مع ارتماء النظام السعودي أكثر فأكثر في أحضان المشروع الأميركي، وتفتيت المنطقة ومهاجمة إيران، فهو مهدّد في تماسك حدوده الجغرافية، واحتمال تصاعد القلاقل الاجتماعية والقبلية على أرض مذهبية عند حدوده الشمالية الشرقية والجنوبية الغربية.
منحت السعودية
منحت السعودية “إسرائيل” غطاءً إقليمياً لم يتوافر لها من قبلُ في تاريخ الصراع العربي – الصهيوني
فوجئ كثير من المواطنين العرب والمسلمين، يوم الثاني عشر من شهر تموز/يوليو 2006، بإعلان مصدر رسمي سعودي رفض ذكر اسمه – وإن كان من المرجَّح أنه وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل – رَفْضَ المملكة لعملية حزب الله في لبنان بخطف جنديين للاحتلال الإسرائيلي، من أجل مبادلتهما بالأسرى العرب في السجون الإسرائيلية. وذهب المصدر السعودي الرسمي إلى حدّ وصف هذا العمل المقاوم بأنه “مغامرة غير محسوبة، من شأنها أن تضر بلبنان”!
وتبع الإعلان السعودي كالعادة إعلان مصري – أردني مشترك، مستخدماً الألفاظ والتعابير نفسها تقريباً!
وبهذا حدث الاصطفاف السعودي مع “إسرائيل” بصورة علنية، وهو ما منح “إسرائيل” غطاءً إقليمياً لم يتوافر من قبلُ في تاريخ الصراع العربي – الصهيوني، فذهب العدوان الإسرائيلي الوحشي ضد لبنان ومقاومته الوطنية والإسلامية إلى مدى غير مسبوق، من حيث التدمير لكل معالم البشر والحجر.
صحيح أن النتيجة لم تأتِ كما أرادتها الولايات المتحدة و”إسرائيل”، ومن خلفهما ما سُمِّي “محور المعتدلين العرب”، وفي طليعتهم المملكة السعودية والنظامان المصري والأردني، بحيث مُنيت “إسرائيل” بثاني هزيمة حقيقية في الميدان العسكري، منذ تفجر الصراع مع هذا الكيان قبل مئة عام من الصراع الممتد، بيد أن المحللين الاستراتيجيين العرب – وغير العرب – المستقلين والوطنيين، لم يُفاجَأوا بهذا الموقف السعودي، فمسار السياسة السعودية (منذ ظهور هذه الأسرة المالكة في الأراضي الحجازية ونجد في مطلع العقد الرابع من القرن العشرين، وتأسيس مملكتها عام 1930) وموقعها في الاستراتيجيات الغربية (البريطانية ثم الأميركية) كانا يضعان هذه المملكة الجديدة في قلب المصالح الحيوية الأميركية، على نحو يكاد يقاربها من المركز الإسرائيلي من منظومة الأمن القومي الأميركي.
وأخيراً، في الأعوام القليلة التي اعتلى فيها محمد بن سلمان منصب ولاية العرش السعودي، منذ عام 2017، والتقارب شبه العلني مع الكيان الإسرائيلي، وما استتبعه من انبطاح إماراتي وبحريني لـ”إسرائيل”، وتوقيع ما سُمِّيَ “اتفاقيات أبراهام” عام 2020، بدا من الواضح أن تغيراً استراتيجياً جرى في منطقتنا، على نحو يستدعي تحليل مسار هذا النظام السعودي ومآله في المستقبل المنظور.
وعلينا الآن، كمحللين عرب – بعيداً عن الأبعاد الشخصية – أن نتوقف عند إجراء تحليل موضوعي بشأن الدور والموقع لهذه المملكة – وهذه العائلة – في منظومة الأمن القومي العربي، وكذلك مركزها في منظومة الأمن القومي الأميركي. وسوف نتناول موضوعنا عبر خمسة محاور رئيسة، هي:
المحور الأول: لماذا أصبح الاهتمام بالسياسات السعودية مهماً جداً لحاضرنا ومستقبلنا؟
المحور الثاني: التحليل الموضوعي لأداء النظم السياسية الحديثة.
المحور الثالث: الدعائم والركائز لسياسة النظام السعودي ومفهومه للأمن القومي.
المحور الرابع: مركز المملكة السعودية في منظومة الأمن القومي الأميركي.
المحور الخامس: ما هو مستقبل النظام والعائلة السعوديَّين؟
فلنبدأ، إذاً، بالمحور الأول: لماذا الاهتمام بالسياسة السعودية؟
نحن نهتم بهذه السياسات السعودية نتيجة عدة أسباب، هي:
أولاً: وزنها الاقتصادي الضخم، سواء على الصعيد العالمي، أو الصعيد الإقليمي، من حيث:
1- حجم إنتاجها وتصديرها من النفط (تبيع المملكة صباح كل يوم ما يتراوح بين 500 و600 مليون دولار، وفق أسعار 50–60 دولاراً للبرميل، تتضاعف في حال زيادة أسعار برميل النفط في السوق العالمية).
2- حجم الودائع والأموال السعودية في الاقتصاد الغربي (والتي تقدَّر بحجم يتراوح بين 1.2 تريليون دولار وتريليوني دولار، ويملكها أفراد من العائلة المالكة، والحكومة وأجهزتها الرسمية، حتى ذلك التاريخ).
ثانياً: انعكاس الوزن الاقتصادي والوزن الجغرافي للمملكة سياسياً على الإقليم العربي، من زاويا، مثل:
1- أنها العنصر المؤثر في سياسات منطقة الخليج العربي بصورة حاسمة وقاطعة.
2- أنها – بخروج مصر من معادلات القوى الإقليمية – أصبحت العنصر المؤثّر، بالمال والأفراد، في سياسات الإقليم العربي كله (العراق – لبنان – اليمن – مصر – السودان وغيرها).
3- أنها – في تحوّلاتها العميقة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 – أصبحت أداة طيّعة وخاضعة أكثر للابتزاز الأميركي (والصهيوني)، من أجل التحالف مع “إسرائيل” موضوعياً.
4- وهي، منذ ذلك التاريخ، أصبحت أداة أكثر أهمية في الاستراتيجية الأميركية من أجل “بلقنة” المنطقة عبر الصراع، طائفياً ومذهبياً (سنّة وشيعة). ولا يمكن لطرف عربي القيام بهذا الدور سوى المملكة السعودية، ولا يستطيع أيّ طرف عربي القيام بهذا الدور، مثلما تؤديه المملكة السعودية.
ثالثاً: هي، بحكم تركيبتها القبائلية والعشائرية والعائلية، تصبح أكثر خطرا من حيث:
1- إنها أيضاً معرّضة للتفجير الداخلي.
2- هي، بحكم هذه التركيبة الاجتماعية، تمثل نموذجاً يُحتذى به في معظم نُظُم الحكم العربية (التوريث)، سواء أكانت أنظمة حكم “جمهورية”، أم غير جمهورية.
3- هي أيضاً – بحكم هذه التركيبة الاجتماعية – تصبح أكثر عرضة للابتزاز، ويبرز منها أكثر التيارات المعادية لأفكار: “المقاومة” و”الانتخابات” و”النزاهة” و”الاقتصاد الوطني” و”معاداة الصهيونية والاستعمار”… إلى آخر هذه المعاني والقيم الإيجابية في حياتنا العربية.
4- هي – بحكم استنادها وارتكازها على “طبقة رجال الدين الوهابيين والسلفيين”، ومتاجراتها، في النطاقين العربي والإسلامي، بالنص الديني وبـ”الإسلام” – تصبح أكثر خطراً على سائر المكونات الثقافية العربية، وهي تُعَدّ المعمل الرئيس العالمي لكل الأفكار الإرهابية، سواء على صعيد “النص”، أو على صعيد “الحركة” السياسية.
هذا من حيث أهمية المملكة السعودية، كدولة وعائلة وكيان.
إذا انتقلنا إلى المحور الثاني الخاص بالتحليل الموضوعي لأداء النظم السياسية الحديثة، وموقع النظام السعودي منها، فإننا نجد أنفسنا إزاء معطيات موضوعية، أبرزها:
1 – في تحليل سياسات النظم القديمة والجماعات البدائية والقبلية، كانت تلك السياسات تتحدد في ضوء عناصر محددة ومحدودة، هي:
(أ) ينحصر مفهوم المصلحة الخاصة بالجماعة أو القبيلة في المعنى الضيق للمصطلح، مثل المراعي والكلأ والماء وغيرها.
(ب) زعيم القبيلة أو العشيرة، وهو وحده غالباً الذي يحدد مناط تلك المصالح، ثم يتولى رسم خطوط التحالفات أو الخصومات مع الجماعات الأخرى المجاورة أو المنافسة.
2- أمّا في تحليل سياسات النظم الحديثة، فالنظرة تتباين، والأدوات أيضاً تتباين، وآليات العمل. وهي تطوّرت فيما يمكن أن يُطلَق عليه في الأدبيات السياسية والاستراتيجية “نظريات الأمن القومي للدولة” national security، والتي تُشتق منها السياستان الخارجية والدولية لهذه الدولة أو تلك، وهي تتحدد في عنصرين أساسيين، يتفرع منهما عشرات العناصر والعوامل:
العنصر الأول: تحديد الطبيعة والمناط للمصالح القومية وتشمل (المصالح الحيوية والمصالح الحساسة، وأخيراً المصالح الممكنة). وقطعاً، فإن هذه المصالح تضم مروحة واسعة تبدأ بالمصالح الاقتصادية، والمصالح السياسية، مروراً بالمصالح الثقافية، والمصالح العسكرية… إلخ.
العنصر الثاني: تحديد مصادر الخطر والتهديدات، وتشمل التهديدات الداخلية والتهديدات الخارجية، وتتم دراسة طبيعتها ومستواها (عسكرية، أو اقتصادية، أو علمية، أو غيرها) من ناحية، وتحديد: هل هي تهديدات قائمة، أم تهديدات محتملة؟
يترتب على ذلك وضعُ السياسات المطلوبة من حيث كونها إجراءات وسياسات وقائية، أو إجراءات وسياسات نشطة. وعلى الفور، يتم توزيع الأدوار والمسؤوليات بين الأجهزة المسؤولة والشخصيات القيادية في النظام والحكم، بدءاً بالرئيس أو الملك، نزولاً إلى أجهزة الأمن القومي، والأجهزة التنفيذية والتشريعية، بما في ذلك مجلس الوزراء.
3- في ضوء هذا التحديد الاستراتيجي العام، والذي تقوم به مؤسسات مهمة في الدولة والمجتمع، مثل:
– رؤية كبار المفكرين والاستراتيجيين.
– الهيئات التمثيلية والشعبية (المجالس المنتخبة).
– أجهزة الأمن القومي المتخصصة.
-المزاج الشعبي أو الرأي العام.
4 – يجرى بناء استراتيجيات الدولة وأمنها القومي، ورسم سياسات الأمن وسائر المنظومتين الاقتصادية والسياسية، مثل:
(١) موقع الحلفاء والأصدقاء.
(٢) طبيعة المصالح المشتركة مع الأطراف القريبة والبعيدة.
(٣) الوسائل والسياسات المستخدمة لتحقيق تلك الأهداف الاستراتيجية.
(٤) طبيعة الإجراءات الوقائية المطلوبة.
(٥) طبيعة الإجراءات الردعية ونطاقها.
(٦) وأخيراً، الإجراءات التعرّضية أو الهجومية (سواء بالعمل المباشر أو غير المباشر).
5 – ينبثق من كل هذا، الخطاب السياسي للدولة وللمسؤولين فيها، والسياسات اليومية التي تعبّر عنها تصرفات أجهزة الدولة وتصرفات القائمين عليها.
