العين برس / مقالات
علي عبد الرحمن الموشكي
إن من يعيش بعيدًا عن منهجية الله لا يشعر بحلاوة الحياة , ويكون عرضة لأهواء ورغبات الدنيا، وإن من يقترب أكثر فأكثر ويتلمس واقع الحياة من حوله يجد أنه لا بد من منهج وعلم لتكتمل مسيرة الحياة، وإن من يسير وفق منهجية الله ومقتدياً بأعلام الهدى من آل البيت -عليهم السلام-، يكون متمسكاً بصراط الله المستقيم الذي جعل مسيرة تحَرّكهم في واقع الأُمَّــة نوراً وبصيرةً يستضاء به في ظلمات الحياة ودهاليز النفاق وتدليس الحق بالباطل، ولا يسد كُـلّ ما يشبع حاجته ورغباته وتتحقّق في واقع الإنسان القناعة والرضا والاستقرار النفسي، إلَّا حين يجتمع الركيزتين الأَسَاسيتين في واقع الأُمَّــة، الركيزة الأولى: المنهجية القرآنية؛ لأَنَّ القرآن هو الآيات البينات والنور والبصيرة وتتحقّق من خلال العمل بتوجيهات الله وتنفيذ ما أمرنا به واجتناب ما نهانا عنه، والقرآن الكريم هو صالح لكل زمان ومكان به تستقيم الحياة لمن يسير وفق توجيهاته، يعرف من خلاله كُـلّ معاني العبودية لله سبحانه وتعالى، ويكشف لنا أعداء الأُمَّــة، ويوضح لنا من هم المنافقون والكاذبين والظالمين وَالمستكبرين، يشتمل على العديد من الوقائع والحقائق والأحداث التي تمدنا بتجارب الأمم السابقة وكيف كان تعاملهم ومَـا هو الذي جعلهم يستحقون عذاب الله ويعطينا دروساً كثيرة نستفيد منها في واقع حياتنا حول تلك الأمم، هو منهجية للبشر جميعاً وأختص الله العرب بالذات بمهمة إيصال هذا الدين للأُمَّـة في كُـلّ أرجاء العالم، وأعطى الله سبحانه وتعالى العرب وهيأ الظروف لكي تكون شبه الجزيرة العربية مكاناً يتوسط العالم حتى يستطيعون وبصورة سهلة إيصال دين الله ومنهجيته حتى تخرج الناس من الظلمات إلى النور، أن القرآن الكريم بحر لا يُدرَك قعره.
الآخرين درسوا القرآن وتعمقوا بدراسة القرآن ونفذوا وعرفوا السنن وعرفوا كيف تكون لديهم رؤية عملية فكانوا نموذجاً راقياً في واقع الحياة المادية، بينما الأُمَّــة القرآنية استطاع شياطين الأنس من حرف مسار الأُمَّــة من حرف مسار الولاية لأولياء الله الذين أمرنا الله بتوليهم، وتبنوا العديد من الأفكار الشيطانية حتى تنامت وكبرت في واقع الحياة وأصبحت الأُمَّــة مفرقة ومدجنة ومتجزئة وطوائف؛ لأَنَّ من هندس الأُمَّــة جعلها في تيهٍ فكري وثقافي منذ ذلك التاريخ إلى اليوم، أصبحت الأُمَّــة في ضلالٍ فكري وثقافي لا تستقيم حياتها الدينية ولا تجتمع على منهجية.
الركيزة الثانية: القيادة، إن الله سبحانَه وتعالى يصطفي ويختارُ وبعنايةٍ الرسلَ والأنبياءَ والصالحين ويهيِّئُ الظروفَ المناسبةَ لهم من خلال تنزيههم عنِ اللهو والخطأ والالتزام الأخلاقي ويكونون من المستضعفين، من عامة الناس من البشر، يحملون منهجية إخراج البشرية من واقعٍ مأساوي يعيشون فيه إلى نور وبصيرة ويواجهون قوى الضلال والشرك والنفاق في واقع الحياة، الشهيد القائد -رضوان الله عليه- ({إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ} تهتدون بهديه، تسيرون على تعليماته ووفق خططه في هذه المواجهة، أنتم يا من تريدون أن تكونوا حزبه لتغلبوا، وليكم الله ورسوله والذين آمنوا علي بن أبي طالب، فتولِّي علي بن أبي طالب هو تولِّي قُدوة، تولِّي ولي أمر، تولِّي هادٍ للأُمَّـة من بعد نبيها -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- [عَلَم واحد للأُمَّـة بعد نبيها، لم يقل علي، وفلان، وفلان، وفلان]، الولاية التي لا تصح إلاّ لعَـلَم واحد، هل يمكن أن يكون هناك أكثر من قائدٍ واحدٍ لكتيبة واحدة، أكثر من قائدٍ لشعب واحد، أكثر من قائدٍ لأمةٍ واحدة؟ أليس هذا يوجد خللاً؟
البعض قد يقول: لماذا لم يقل فلان؟ لماذا لم يقل مَلِككم أَو رئيسكم أَو زعيمكم: الله ورسوله وعلي، أَو حتى يقول والذين آمنوا بعد ما يقول زعيمكم؟ لماذا قال: (وليكم)؟
يجب أن نفهم كيف يجب أن تكون العلاقة، وكيف هي العلاقة فعلاً من وجهة نظر القرآن، وعلى وفق رؤية الإسلام، كيف هي العلاقة بين الله ملكنا وبيننا نحن عبيده وشعبه -إن صح التعبير- ليست العلاقة بيننا وبين الله، ولا بيننا وبين رسوله، ولا بيننا وبين علي على نمط العلاقة بيننا وبين الرئيس أَو الْمَلِك أَو الزعيم الفلاني هل تفهمون هذه؟ العلاقة بيننا وبين الله هي علاقة أسمى وأرفع، بيننا وبين رسول الله -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- علاقة أسمى وأرفع، بيننا وبين علي -عليه السلام- كذلك علاقة أسمى وأرفع، بيننا وبين أئمة أهل البيت كذلك علاقة أسمى وأرفع من هذه.