جولةٌ تفاوضيةٌ جديدة بمحدّدات حاسمة: تحذيراتُ القائد كضمانات لإنهاء الوضع الراهن
العين برس/ تقرير
أفضَت اللقاءاتُ التي أجراها وفد الوساطة العُمانية في العاصمةِ صنعاءَ، خلال زيارته الأخيرة، إلى إعلانٍ عن الترتيب لجولة مفاوضات جديدة تهدفُ لمعالجة المِلف الإنساني، وبرغم غياب أجواء التفاؤل؛ نظراً لتجارِبِ الجولات السابقة، ولمعطيات الوضع الراهن، فَــإنَّ هناك مؤشرات تؤكّـد أن هذه الجولة ستكون على الأقل مختلفة عن سابقاتها من عدة جوانب، أبرزها السقف الزمني المحدود، وانعدام مساحة المماطلة والمراوغة والترحيل إلى وقت لاحق؛ وهو ما يعني أن فشل التوصل إلى حلول مُرضية في هذه الجولة سيقودُ مباشرةً إلى انتهاء مرحلة خفض التصعيد؛ الأمر الذي يشكِّلُ مؤشراً إيجابياً بالنسبة للشعب اليمني الذي أصبح يعرف جيِّدًا نوايا العدوِّ ومخطّطاته الالتفافية.
محدّداتُ الجولة التفاوضية الجديدة:
ضمن إعلانه عن جولة المفاوضات الجديدة التي يجري الترتيب لها، أوضح عضو الوفد الوطني المفاوض، عبد الملك العجري، أن صنعاء “تسعى لأن تكون هذه الجولة حاسمة في وضع حَــدٍّ لمعاناة الشعب اليمني، لا سيَّما لجهة الاستحقاقات الإنسانية؛ لأَنَّ استمرار هذه المعاناة هو استمرار للحرب بشكل آخرَ أكثرَ فتكاً وأشدَّ وطأً”.
هذا التوضيح يعني أن الجولةَ التفاوضيةَ الجديدة ستكون ذات إطارات ثابتة ومحدّدة مسبقًا، وقد تحدث محمد عبد السلام قبل أَيَّـام عن “إحياء العملية التفاوضية وفق رؤية واضحة تعالج الملفات الإنسانية الأكثر إلحاحاً”.
ومن خلال التصريحين يمكن القول إن من أبرز محدّدات جولة المفاوضات الجديدة هو أنها ستركّز بشكل أَسَاسي على الملف الإنساني؛ وهو ما يعني إغلاق الباب أمام محاولات العدوّ لتفخيخ المفاوضات بالاشتراطات والإملاءات السياسية التي تعمل الولايات المتحدة الأمريكية بشكل معلَن على ربطها بالقضايا الإنسانية، كربط المرتبات بالتفاوض مع المرتزِقة.
التركيز على المِلَفِّ الإنسانيِّ سيغلق البابَ أَيْـضاً أمام محاولات العدوّ لترويج توصيفات وعناوين مغلوطة للوضع، كعنوان “السلام” الذي تستخدمه دول العدوان ورعاتها؛ مِن أجل إيهام الرأي العام بأن الأطراف قد تجاوزت مرحلة القتال تماماً وأن المرحلة المتبقية هي مرحلة تفاوض فقط.
إلى جانب ذلك، تشير تصريحات الرئيس المشاط، خلال لقائه بالوفد العماني في صنعاء، إلى أن الجولة الجديدة ستكون ذاتِ سقف زمني محدّد، حَيثُ أوضح الرئيس أن “الوقت ليس مفتوحاً أمام العدوّ للتهرب”، وأكّـد أن “صبر الشعب اليمني أوشك على النفاد”؛ وهو ما ينسجم تماماً مع توصيف عضو الوفد الوطني عبد الملك العجري، للجولة التفاوضية بأنها ستكون “حاسمة”.
السقف الزمني المحدّد، وإن لم يكن معلَناً، من شأنه أَيْـضاً إغلاق الباب أمام محاولات دول العدوان ورعاتها لاستخدام عملية التفاوض كأدَاة لكسب الوقت فقط، وهي الاستراتيجية التي بات واضحًا أن العدوّ يعتمد عليها بشكل رئيسي للتعامل مع الملف اليمني، حَيثُ برهنت مرحلة الهدنة ومن بعدها مرحلة خفض التصعيد على أن دول العدوان تستخدم العملية التفاوضية كتكتيك لتجنب تداعيات استمرار العدوان والحصار والتجويع، و”تقييد” خيارات صنعاء العسكرية، والتفرغ لتنفيذ المؤامرات والمخطّطات التي تستهدف أمن ووحدة اليمن.
