من يسيطر على السماء، يسيطر على الأرض، والدولة العظمى التي تخسر معركة السماء، يميل ميزان القوى ضدها على الأرض.
تناقلت وسائل إعلام ناطقة بالعربية، الأسبوع الفائت، تقارير عن تراشق إعلامي صيني-أميركي اتهمت فيه وكالة “ناسا” الأميركيةُ الصينَ بالسعي إلى احتكار السيطرة على القمر، وحرمان الدول الأخرى من موارده، واتهمت فيه الصينُ الولايات المتحدةَ بتأسيس “ناتو” جديد في الفضاء، وتحويله إلى ساحة حرب.
قد يبدو الالتفات إلى الصراع المستعر حالياً بين القوى العظمى في كوكبنا للسيطرة على الفضاء الخارجي نوعاً من الكماليات الذهنية، أو انخراطاً في رياضات نخبوية مرفهة، في وقتٍ يعاني كثيرون، في عدة أقطار عربية، من الحرمان من أبسط أساسيات الحياة. وربما تبدو مناقشة أزمات ليتر البنزين وجرة الغاز وربطة الخبز، وما شابه أولى من الخوض في الجغرافيا السياسية للكواكب والكويكبات والمذنبات البعيدة.
لكن ضراوة المنافسة على الفضاء الخارجي اليوم بين الغرب وتحالفاته، من جهة، والقوى الصاعدة، مثل روسيا والصين وتحالفاتهما، من جهةٍ أخرى، في ظل موجة ارتفاع أسعار وانكماش اقتصادي، أي موجة ركود تضخمي تكاد تجتاح الاقتصاد العالمي، وعلى خلفية صراعات إقليمية تنذر بالتحوّل إلى حروب كبرى، من أوكرانيا إلى تايوان إلى المشرق العربي، نقول إن ضراوة تلك المنافسة، إن كانت تؤشر على شيء، فإنما تؤشر على ازدياد أهمية الفضاء الخارجي، مواردَ ومواقعَ، لمن يسعى أن تكون له اليد العليا على كوكب الأرض.
ظلال الأرض الجغرافية-السياسية في الفضاء الخارجي
تسعى الولايات المتحدة، بناءً على ذلك، إلى حشد دول العالم خلف “ناسا” في استكشاف القمر والمريخ وكواكب أخرى، تحت عنوان “اتفاقيات أرتميس”، الموضوعة عام 2020، والتي يتضمن أحد بنودها تحديد “مناطق أمان” على الكواكب البعيدة، يفترض بـ”القوى الأخرى” تجنبها، وهو ما قرأته الصين وروسيا تحديداً “مناطق نفوذ استعماري غربي” في الفضاء الخارجي.
كذلك، كان من مخرجات “الشراكة بلا حدود” بين الصين وروسيا، والتي أعلِنت عقب زيارة الرئيس بوتين للرئيس شي جين بينغ، تعزيز التعاون الفضائي بين البلدين في مواجهة “اتفاقيات أرتميس”، وتوسيع شبكة تحالفات البلدين، فضائياً، بدعوة دول العالم للانضمام إلى “محطة أبحاث القمر الدولية”، التي بدأ العمل على تأسيسها في صيف العام الفائت كمحطة أبحاث على سطح القمر يعمرها بشر (روس وصينيون وحلفاء).
ليس هروباً إلى الفضاء الخارجي، إذاً، السعيُ المحمومُ لكسب قصب السبق على القمر والمريخ وأبعد. فمن يسيطر على السماء، يسيطر على الأرض. والدولة العظمى التي تخسر معركة السماء، يميل ميزان القوى ضدها على الأرض. ومن يمتلك رؤى استراتيجية وخطط عمل بعيدة المدى لا يحل مشاكل الماء والكهرباء والخبز وحوامل الطاقة فحسب، بل يحل مشكلة الأمن القومي، ويفوز بالكماليات.
الفرق هو وجود مشروعٍ قوميٍ من عدم وجوده، مشروع قومي ملائم للقرن الـ21، قاعدته وحاضنته بالضرورة دولة قومية تمتلك مشروعاً واستراتيجية أمن قومي ذات أبعاد أرضية وفضائية شاملة، في آنٍ واحد، يمكن أن تبني مؤسسات مثل “ناسا” الأميركية، أو “روس كوسموس” الروسية، و”إدارة فضاء الصين القومية” China National Space Administration، و”ناسا” تعني طبعاً “إدارة الطيران والفضاء القومية”.
شركات خاصة إنما جزءٌ من استراتيجية أمن قومي
حتى لو بدا أن شركات خاصة تنخرط بصورةٍ متزايدة في السفر الفضائي، مثل شركة Blue Origin (التي يملكها جيف بيزوس، مؤسس شركة “أمازون”)، وشركة SpaceX (التي يملك معظمها إيلون ماسك، والذي ارتبط اسمه بشركة “تيسلا” للسيارات الكهربائية)، وغيرها، فإن التكنولوجيا المستخدمة طورتها المؤسسة العسكرية، أو جرى تطويرها بالتعاقد معها.
كما إن دخول القطاع الخاص على الخط، لا سيما في العقد الفائت، جرت التهيئة له تدريجياً من خلال تشريعات وقرارات تنفيذية وبرامج عمل تتيح تعبئة كل قوى المجتمع في المشروع، بالتنسيق بين القطاعين العام والخاص.
فالقطاع الخاص لا يغرد خارج سرب استراتيجية الأمن القومي التي تتبناها الدولة هنا. على سبيل المثال، الهدف المعلن رسمياً لشركة SpaceX هو تأسيس مستعمرات على كوكب المريخ. فالحديث يدور هنا عن ذراع اقتصادية-سياسية للمنظومة، على غرار “شركة شرق الهند” The East India Company، بالنسبة إلى الاستعمار البريطاني.
وما دمنا في نطاق الشركات المرتبطة بإيلون ماسك، فشركة “ستارلنك” Starlink، أحد أقسام شركة SpaceX، تزود 34 بلداً بخدمة الإنترنت، وقد نشرت آلاف الأقمار الصناعية الصغيرة في الغلاف الجوي، بناءً على طلب ترخيص قدمته “مفوضية الاتصالات الفيدرالية”، الأميركية الرسمية، إلى اتحاد الاتصالات الدولي.
واليوم، أصبحت الاتصالات السريعة والمشفرة عبر شبكة أقمار “ستارلنك” الصناعية أحد أهم عناصر الدعم الغربي للقوات المسلحة الأوكرانية، لا سيما بعد تزويدها بـ11 ألف حقيبة ظهر صغيرة تحتوي معدات اتصال بالأقمار الصناعية، فضلاً عن إعطاء أوكرانيا أفضلية في الفضاء الافتراضي عبر ربطها ببعضها، وبالغرب والعالم، بشبكة “ستارلنك”، في الوقت الذي يجري حظر وسائل الإعلام الروسية، وتلك المؤيدة لروسيا، من الفضاء العام.
يذكر أن الروس عطلوا القمر الصناعي الأميركي Viasat، الذي كان يربط الاتصالات بين هيئة الأركان ووحدات الجيش الأوكراني، قبل ساعة من بدء العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا يوم 24 شباط / فبراير هذا العام. فتدخلت شركة “ستارلنك” عند هذا المفصل الحساس، كما تقول الرواية الإعلامية الغربية السائدة، وحركت 50 قمراً صناعياً صغيراً فوق أوكرانيا، تعمل كمنظومة متكاملة، ما يصعّب إمكانية “تهكيرها” مقارنةً بقمر صناعي واحد كبير في الأجواء العليا مثل Viasat.
فهل استيقظ إيلون ماسك من النوم صبيحة يوم 24 شباط / فبراير، وتابع الأخبار، فقرر التدخل بإمكانيات تكنولوجية متقدمة في صراع إقليمي محتدم ذي أبعاد دولية قبل شرب القهوة أم بعد شربها يا ترى، أم أن إمكانيات شركة “ستارلنك” وغيرها هي بالأساس جزءٌ من استراتيجية الأمن القومي الأميركي؟
خلال أيام، سارعت “الوكالة الأميركية للتنمية الدولية” USAID إلى شراء مئات الصحون اللاقطة لإرسال أقمار “ستارلنك” وتمريرها إلى أوكرانيا. وأعلنت “ستارلنك”، من جهتها، أن خدمة الإنترنت عبر أقمارها، والتي تكلف المشترك الواحد 110 دولارات في الشهر عادةً، سوف تقدم مجاناً في أوكرانيا.
وها هو جيف بيزوس يعمل، بدوره، على تطوير منظومة أقمار صناعية منافسة لمنظومة “ستارلنك” عبر أحد أقسام شركة “أمازون”. فالمنظومة الإمبريالية تعمل على تجديد شبابها تكنولوجياً باستمرار، وتدخل صراعات ومنافسات حادة أحياناً ضمن ذلك السياق، وهذا هو معنى “السوق الحرة” بالنسبة إليها.
أما عندما يتعلق الأمر بتهديدٍ مصيري لتلك المنظومة، من الخارج كالبريكس، أو من الداخل كحركة مناهضة حقيقية للإمبريالية، فإن ديكتاتورية رأس المال المالي تصبح هي القانون العام، وتصبح مصادرة الملكية الخاصة، وإعاقة التجارة الحرة وحركة رأس المال عبر الحدود وتدفق المعلومات والأفكار، وممارسة البلطجة علناً بكل وقاحة، أمراً عادياً.
الفضاء الخارجي واستراتيجية السيطرة على المعادن النادرة
بالإضافة إلى المزايا الاستراتيجية العسكرية للسيطرة على الفضاء الخارجي، يمكن التفكير هنا بالهيمنة على الاتصالات، وحجبها عمن يراد حجبها عنه، والتفكير بأقمار صناعية مسلحة نووياً أو بأشعة لايزر.
إن الميزة الأساسية لاستكشاف الفضاء الخارجي هي وضع اليد على الموارد الثمينة والنادرة، التي تزخر بها الكواكب والكويكبات والمذنبات، بما يحقق ميزة تفوّق اقتصادية-سياسية للجهة التي تضع يدها عليها. فاستكشاف الفضاء الخارجي يجري بدوافع أرضية أساساً، لاستغلال تلك الموارد النادرة، وحرمان المنافسين منها، وهو ما ينعكس مباشرة على ميزان القوى على الأرض.
وسبق أن وضعت مادة، بالإنكليزية، في 30/9/2020، بعنوان “تعدين الفضاء الخارجي: القمر بات متاحاً للأعمال التجارية” Mining Outer Space: The Moon is Open for Business، بعد أن حفلت وسائل الإعلام الغربية الرئيسية بتقاريرَ عن مسعى وكالة “ناسا” لتجنيد شركات خاصة كي تسهم في تعدين الموارد الطبيعية على القمر.
وكان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قد وقع أمراً تنفيذياً، في نيسان / إبريل 2020، يسمح للمواطنين والشركات الخاصة الأميركية باستكشاف الموارد الطبيعية على القمر والكويكبات التي يزدحم بها الفضاء وتعدينها وتملكها وبيعها، وهو ما عدته روسيا حملةً إمبرياليةً في الفضاء الخارجي.
وكان الرئيس الأسبق أوباما قد وقع عام 2015 تشريعاً أسس القواعد القانونية لحقوق التملك الخاصة بالأميركيين في الفضاء الخارجي.
يتعلق جوهر المشكلة بما يسمى الموارد غير المتجددة على كوكب الأرض، وهي الموارد التي احتاجت الطبيعة ملايين السنين في إعدادها، وراح البشر يستنفدونها في بضعة قرون، أو حتى في عقود. وثمة تقرير يقول إن البشر استنفدوا منذ خمسينيات القرن العشرين كمية من المعادن أكثر مما استهلكوه منذ نشوء الحضارات على هذا الكوكب.
المشكلة في مثل هذه الموارد أنها محدودة، وغير متجددة، ويتوقع أن ينفد بعضها خلال بضعة عقود. وبالنسبة إلى من يخطط استراتيجياً، ولا يفكر في قوت يومه فحسب، فإن ذلك يعني دماراً اقتصادياً شاملاً حتى قبل نفاد تلك الموارد نهائياً، إذ إن ارتفاع أسعارها، مع تزايد ندرتها، قد يسبب اختناقات حقيقية في قطاعات اقتصادية مختلفة عالمياً.
كما إن الدول التي تمتلك كمية أقل من تلك الموارد، سوف تصبح تحت رحمة الدول التي تمتلك كمية أكبر منها، كما هي حال أوروبا اليوم مع النفط والغاز الروسيين.
تشير التقارير العلمية المتداولة غربياً، على سبيل المثال، إلى أن معظم احتياطيات العالم من النفط، إن لم تكتشف احتياطيات جديدة، سوف تنضب عام 2052، أي بعد 30 عاماً؛ وأن معظم احتياطيات العالم المعروفة حالياً من الغاز سوف تنضب عام 2060؛ وأن احتياطيات العالم المعروفة من الفحم سوف تنضب عام 2090.
لذلك، فإن التحول إلى موارد طاقة نظيفة لا يتعلق بالضرورة بالحرص الليبرالي الغربي الأجوف على نظافة البيئة (الحرص على نوعية حياة الفرد)، بل يتعلق بدرجةٍ أكبر بالحرص على البقاء، أي بقائها وبقاء هيمنتها، وميزان القوى الدولي، وبالحاجة إلى إخفاء الدوافع السياسية القذرة بأقنعة “نظيفة”، مثل الحاجة إلى إعاقة نمو الصين الاقتصادي تحت عنوان اعتمادها المفرط على الفحم، الأكثر تلويثاً للبيئة من النفط، ومثل الحاجة إلى إخفاء أطماع الدوائر الإمبريالية في الأراضي والمياه الغنية بالنفط والغاز، شرق المتوسط أنموذجاً.
المياه العذبة مشكلة بحد ذاتها، لأنها لا تشكل إلا 2.5% من مجموع الكتلة المائية على كوكبنا. لكنْ، لنفترض أننا تمكنا من تحلية مياه البحر (بأي طاقة؟)، ومن إيجاد بدائل للنفط والغاز، فإن هناك مجموعة من المعادن غير المتجددة التي ما برحت تنضب بصورةٍ متسارعة، فيما تزداد الحاجة إليها مع تزايد عدد السكان الذي يكاد يبلغ 8 مليارات على كوكبنا.
الفسفور والأمن الغذائي للكوكب
خذ الفسفور مثلاً. هذا المعدن موجود فقط في الفوسفات. وهو ضروري للزراعة وتصنيع الأسمدة، وبالتالي للأمن الغذائي للبشر. والفوسفات يتوقع أن ينضب خلال 50 عاماً، وبعض التقارير تقول 100 عام. وتتوزع احتياطيات الفوسفات المعروفة في العالم على الشكل التالي: 50 مليار طن مكعب في المغرب، 3.2 مليار في الصين، 2.8 مليار في مصر، 2.2 مليار في الجزائر، 1.8 مليار في سوريا، 1.6 مليار في البرازيل، 1.4 مليار في كلٍ من السعودية وجنوب أفريقيا، ونحو 1 مليار في كلٍ من أستراليا والولايات المتحدة الأميركية وفنلندا والأردن، وأقل من مليار واحد في روسيا.
تخيلوا، بناءً على هذه الأرقام، لو أنشأ العرب عملة واحدة، وتقاضوا ثمن الفوسفات وغيره بها.
الرجاء الانتباه إلى أن الإحصاءات أعلاه هي لحجم احتياطيات الفوسفات، لا لحجم الإنتاج سنوياً، إذ إن بعض الدول تستنزف احتياطياتها من الفوسفات بسرعة بالغة، وتتبوأ عالمياً مراتب أعلى في الإنتاج السنوي للفوسفات من مرتبتها في سلم الاحتياطيات.
مشكلة هيمنة الصين على عدد من المعادن النادرة
كان هذا مثالاً، وثمة معادن أخرى يجري استنزافها عالمياً بسرعة بالغة. الحديد مثلاً متوفر بكثرة في عمق كوكب الأرض، ويتوقع أن ينضب عام 2060، في حين يتوقع أن ينضب الذهب عام 2050. وكذلك بالنسبة إلى عددٍ من المعادن الأخرى. وهذه التوقعات مبنية على معدلات الاستخدام الحالية، مع ثبات الكميات المكتشفة عند مستواها الحالي طبعاً.
ولذلك، لا تخزّن الولايات المتحدة احتياطيات استراتيجية من النفط فحسب، بل من عددٍ من المعادن أيضاً.
وهناك عدد من المعادن النادرة والمستنزفة التي تكتسب أهمية كبيرة في الصناعات الإلكترونية والتكنولوجية المتقدمة مثل الغاليوم والإنديوم والكوبالت والبلاتين، والقائمة تطول.
والحبكة أن الصين تسيطر على بعض أنواع المعادن النادرة والمستنزفة والتي يصعب استبدالها، لا سيما تلك التي تستخدم في إنتاج البطاريات، وقد فرضت قيوداً على تصديرها خارج الصين، ما أدى إلى ارتفاع سعرها، وهو ما يتطلب غربياً البحث عن بدائل في كل مكان، من الأرض إلى القمر وأبعد.
وموضوع البطاريات وموادها بالذات بات استراتيجياً مع الانتقال إلى السيارات الكهربائية، ومعها ازدادت أهمية معدن الليثيوم ومشتقاته. وتنتج الصين 90% من المعادن شديدة الندرة عالمياً ذات الاستخدام الصناعي، بحسب تقرير لموقع Mining Technology عام 2020. وهو أمرٌ لا شك في أنه يجعل فرائص الغرب ترتعد.
وفي بادرة لتخفيض أسعارها العالمية، أطلقت الصين في العام الفائت مئات آلاف الأطنان من معادن الزنك والنحاس والألومنيوم في الأسواق العالمية. لكن ذلك لم يعفها من تهمة السعي لاكتناز المعادن ذات الاستخدام الصناعي والتكنولوجي المعاصر.
وكانت الولايات المتحدة الأميركية قد أسست تكتلاً عام 2019 من 10 دول، تقع كلها جنوب الكرة الأرضية، للتنقيب عن الليثيوم والنحاس والكوبالت.
وبشكلٍ عام، فإن الموارد الطبيعية بأنواعها، ومنها النفط والغاز والمعادن، تتركز في 5 دول: الصين والسعودية وكندا والهند وروسيا. و3 من هؤلاء أعضاء في منظومة البريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون. وسبقت معالجة أهمية معدن البالاديوم، ومدى اعتماد العالم على إنتاج روسيا منه (ثم جنوب أفريقيا، عضو البريكس أيضاً)، في مادة “وجه آخر للصراع العالمي: حديدٌ عتيقٌ لكونٍ جديد”، في الميادين نت، في 5/4/2022.
البعد الهوليوودي: ليس خيالاً علمياً بالضرورة
الكويكب هو كوكب صغير يدور في حقل جاذبية أحد الكواكب الأكبر حجماً، ويتراوح طول قطره بين بضعة أمتار وعدة كيلومترات أو أكثر. وهو ذو طبيعة صخرية أو معدنية عادةً، تزخر بعناصر مثل الذهب والفضة والبلاتين والفسفور والأنتيمون والزنك والقصدير والرصاص والإنديوم وغيرها من المعادن النادرة الضرورية جداً للإنتاج الصناعي المعاصر والزراعي.
أما المذنبات فتتكون من الغبار والغاز والجليد. لكن هذا لا يعني أنها بلا فائدة، إذ إن الجليد يمكن فصله، باستخدام الطاقة الشمسية، إلى أوكسجين وهيدروجين، ما يتيح تزويد المحطات والسفن ومواقع الاستكشاف بالطاقة في الفضاء الخارجي.
