بعد سقوط رهاناتها في إيران.. المنظمات الإرهابية أكثر انقساماً وتهميشاً
العين برس/ تقرير
أسامة أبو دراز
عامٌ على محاولات إثارة الشغب وزعزعة الأمن والاستقرار في إيران، يدٌ غربية إسرائيلية واضحة لم تنجح في أهدافها، ليتضح تداعي التنظيمات الإرهابية الموظّفة غربياً أمام صلابة الدولة ومؤسّساتها والالتفاف الشعبي حولها.المنظمات التي حاولت إثارة الفوضى في إيران، مُنيت بفشلٍ ذريع أمام تماسك وصلابة الدولة الإيرانية، مما أدّى إلى حديثٍ بشأن نهايتها كأدواتٍ وظيفية غربية.
المنظمات التي حاولت إثارة الفوضى في إيران، مُنيت بفشلٍ ذريع أمام تماسك وصلابة الدولة الإيرانية، مما أدّى إلى حديثٍ بشأن نهايتها كأدواتٍ وظيفية غربية.
“على ضوء الصور التي تأتي من إيران، هناك حلم ورغبة دائمة في إسرائيل، أنّه ها هي إيران تنهار من الداخل، هذا الحلم ما زال منذ الثورة عام 1979، لكنّني اليوم أستطيع قول الآتي: في المؤسسة الأمنية هم متشائمون من فرص نجاح الاحتجاج في أن يوصل إلى تغيير”.
– أور هيلر، المعلّق العسكري في القناة الـ”13″ الإسرائيلية، ضمن جوابه على سؤال عمّا إذا كانوا في المؤسّسة الأمنية الإسرائيلية يتابعون الأحداث في إيران، في 28 أيلول/سبتمبر 2022.
الذي عوّل عليه أعداء إيران.. “بات أكثر تصدعاً”
منذ عامٍ مِن اليوم تحديداً، شهدت عدّة مدنٍ إيرانية احتجاجات عقب حادثة وفاة الشابة مهسا أميني، لتتحوّل إلى اضطراباتٍ وأعمال شغبٍ واسعة طالت القوى الأمنية والمؤسّسات الرسمية والمرافق العامة في البلاد، بالتزامن مع تسارعٍ في دعم وتبنّي قوى ودول معادية للجمهورية الإسلامية للعنف الذي تخلّل حركة الاحتجاجات.
التزمت الدولة في إيران، بمختلف مؤسّساتها، بالتصدي بحزمٍ لحركة الشغب والتخريب ومحاولات تغييب الأمن والاستقرار، مُنطلقةً مِن ضرورة تضييع الفرصة على استغلال الأحداث، الهادف إلى سحب البلاد باتجاه الفوضى وصولاً إلى إضعافها وضرب طموحاتها، حيث عملت على احتواء هذه الاضطرابات تأسيساً على هذا الإدراك، مما ساعد في إنجاح جهودها بتحقيقها كشف المُخطَّط الفعلي.
وقبل أن يمضي عامٌ كامل فقط على الأحداث التي أرادها الغرب خراباً في إيران، شهدت أحزاب ومنظمات المعارضة الإيرانية انسحاباتٍ لقادتها، وهو الأمر الذي ينذر بتراكم تفاعلاته بانهيار ائتلاف المعارضة.
أثارت أسماء أبرز المنسحبين، شيرين عبادي، ومسيح علي نجاد، وعبدالله مهتدي من حزب “كومله”، وحامد إسماعيليون، هزّة كبيرة في صفوف كل الذين عوّلوا على تشكيل تجمّعهم ورقةً يتمّ استخدامها لتكرار إشعال الشارع الإيراني، وذلك بعد أقل من شهرٍ فقط على تشكيل ما سُمّي مجموعة “التحالف من أجل الديموقراطية والحرية في إيران”، حيث ندّد إسماعيليون بـ”أساليب المجموعة غير الديموقراطية”، في انتقادٍ لمؤسّسها، رضا بهلوي.
من جهتها، أشارت الممثّلة والناشطة، نزانين بونيادي، والتي كانت أيضاً عضواً في الائتلاف الأساسي إلى أنّ “الانقسامات القديمة” التي تعاني منها المنظمات، والتي سنتطرق إليها في جزءٍ لاحق، “توسّعت وتعمّقت بعد تشكّل الائتلاف”، لتكتب في مقالٍ نشره موقع “إيران واير”: “في نهاية المطاف، أثبتت المعارضة بأنّها أكثر تصدّعاً من النظام، وهو موحّد”.
