عن الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «من خرجَ من منزلهِ يريدُ زيارةَ الحسينِ بنِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ (عليهما السلام)، إنْ كانَ ماشياً كَتبَ اللهُ له بكلِّ خطوةٍ حسنةً، وحطَّ بها عنه سيّئةً، وإنْ كان راكباً، كتبَ اللهُ له بكلِّ حافر حسنةً، وحطَّ عنه بها سيّئةً، حتى إذا صارَ بالحائرِ كَتَبَهُ اللهُ من الصالحين، وإذا قضى مناسِكَه كَتَبَهُ اللهُ من الفائزين».
شكّلتْ زيارةُ الإمامِ الحسينِ (عليه السلام) في الأربعينَ مِفصلاً من تاريخِ الثورةِ الحسينيّةِ؛ ولذا يؤكّدُ الإمامُ الخامنئيُّ (دام ظلّه) على خصوصيّةِ زيارةِ الأربعينَ بقولِهِ: «إنّ بدايةَ الجاذبةِ المغناطيسيّةِ الحسينيّةِ، بدأتْ من يومِ الأربعينَ، وإنّ القوةَ الجاذبةَ التي دفعتْ جابرَ بنَ عبدِ اللهِ الأنصاريَّ إلى مغادرةِ المدينةِ والتوجُّهِ نحو كربلاء، هي الجاذبةُ الموجودةُ نفسها في قلوبِنا على مرِّ القرونِ المتماديةِ».
ومسألةُ زيارةِ الأربعينَ أمرٌ وضعتْهُ السيّدةُ زينبُ استمراراً لمعركةِ كربلاءَ، ولسعيِها في إحياءِ النهضةِ الحسينيّةِ؛ يقولُ الإمامُ الخامنئيُّ: «كانت هذه السياسةُ الولائيّةُ لزينبَ الكبرى بالتوجُّهِ إلى كربلاءَ – عند العودةِ من الشامِ – من أجلِ قيامِ هذا الاجتماعِ الصغيرِ – لكنّ الغزير بالمعنى – في ذلك الموضع».
فـأهمّيّةُ الأربعينَ تعودُ في الأصلِ إلى أنّ النهضةَ الحسينيّةَ، وبفضلِ التدبيرِ الإلهيِّ لآلِ بيتِ الرسولِ (صلى الله عليه وآله)، تخلّدتْ في هذا اليومِ وإلى الأبدِ، وأصبحتْ أساساً وقاعدةً. والتأكيدُ المتكرّرُ من أئمّةِ أهلِ البيتِ (عليهم السلام) على زيارةِ الإمامِ الحسينِ (عليه السلام) إنّما هو لأجلِ الحفاظِ على ذكرى الحقيقةِ وخاطرةِ الشهادةِ الحيّةِ في مقابلِ طوفانِ إعلامِ العدوّ؛ ولذا لأربعينيّةِ الإمامِ الحسينِ (عليه السلام) دورٌ تعرَّفَ من خلالِه بعضُ الأفرادِ إلى مقامِ أهلِ البيتِ (عليهم السلام)، فأصبحتْ قلوبُهم تنبضُ بمحبّةِ وعشقِ كربلاءَ، مضافاً إلى تعلُّقِهم بالتربةِ الحسينيّةِ والمرقدِ الطاهرِ لسيّدِ الشهداءِ (عليه السلام).
ومن مظاهرِ دعوةِ الأئمّةِ (عليهم السلام) لزيارةِ الحسينِ (عليه السلام) دائماً، ما وردَ من دعاءِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام) لزوّارِ جدِّه الحسينِ (عليه السلام): «يَا مَنْ خَصَّنَا بِالْكَرَامَةِ، وخَصَّنَا بِالْوَصِيَّةِ، ووَعَدَنَا الشَّفَاعَةَ، وأَعْطَانَا عِلْمَ مَا مَضَى ومَا بَقِيَ، وجَعَلَ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْنَا، اغْفِرْ لِي ولإِخْوَانِي ولِزُوَّارِ قَبْرِ أَبِي عَبْدِ اللَّه الْحُسَيْنِ (عليه السلام)، الَّذِينَ أَنْفَقُوا أَمْوَالَهُمْ، وأَشْخَصُوا أَبْدَانَهُمْ، رَغْبَةً فِي بِرِّنَا، ورَجَاءً لِمَا عِنْدَكَ فِي صِلَتِنَا، وسُرُوراً أَدْخَلُوه عَلَى نَبِيِّكَ صَلَوَاتُكَ عَلَيْه وآلِه، وإِجَابَةً مِنْهُمْ لأَمْرِنَا، وغَيْظاً أَدْخَلُوه عَلَى عَدُوِّنَا، أَرَادُوا بِذَلِكَ رِضَاكَ، فَكَافِهِمْ عَنَّا بِالرِّضْوَانِ، واكْلأْهُمْ بِاللَّيْلِ والنَّهَارِ، واخْلُفْ عَلَى أَهَالِيهِمْ وأَوْلَادِهِمُ الَّذِينَ خُلِّفُوا بِأَحْسَنِ الْخَلَفِ، واصْحَبْهُمْ، واكْفِهِمْ شَرَّ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ وكُلِّ ضَعِيفٍ مِنْ خَلْقِكَ أَوْ شَدِيدٍ، وشَرَّ شَيَاطِينِ الإِنْسِ والْجِنِّ، وأَعْطِهِمْ أَفْضَلَ مَا أَمَّلُوا مِنْكَ فِي غُرْبَتِهِمْ عَنْ أَوْطَانِهِمْ، ومَا آثَرُونَا بِه عَلَى أَبْنَائِهِمْ وأَهَالِيهِمْ وقَرَابَاتِهِمْ. اللَّهُمَّ إِنَّ أَعْدَاءَنَا عَابُوا عَلَيْهِمْ خُرُوجَهُمْ، فَلَمْ يَنْهَهُمْ ذَلِكَ عَنِ الشُّخُوصِ إِلَيْنَا، وخِلاَفاً مِنْهُمْ عَلَى مَنْ خَالَفَنَا، فَارْحَمْ تِلْكَ الْوُجُوهَ الَّتِي قَدْ غَيَّرَتْهَا الشَّمْسُ، وارْحَمْ تِلْكَ الْخُدُودَ الَّتِي تَقَلَّبَتْ عَلَى حُفْرَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّه (عليه السلام) ، وارْحَمْ تِلْكَ الأَعْيُنَ الَّتِي جَرَتْ دُمُوعُهَا رَحْمَةً لَنَا، وارْحَمْ تِلْكَ الْقُلُوبَ الَّتِي جَزِعَتْ واحْتَرَقَتْ لَنَا، وارْحَمِ الصَّرْخَةَ الَّتِي كَانَتْ لَنَا. اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَوْدِعُكَ تِلْكَ الأَنْفُسَ، وتِلْكَ الأَبْدَانَ، حَتَّى نُوَافِيَهُمْ عَلَى الْحَوْضِ يَوْمَ الْعَطَشِ».
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين