المجالات، والتي فُقدت خلال السنوات الأخيرة من حكم إردوغان قد تكون الامتحان الأهم والأخير بالنسبة إلى المواطنين الأتراك الذين سيتوجهون إلى صناديق الاقتراع ليستسلموا لمقولات إردوغان وأتباعه الذين يبررون كل معاناة الشعب بالقضاء والقدر أو سيرفعون صوتهم ويكسرون حاجز الخوف والرعب الذي أراد إردوغان من خلاله أن يقضي على أيّ نبض فيهم للحياة والأمل.
واليوم، لم يبقَ من الأمل إلا القليل، الّذي إن صمد حتى الانتخابات القادمة، فتركيا ستكون غير تركيا الحالية بكل المعايير والمقاييس التي جعلتها دائماً دولة مهمة بكل المعايير والمقاييس الحضارية التي تستحقها من دون أيّ شك! وإلا فإن تركيا، وببقاء إردوغان، ستجد نفسها في مسار جديد يختلف تماماً عن ذلك الذي بدأه أتاتورك، ولكن إردوغان يريد للشعب التركي أن ينساه وهو يحتفل في تشرين الأول/أكتوبر 2023 بذكرى قيام جمهوريته العلمانية. وقد بات واضحاً أن الرهان على نهاية هذه العلمانية هو الأهم، وربما الوحيد، في مجمل ما عاشته تركيا منذ 20 عاماً، ولم يبقَ إلا عدة أشهر لحسم هذا الرهان، سلباً كان أم إيجاباً.
المصدر: الميادين