ويضمن السقف الزمني المحدّد للمفاوضات أَيْـضاً سدَّ الطريق أمام أية مساعٍ للالتفاف على مطالب الشعب اليمني من خلال تقديم صفقات و”عروض” جزئية، تنطوي على تقطير الاستحقاقات وتحويلها إلى أوراق للمساومة لكسب الوقت وإطالة أمد الجولة التفاوضية؛ لأَنَّ تقديم مثل هذه “الصفقات” لن يكون سوى دليل جديد على أن دول العدوان متمسكة بخيار المماطلة والمراوغة، وهو الأمر الذي حذر الرئيس المشاط في لقاءه مع الوفد العماني من أنه سيعود على دول العدوان بنتائج عكسية.
ويمكن القول وفقًا لما سبق إن الجولةَ التفاوضية الجديدة تعتبر في المجمل “فرصةً أخيرة”؛ وهو الأمر الذي يعني أن سلوك العدوان خلالها ستُبنى عليه تقييمات نهائية، وبالتالي فَــإنَّ مُجَـرّد استمرار السعوديّة بالتعاطي مع مطالب الشعب اليمني بنفس الأُسلُـوب السابق، سيكون كافياً للحكم بأن الرياض قد حسمت قرارها برفض تلك المطالب، أما الإقدام على أية خطوات عدائية جديدة خلال الفترة القادمة فسيكون بمثابة إعلان رسمي من جانب دول العدوان عن انتهاء مرحلة خفض التصعيد.
تحذيراتُ القيادة كضماناتٍ للحسم التفاوضي:
إلى جانب ما أوضحته تصريحاتُ رئيس الجمهورية والوفد الوطني، لا يخفى أن ملامحَ جولة التفاوض الجديدة، حدّدتها بشكل رئيسي التحذيراتُ الأخيرة لقائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، والتي جاءت زيارة الوفد العماني إلى صنعاء تفاعلاً معها في المقام الأول، وبالتالي فَــإنَّ ما سيواجهه العدوّ في المرحلة المقبلة لن يكون مُجَـرّد اختبار “تفاوضي” بسيط يمكن الالتفاف عليه بالمراوغة والمماطلة أَو الألاعيب، بل سيواجه مباشرة خطر انفجار الأوضاع وانتهاء مرحلة التهدئة التي يعوّل عليها كَثيراً.
وبالنظر مرةً أُخرى إلى طبيعة التحذيرات التي وجهها القائد في خطابه الأخير، يمكن القول إن دولَ العدوان -وعلى رأسها السعوديّة- لم يعد بوسعها التحجج بالتعرض لضغوط أمريكية، كما فعلت في جولات ماضية؛ لأَنَّ المسألة لم تعد تتعلق فقط بالتعاطي الإيجابي على طاولة التفاوض، بل بضرورة تنفيذ الخطوات العملية والالتزام بمتطلبات المرحلة، مهما كان الموقف الأمريكي؛ لأَنَّ قائد الثورة قد أوضح وبصورة لا تدع مجالاً للشك أن الرياض معنية بتحمل مسؤولية دورها كمنفذ مباشر للعدوان والحصار، وأنها لا تستطيع الاستمرار بتنفيذ الرغبات والتوجيهات الأمريكية دون التعرض لتداعيات هذا السلوك.
وبالتالي، فَــإنَّ جولةَ المفاوضات الجديدة لن تتيحَ لدول العدوان أيَّ مجال لإمساك العصا من المنتصف، بل سيكون عليها أن تقرّر ما إذَا كانت مصالحها الاقتصادية هي الأولوية أم مصالح الولايات المتحدة الأمريكية؛ لأَنَّ التداعيات لن تتأجل مرة أُخرى، وإن فشلت جولة المفاوضات، ستعود كُـلّ مخاطر ومخاوف المواجهة العسكرية دفعة واحدة.
وعلى الرغم من أن معظمَ المراقبين يستبعدون احتماليةَ أن تتدارك السعوديّةُ موقفَها خلال الجولة القادمة، فَــإنَّ تحذيرات القائد تجعل النتيجةَ في الحالتين إيجابيةً بالنسبة لصنعاء والشعب اليمني، طالما أن الوضع الراهن لن يستمر؛ لأَنَّ هذا الأخير هو “الأكثر فتكاً والأشد وطأ” على اليمنيين، بحسب تصريح عضو الوفد الوطني، عبد الملك العجري.
إجمالاً، يمكن القولُ إن تحذيراتِ قائد الثورة قد وضعت فعلاً حَدّاً للوضع الراهن بشكل مسبق، والفرصة الأخيرة التي تمثلها جولة المفاوضات الجديدة لا تأتي سوى لإتمام الحجّـة على دول العدوان ووضعها أمام اختبار نهائي يجعلها تختارُ المرحلة القادمة بنفسها، ويضع الوسطاء أنفسهم أمام حقيقة نواياها، وأمام السبب الحقيقي في تعثر مسار السلام منذ البداية.
صحيفة المسيرة