العين برس:
عمليات استكمال بناء سدّ النهضة تُحقق تقدماً على الرغم من الظروف الداخلية التي تعيشها إثيوبيا، وخصوصاً بعد الحرب التي نشبت بين السلطة المركزية وإقليم تيغراي، عام 2020.
حدثان في إثيوبيا زادا في حدة التوتر بينها وبين السودان ومصر. الحدث الأول هو قيام السلطات الإثيوبية بعملية الملء الثالثة لبحيرة السد، التي بلغ حجم التخزين فيها، بعد هذه العملية، نحو 22 مليار متر مكعب من المياه من أصل 74 مليار متر مكعب تمثّل السعة التخزينية لبحيرة السد. واكتفت إثيوبيا، في هذه المرحلة، بإخطار الدولتين بعملية الملء من دون أن تتجاوز موقفها السلبي المتمثّل برفضها العمل الثلاثي المشترك في ملء السد وتشغيله، وفق اتفاق قانوني ملزم.
انحصر ردّ فعل السودان في تصريح لوزير الريّ المكلَّف، الذي عبّر فيه عن رفض تمادي إثيوبيا وانفرادها بالقرار فيما يتصل بعمليات ملء سد النهضة وتشغيله، الأمر الذي يؤثّر في السدود السودانية القائمة على النيل الأزرق، وفي دورها، بل حتى في سلامتها. في المقابل، عبّرت مصر عن رفضها الخطوة الإثيوبية، واكتفت بتقديمها شكوى رسمية إلى الأمم المتحدة.
يُذكَر أن عمليات استكمال بناء السدّ تُحقّق تقدماً على الرغم من الظروف الداخلية التي تعيشها إثيوبيا، وخصوصاً بعد الحرب التي نشبت بين السلطة المركزية وإقليم تيغراي في تشرين الثاني/نوفمبر 2020، بحيث اكتملت الأعمال المدنية بنسبة 95%، وبلغت نسبة الأعمال في المجال الكهروميكانيكي 61%، وبلغت نسبة التخزين 29%.
والسدّ، الذي تمّ تصميمه لغرض وحيد هو إنتاج 6 آلاف ميغاواط من الطاقة الكهربائية عند اكتماله عام 2024، خطا خطوة جديدة في تحقيق هذا الهدف، بحيث افتتح آبي احمد، رئيس الوزراء الإثيوبي، منتصف هذا الشهر، المرحلة الثانية من مراحل إنتاج الكهرباء من هذا السدّ، والتي بلغ إنتاجها 270 ميغاواطاً من الطاقة الكهرومائية، الأمر الذي يجعل إجمالي الطاقة المولَّدة من سد النهضة حتى الآن 540 ميغاواطاً من توربينين، تمّ تشغيل الأول منهما في شهر شباط/فبراير من هذا العام.
أمّا الحدث الثاني، فيتمثّل بإعلان إثيوبيا إسقاطها طائرة داخل أراضيها تحمل أسلحة لجبهة تيغراي، التي دخلت معها في حرب منذ 21 شهراً، وأشارت إلى أن هذه الطائرة قَدِمَت من السودان. وأضافت أن الطائرة تابعة لمن وصفتهم بالأعداء التاريخيين لإثيوبيا، كأنها تشير في ذلك إلى دولة المصبّ الثانية، وهي في ذلك توجّه اتهاماً إلى الدولتين اللتين تجاهلتا الخبر وما يحمله من اتهامات ضمنية.
يأتي اتهام الحكومة الإثيوبية للسودان ولمصر بدعم جبهة تيغراي، في وقت تَجَدَّد القتال بينها وبين الجبهة، في انتهاك واضح لاتفاق وقف إطلاق النار المعمول به منذ شهر آذار/مارس المنصرم، بحيث اتهمت الحكومة جبهة تيغراي بالقيام بعمليات عسكرية على المحور الشرقي من اتجاه مناطق بيسوبر وزوبل وتيكولشي، واتهمت الجبهة الحكومة بخرق اتفاق الهدنة، حين نفّذت هجوماً على قواتها التي صدّت الهجوم وتعاملت معه.
تُنذر هذه العملية بإمكان تجدُّد القتال بين الطرفين واتساع مسرحه، في وقت تعذّر إطلاق عملية سياسية تضع حداً لهذه الحرب التي بناها طرف تيغراي على قاعدة تحقيق مكاسب استراتيجية تحقق له هدفاً من هدفين، هما استعادة نفوذ إقليم تيغراي ودوره في إثيوبيا، أو تحقيق هدف الاستقلال وإنشاء دولة مستقلة، الأمر الذي يجد رفضاً من السلطة وحلفائها الذين يعملون على إخضاع إقليم تيغراي للسلطة المركزية، ووضع حدّ لطموح تيغراي، حاضراً ومستقبلاً.
إلى جانب هذين الحدثين المهمين، أعلن برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، الأسبوع الماضي، أن نحو نصف سكان إقليم تيغراي يعانون نقصاً حاداً في الغذاء، وتضربهم المجاعة بسبب الحرب وبسبب حصار السلطة المركزية للإقليم وقطع الخدمات عنه.
من الواضح لمتابعي الشأن الإثيوبي الحالة الاستثنائية التي تعيشها إثيوبيا في حقبة حكم آبي أحمد، التي نشبت خلالها حرب داخلية بين إقليم تيغراي والسلطة المركزية، وحربٌ ثانية في إقليم بني شنغول، وحربٌ ثالثة ضد السلطة المركزية في إقليم الأورومو، وأنّها تعيش أزمة كبيرة، سياسياً واقتصادياً، كما أنّها دخلت في نزاع مسلَّح مع السودان في منطقة الفشقة السودانية التي حررها الجيش السوداني من القبضة الإثيوبية العام الماضي.
على الرّغم من كل هذه الأزمات، فإنّ السلطة الإثيوبية تمضي في تنفيذ مشاريعها ومخططاتها من دون أن تعبأ بمشاغل شركائها الإقليميين، ولا تضع اعتباراً لمشاغل شركائها في الوطن وهواجسهم، ولا يسندها في مسيرتها هذه غير بعض الدعم الإقليمي الذي يشكّل دعم دولة خليجية عصبه وسنامه.
في المقابل، لا تبذل دولتا المصبّ كل جهدهما من أجل حمل إثيوبيا إلى منصة التوافق المفضي إلى توقيع اتفاق يُلزم الدول الثلاث بالشراكة والتعاون في عمليات ملء سد النهضة وتشغيله، لتُنهي هذه الدول حالة الصراع وتدخل مرحلة التعاون المثمر في مجالات متعدّدة يوفّرها قيام السد.
على دولتي المصبّ ألّا تكتفيا بالإدانة أو الشجب، بل عليهما القيام بحملة سياسية مشتركة في أفريقيا بغرض شرح موقفيهما بشأن قضية السدّ، ومن أجل تعبئة الموقف الأفريقي وتوظيفه بالقدر الذي يفرض على الأطراف الثلاثة مبدأ التعاون من خلال شراكة قانونية شاملة، تشمل عمليات إدارة السد والشراكة في الفرص التي يوفّرها، فضلاً عن الفرص التي يوفّرها نهر النيل، ولاسيما فيما يتصل بالاستثمار المشترك في عمليات النقل النهري، والثروة السمكية، ومشاريع الأمن الغذائي المتعددة.
المصدر: الميادين