وكان ارتطام الكويكبات بسطح الكرة الأرضية، على مدى ملايين السنين، أحد أهم مصادر المعادن في قشرة كوكبنا، مع العلم أن الكثير من المعادن توجد عميقاً في باطن الأرض، على عمق مئات وربما آلاف الكيلومترات، وهو ميدانٌ آخر للاستكشاف في العمق.
لا تظنوا أن أفلام “الأكشن” الهوليوودية، في الفضاء الخارجي، أو عميقاً في باطن الأرض، هي للتسلية والترفيه والربح التجاري فحسب، بل كثيراً ما تستكشف تلك الأفلام سيناريوهات محتملة، والخيارات والتحديات التي تبرزها، وكيفية الاستعداد لها، كتجربة مختبرية.
على سبيل المثال، انظر فيلم Best Defense عام 1986، عن غزو عراقي للكويت وتدخل عسكري أميركي لإخراج القوات العراقية من الكويت، مع العلم أن ذلك لم يحدث حتى عام 1990.
وانظر فيلم Long Kiss Goodnight عام 1996 عن مؤامرة تعدها وكالة المخابرات المركزية الأميركية CIA في ولاية نيويورك للقيام بتفجير كبير، يقضي فيه 3000 أميركي، وينسب إلى شخص عربي، مع أن مثل ذلك التفجير لم يحدث حقاً حتى عام 2001.
وقد راجعت عدداً من الأفلام الهوليوودية التي تشبه تجارب مختبرية في أحد فصول كتاب “الرسالة السياسية لهوليوود: تفكيك الفيلم الأميركي” (2013). وأرى أن بعض أفلام “الخيال العلمي” لا تخرج عن ذلك السياق، ومنها مسلسل “المئة” The 100، الذي أنتجت منه سبعة مواسم بين عامي 2014 و2020، والذي لا يخلو من رسائل أرضية، إذ إن موسمه الأول يبدأ بهبوط مئة من البشر من سكان سفينة فضائية على الأرض ليمارسوا احتلالاً، بكل ما للكلمة من معنى، لكنهم يظهرون كأبطال “فرضت عليهم ظروفهم” أن يحتلوا ويقتلوا ويستغلوا، وأن يظهروا بصورة في غاية البراءة بعدها (فانتبهوا ماذا يشاهد أولادكم وبناتكم).
المهم، ثمة نحو مليون كويكب في منظومتنا الشمسية، التي يشكل كوكب الأرض فاصلة صغيرة فيها. وقد بات الإبحار في منظومتنا الشمسية حاجةً ماسةً، اقتصادياً واستراتيجياً، للقوى العظمى على الأرض. من هنا، السباق المحموم للوصول إلى موارد الفضاء الخارجي، وهذا يعني حالياً الاستثمار المكثف في جعل السفر والشحن عبر الفضاء مجدياً اقتصادياً.
وقد انخفضت كلفة شحن كيلوغرام واحد خارج الغلاف الجوي للكرة الأرضية، في العقود الفائتة، من مئات آلاف إلى عشرات آلاف إلى آلاف الدولارات بالمتوسط، ويجري العمل الحثيث على تخفيضها إلى بضع مئات من الدولارات، قريباً، مع العلم أن بعض التقارير تعترض على هذه الطريقة في قياس تكلفة السفر والشحن الفضائي.
أخيراً، هناك وجهة نظر غربية بأن الأرض، بمواردها النادرة، والتزايد الانفجاري في عدد سكانها، وصراعاتها، على وشك أن تصبح غير قابلة للسكن خلال عقود قليلة.
ولذلك، ثمة مخططات غربية نخبوية لتأسيس مستعمرات متحضرة مرفهة في كواكب أخرى، بعيداً عن كل هذا، تحت عنوان حفظ النوع والحضارة البشرية. ومن البديهي أن الحديث هنا يدور عن هجرة تامة، لا عن توظيف الموارد الفضائية أرضياً، وهو ما عالجه عددٌ من أفلام هوليوود أيضاً. والحقيقة ربما تصبح أغرب من الخيال.
المصدر: الميادين