لم تتوقّف السعودية، على مرّ جولات التفاوض بينها وبين «أنصار الله» وحلفائهم في الإقليم، عن طرْح مطلب الضمانات الأمنية الحدودية كشرط لإنهاء الحرب ورفع الحصار عن اليمن. وإذ يبدو أن المملكة تحاول اليوم استغلال النقاشات المتّصلة بتمديد الهدنة لانتزاع جانب من تلك الضمانات، فإنّ ما تتطلّع إليه في نهاية المطاف لا يقلّ، في الواقع، عن منطقة عازلة متكاملة، ستقضم من اليمن جزءاً من حقوقه وثرواته بشكل باتّ، وهو ما يجعل حكومة صنعاء تتريّث في التعامل مع هذا الملفّ الحسّاس
صنعاء | بالتزامن مع عودة المُطالبات السعودية بمنطقة عازلة على الحدود مع اليمن، تصاعدت الانتهاكات المُسجَّلة بحقّ سكّان القرى الحدودية الواقعة في إطار محافظة صعدة. وعلى رغم تراجُع خروقات وقف إطلاق النار في تلك المناطق منذ دخول الهدنة حيّز التنفيذ مطلع نيسان الماضي، إلّا أن القرى الواقعة في نطاق مديريات شدا ومنبه ورازح تتعرّض، منذ أسابيع، لاستهداف سعودي شبه يومي. وتفيد مصادر محلّية، في حديث إلى «الأخبار»، بسقوط ضحايا مدنيين من جرّاء تلك الاعتداءات التي فاق عددها الـ 14، لافتةً أيضاً إلى تسجيل أضرار مادّية بفعل ذلك التصعيد. وقد دانت وزارة حقوق الإنسان في حكومة صنعاء، في بيان مطلع الشهر الجاري، اعتداءات حرس الحدود السعودي، مُوثّقةً سقوط أكثر من 2258 مدنياً بين قتيل وجريح، منهم 285 قتيلاً في مديريات صعدة الحدودية، منذ بداية الهدنة، مُطالِبةً المنظمات الإنسانية الدولية بالضغط على الجانب السعودي لوقْف هذه الانتهاكات.
ولا يفصل مراقبون بين الجولة الأخيرة من التصعيد، والمخطّط السعودي القديم – الجديد لإقامة منطقة عازلة على الحدود الجنوبية للمملكة، والذي يستبطن رغبة في إعادة ترسيم الحدود ابتداءً من مدينتَي حرض وميدي الواقعتَين في نطاق محافظة حجة غرباً، وحتى أقصى محافظة المهرة شرقاً بطول 1460 كيلومتراً. ووفقاً لمعلومات «الأخبار»، فإن المملكة رفعت سقف مطالبها بشأن تلك المنطقة من عشرة كيلومترات إلى عشرين كيلومتراً بدعوى تأمين نفسها بوجه القدرات العسكرية المتعاظمة لحركة «أنصار الله». وبات إنشاء هذا الحزام، الذي يُفترض أن يشمل محافظات الجوف وصعدة وحجة، أولوية كبرى بالنسبة إلى السعودية، منذ أن فشلت في التوغّل داخل صعدة أواخر عام 2019، وتعرّضت لنكسة عسكرية في معركة وادي أبو جبارة التي انتهت بأسر نحو 3500 مقاتل من الميليشيات الموالية لها، وخسارة هذه الأخيرة عشرات الآليات العسكرية الحديثة والثقيلة، فضلاً عن تمكُّن قوات صنعاء من نقْل المعركة من صعدة إلى جيزان.
السعودية شرعت منذ عام 2003 في إنشاء جدار فاصل في مناطق تابعة لحجة وأخرى تتبع لصعدة
وكانت السعودية، التي شرعت منذ عام 2003 في إنشاء جدار فاصل في مناطق تابعة لحجة وأخرى تتبع لصعدة، قد عمدت، عقب سيطرة حركة «أنصار الله» على صنعاء، وقُبيل ثلاثة أشهر من اندلاع الحرب، إلى استكمال ذلك الجدار. إذ أعلنت المديرية العامّة لحرس الحدود السعودي، آنذاك، الانتهاء من توسيع «الحرم الحدودي» بمسافة 20 كيلومتراً عرضاً، بعدما جرى تجهيزه بأحدث التقنيات بشراكة بريطانية لمنع تجاوزه. مع هذا، تسعى المملكة اليوم إلى ما يشبه إعادة ترسيم للحدود المثبّتة بموجب «اتفاقية جدة» المُوقَّعة عام 2000 مع نظام الرئيس الراحل، علي عبد الله صالح. ويحذّر باحثون من أن التجاوب مع المطلب السعودي، الذي يستهدف إكساب المملكة نوعاً من «الانتصار» بعد ثماني سنوات من حربها في اليمن، سيتيح لها ضمّ مناطق واسعة من المحافظات الشرقية، وسيسلب اليمن حقّه في الرُّبع الخالي المليء بالثروات. كما أنه ينتهك حقوق سكّان المناطق الحدودية على الجانبَين، وفق ما تنبّه إليه دراسة لـ«مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية»، داعيةً، بدلاً من الإغلاق الدائم لتلك المناطق إلى «إنشاء أسواق مشتركة على جانبَي الحدود لتمكين السكّان المحلّيين من تبادل المحاصيل والمواشي في أيام محدودة من الأسبوع».
وفي الاتّجاه نفسه، يُعرب ناشطون يمنيون عن اعتقادهم بأن الحديث عن الضمانات الأمنية للسعودية سابق لأوانه، داعين حكومة صنعاء إلى محاذرة إقفال هذا الملفّ قبْل انسحاب قوّات التحالف السعودي – الإماراتي من اليمن، وإنهاء تدخّله بأشكاله كافّة، وخصوصاً أن اليمن لا يزال، بموجب قرارات مجلس الأمن، تحت الفصل السابع، ما يعني فتْح الباب أمام تدخّلات عسكرية مستقبلية من الخارج. ويشدّد الناشطون على ضرورة استغلال الهاجس الأمني لدى الرياض بالشكل الأمثل، بما لا يعيق أيّ استثمارات نفطية قادمة في محافظة الجوف أو المحافظات الأخرى.
(الاخبار اللبنانية)