مجموعات لا تمثّل مطالب شعبية
المنظمات الإرهابية والانفصالية، وفي محاولة للمتاجرة بحادثة وفاة أميني، عمدت بوضوح إلى نشر روايات زائفة في محاولة يائسة للتجييش ضد الحكومة الإيرانية، وادعت أنّ الإيرانيين ينادون بـ”إسقاط النظام”، مع الإشارة إلى أنّ التظاهرات التي شهدتها إيران والداعمة لطهران سرعان ما كشفت زيف ادعاءات هذه المنظمات التخريبية.
من هنا ظهرت المشكلة المركزية لهذه المنظمات في خياراتها، وفي اصطفافاتها التي جعلتها في الجهة المقابلة مِن الشعب الإيراني الذي يُميّز أعداءه مِن أصدقائه، قبل أن تكون مضادةً لنظام الجمهورية الإسلامية، وخصماً لمؤسّساته وقاعدته الشعبية العريضة.
ولفتت الأحداث إلى خللٍ في الإدراك لدى مُختلف التنظيمات والحركات التي تُعادي الجمهورية الإسلامية، حيث بدا واضحاً أنّها لا تتحرك استناداً إلى مطالب وتوجهات الشعب الإيراني، كما لا تدرك طبيعته الرافضة للتدخلات والإملاءات الخارجية، خصوصاً عندما كان واضحاً أنّ سلوكها وخطابها السياسيين يتناغمان بشدّة إلى درجة الذوبان في المطالب الغربية والخطاب المعادي للبلاد.
يُعرَف عن الشعب الإيراني اعتزازه الكبير بهويته القومية والدينية، والتزامه العالي بوطنيته وانتمائه، وانطلاقاً مِن هذه المعرفة، يتضح سبب عدم تلبية الجمهور الإيراني لمطالب التنظيمات والحركات الإرهابية والانفصالية التي تعالت في فترة الاحتجاجات وحولها، حيث إنّ ارتباطات هذه المجموعات بالقوى الغربية وكيان الاحتلال الإسرائيلي، إضافةً إلى إصرارها على ضرب الأمن والاستقرار في البلاد خدمةً للمشاريع المعادية، قد شكّلت وعياً مجتمعياً أمام أي محاولاتٍ للخداع.
ولم يحتج الشعب الإيراني لمعرفة الذين يدعون لتحويل الاحتجاجات المطلبية إلى كرةِ نارٍ تتدحرج لتنشر الفوضى في البلاد، لأكثر مِن تصريحات مايك بنس، نائب الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، والتي وصف فيها زعيمة منظمة “خلق”، مريم رجوي، أنّها “امرأة غير عادية، ومصدر إلهامٍ للعالم”.
تفكّك داخلي وانتهاكات.. ثمّ تخلٍّ دولي
بهدف إدراكٍ أكثر دقّة للواقع الذي تعيشه المجموعات المعادية للجمهورية الإسلامية، والذي ساهم بشكلٍ أساسي في ضعفها وعدم تشكيلها لمعسكرٍ سياسي حقيقي، يجب التوضيح أنّها تنقسم إلى عدة مجموعات، تتراوح بين العرقية والقومية والمطالبة بعودة الملكية واليسارية وبعض الإسلاميين التقدميين.
كما وتوجد درجة عالية من الاختلافات الأيديولوجية، حتى داخل هذه المجموعات نفسها، إضافةً إلى أنّها تتكون أيضاً من العديد من الشخصيات التي لا تتحالف بالضرورة مع أيٍ من الأحزاب والمجموعات المعروفة، لكنّها في الوقت نفسه تُعادي نظام الجمهورية الإسلامية، وتلتقي ضمن الأجندات التي تضعها الدول الغربية وأجهزة استخباراتها.
الخلافات داخل، وفيما بين، الجماعات والأحزاب والتشكيلات التي عملت على محاولة ضرب الأمن الإيراني وأخذ البلاد إلى عدم الاستقرار، أدّى إلى عدم تنسيقها إجراءاتها داخل إيران وخارجها، وذلك حسبما انتقد معهد “واشنطن” للأبحاث الأميركي، في تقريرٍ نشره للإضاءة على ما أسماه “أسباب ضعف المنظمات الإيرانية”، في شباط/فبراير الماضي.
ووفقاً لتقرير المعهد، فإنّ مثل هذه الخلافات “تُحبط أي عملٍ للمنظمات لتشكيل قيادةٍ قادرة على التأثير في البلاد”، وهو المشكلة الأساسية البنيوية في عملها، خصوصاً مقابل ما يبدو واضحاً ومضموناً مِن تماسكٍ يُقدّمه نظام الجمهورية الإسلامية.
صحيفة “الغارديان” البريطانية كانت قد تطرّقت إلى منظمة “خلق” تحديداً، في تقريرٍ نشرته بخصوص انتهاكاتٍ قامت بها المنظمة ضد مواطنين إيرانيين، حيث طرحت تساؤلاً بشأن “خلق”، “هل هم إرهابيون أم طائفيون أم أبطال الديمقراطية الإيرانية؟”.
ولفتت الصحيفة البريطانية، استناداً إلى تقريرٍ كانت قد أعدّته مجموعة مِن الباحثين التابعين لمؤسّسة “RAND” البحثية الأميركية، إلى أنّ “معارضتهم لطهران جعلتهم مفضلين لدى المتشددين في البيت الأبيض في عهد ترامب”.
ومع تواصل إصدار تقارير تعتني بكشف انتهاكاتٍ واسعة لـ”خلق”، تحدّث موقع “Vox” الإنكليزي، في حزيران/يونيو الماضي، عن انتهاكاتٍ إنسانية حصلت داخل معسكرات المنظمة في ألبانيا، حيث روى العضو السابق في المنظمة، مصطفى بهشتي، تجربته التي تعرّض لها خلال 18 عاماً في معسكرات “خلق” على تلفزيونٍ ألباني.
بهشتي صرّح للتلفزيون الألباني بأنّ “كل الحرية وحقوق الإنسان مفقودة في المعسكر”، مشيراً إلى أنّ “العديد من النساء والرجال يتعرضون للاغتصاب كل يوم”، مُضيفاً أنّ “كثيراً مِن جنود المنظمة عاشوا في أميركا، وكانوا مهندسي تكنولوجيا معلومات، وحتى الآن هناك أشخاص في أميركا يعملون لصالحهم، ولديهم الكثير من المال”.
ولاحقاً، أواخر حزيران/يونيو الماضي، ذكرت مجلّة “Responsible Statecraft” الإلكترونية، التابعة لمعهد “كوينسي للدراسات” الأميركي، أنّه أصبح من الواضح أنّ “القادة الغربيين ينظرون إلى منظمة “خلق” على أنها عائق أكثر من كونها أصلاً”، مشيرةً إلى أنّ المنظمة تطورت في ألبانيا إلى نوع من “دولة داخل الدولة”.
ووصل التوتر في العلاقات الغربية مع “خلق”، إلى منع ألبانيا رئيسة المنظمة، مريم رجوي، من دخول أراضيها، وذلك بموجب حكمٍ قضائي أقرّته سلطات البلاد، وذلك بعد أنّ اقتحمت الشرطة الألبانية مقر “خلق” في العاصمة تيرانا، وصادرت أجهزة الكمبيوتر ومحركات الأقراص الثابتة فيه والخوادم، مؤكّدةً أنّ ذلك نتيجةً “لانتهاكاتٍ وأعمال إرهابية قامت بها المنظمة”.
يُذكر أنّ خلافاتٍ أخرى تصاعدت بين الأحزاب والجماعات الكردية الانفصالية أيضاً، أبرزها الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، و”كومله” اليساري، والتي تتخذ من بعض مناطق إقليم كردستان العراق الحدودية مع إيران مقراً لها، وتنشط سياسياً وأمنياً وعسكرياً هناك، حيث بلغت حالة الخلافات مرحلة التصادم والاشتباك المسلح، كما حصل في 22 حزيران/يونيو الماضي.
الجمهورية الصلبة.. ثباتٌ أفشل الفوضى
وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، كان قد صرّح لصحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، في 28 أيلول/سبتمبر 2022، بأنّ إيران “ليست مكاناً للانقلابات العسكرية ولا للثورات الملونة”، مؤكّداً وجود “فرقٍ بين الاحتجاج وإثارة الاضطرابات والشغب”.
حديث الوزير الإيراني يثبت وضوح رؤية إيران الرسمية، التي تفسّر كيف أدّى التعامل الناجح مع حركة الاحتجاجات التي حاول أعداء إيران استغلالها، إلى الوصول لاحتواء الأحداث أمنياً، وسياسياً، واجتماعياً.
لا يُقرأ التراجع والفشل الكبير الذي مُنيت بها خطوات وسلوكيات المنظمات والحركات الإرهابية والانفصالية بمنأى عن حراك مُختلف المؤسّسات الإيرانية، مِن وزارة الخارجية وحراكها الدبلوماسي، إلى وزارة الأمن والسلطة القضائية ومختلف الأجهزة والأسلاك الأمنية، والتي كشفت شبكات تجسّسٍ وتخريب مرتبطة بأجهزة استخبارتٍ خارجية.
أواخر حزيران/يونيو الماضي، وبعد الاقتراب مِن مرور عامٍ على أحداث الشغب وإثارة الفتنة في إيران، صرّح رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، اللواء محمد باقري، بما يمكن أن نطلق عليه تأكيداً في إفشال كلّ مشروعٍ لضرب استقرار البلاد، حيث قال إنّ “مصير منظمة خلق ينبغي أن يكون درساً للمعارضة التي أدارت ظهرها لوطنها وشعبها، وتسعد بدعم أعداء الشعب الإيراني”، مُشدّداً على أنّه “لا توجد حكومة أوروبية مستعدة لتوفير المأوى لزمرة المرتزقة”.
يُذكر أنّه بالتوازي مع الأحداث آنذاك، قامت مختلف المؤسّسات الرسمية الإيرانية بممارسة أدوراها ومسؤولياتها بمستوىً عالٍ مِن المسؤولية والإنجاز، حيث يجدر التذكير باعتقال النيابة العامة الإيرانية في مدينة ساري التابعة لمحافظة مازندران شمالي إيران، لعناصر تابعة لتنظيم “داعش” وحزب “كومله” الإرهابيين، وذلك خلال الأيام الأولى لأعمال الشغب في المدينة.
ويقوم حزب “كومله” بتنفيذ دورٍ على الأرض في إيران، بحسب تصريحاتٍ إسرائيلية سابقة، وهو الأمر الذي أكّدته وزارة الأمن الإيرانية، بأنّ العناصر الذين تمّ اعتقالهم حينها، “مدربون على إثارة أعمال الشغب، وقد هاجموا منشآتٍ حكومية وأموالاً عامة تنفيذاً لتعليمات أعداء الثورة الإسلامية”.
ويُشار إلى أنّ وزارة الأمن الإيرانية، أعلنت أواخر آب/أغسطس الماضي، عن تفكيك شبكةٍ إرهابية تابعة لـ”إسرائيل” تعمل في عدّة محافظات في البلاد، وتجهّز لأعمال إرهابية تفجيرية، كاشفةً في بيانٍ لها، أنّ “الشبكة تابعة لإسرائيل، وتضم 14 شخصاً”، وأنّه قد تمّ ضبط 43 قنبلة “قوية وجاهزة للانفجار” مع الأشخاص المكوِّنين للشبكة.
ومع مرور عامٍ على وفاة الشابة أميني، وبداية الأحداث التي تطورت سريعاً آنذاك، يبدو أنّ الدروس التي حاولت الجمهورية الإسلامية إيصالها للمنظمات والأحزاب التي تعمل ضد البلاد، لم تُثمِر، فقد أعادت هذه المنظمات خطابها التحريضي الخاوي، وكرّرت نفسها في مسرحيةٍ مكشوفةٍ جديدة، حيث تمّ تناقل أخبارٍ عن احتجاز والد أميني، ليؤكّد مصدرٌ لوكالة “إيرنا” الرسمية الإيرانية، السبت، بأنّه غير محتجز، نافياً ما روّجته وسائل إعلامٍ معارضة، وواصفاً إياها بـ”الكاذبة”.
أصبحت مشكلة المعادين للثورة الإسلامية الإيرانية واضحة، هي هم أنفسهم، إذ إنّ من يحاولون تقديم أنفسهم للشعب الإيراني كبديل عن الجمهورية الإسلامية، لا يستطيعون الانفكاك عن مشغّليهم المعادين لإيران وشعبها وطموحاتها ومقدراتها، كما لا يُحقّقون فيما بينهم أي مستوىً مِن الإجماع، سوى في العداء العبثي للدولة، وهي المشكلة التي تُعتبر سر فشل جهودهم، قبل أن تُفشلها جهود وإصلاحات والتزام الدولة.