إذاً، نأتي إلى المحور الثالث بشأن الدعائم والركائز للسياسة السعودية:
في الحسابات السعودية – منذ ظهور هذا النظام في مطلع الثلاثينيات من القرن العشرين، حتى يومنا – لم يبتعد كثيراً في مفهومه للأمن القومي عن مفهوم “القبيلة” أو “العائلة” أو “العشيرة”، بحيث نجد:
1- أن مفهومه للخطر أو الأخطار أو التهديدات يكاد ينحصر فيما يُسمى “الوجود والسيطرة للعائلة المالكة”، أي “آل سعود”، في هذه الرقعة الجغرافية الضخمة (الحجاز ونجد)، والتي كُشف عنها الغطاء من جانب البريطانيين والأميركيين، فإذا بها كنز علاء الدين النفطي.
3- تطابقت مفاهيم المصلحة القومية لدى العائلة السعودية مع إقامة علاقات وطيدة بهذا “الخواجة” – على حد وصف مؤسس تلك الدولة، عبد العزيز آل سعود، ووصيته لأبنائه لحظة وفاته، قائلاً: “إياكم والخواجة.. لا تُغضبوه.. وحافظوا على علاقاتكم به.. فهو مَن حوّل الرمال الصفراء إلى أموال وثروة”.
4- وفق هذا تأسّس مبكّراً مفهوم للأمن القومي السعودي يقوم أساساً على التبعية المطلقة للولايات المتحدة وشركاتها. ومن دون هذه المصلحة تتوارى سائر المصالح العربية والإسلامية، بل إن الأخيرة هي مجرد “برقع” الحماية الظاهرية لهذا النظام العائلي المحافظ، وتبقى العلاقة بالولايات المتحدة وشركاتها وأجهزة استخباراتها هي مناط المصلحة “القومية” لدى تلك العائلة المالكة.
4- يتأسس على هذا – في أداء النظام السعودي منذ عام 1932 حتى يومنا في علاقاته العربية – الركائز التالية:
(أ) المحافظة على وجود العائلات المالكة في منطقة الخليج العربي كما هي من دون أي تغيير (آل صباح، آل ثاني، آل خليفة، آل زايد، آل مكتوم… إلخ)، والدفاع عنها، بحيث تظل هي المحيط الحيوي الذي يمنح العائلة السعودية قيمة النموذج المطلوب، وهو ما يُضفى أهمية استراتيجية على وجود “آل سعود” في حكم المملكة الأكبر مساحة، والأكثر غنىً: مالياً وديموغرافياً.
(ب) المناهضة والمحاربة لأيّ دعوات إلى الوحدة القومية والعربية، و – من باب أولى – الدعوة إلى العدالة الاجتماعية والاشتراكية، وعدالة توزيع الثروات، وغيرها من الأفكار والقيم الإنسانية والتقدمية.
(ج) العمل بكل قوة على ما يسمى “استقرار الأوضاع في المنطقة” كما هي، والابتعاد بالتالي عن كل ما من شأنه التأثير في هذا “الاستقرار”، بما في ذلك “وجود إسرائيل”، وكذلك مناهضة الأنشطة “التحررية”، مثل المقاومة الفلسطينية، أو اللبنانية، أو العراقية، وقبلها السياسات الناصرية أو “البعثية”. ولم يكن تمويل العائلة السعودية لمنظمة “فتح” قبل عام 1990، وحركة حماس بعد ذلك التاريخ، إلّا من باب ذر الرماد في العيون، ولاضطرار تُمليه ضرورات ترويض بعض المنظمات الفلسطينية وحماية المصالح السعودية بعيداً عن الاستهداف.
وبالتالي، من يتصور أن موقف العائلة السعودية من العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز/يوليو 2006 كان مفاجأة، فإنه لا يفهم أسس سياسة العائلة السعودية وركائزها، فهذا هو الأصل والأساس في معاداة حركات المقاومة الوطنية والقومية، سواء من زاوية تركيبته المحافظة، أو باعتبار دوره الوظيفي في الاستراتيجية الأميركية عموماً.
5- لأن هذه العائلة السعودية لا تملك من مقومات الدولة وأسسها الحديثة سوى تلك العلاقات والروابط القبلية في الحجاز ونجد، من علاقات مصاهرة وولاء بالمال، وقهر القبائل المعارضة أو المشكوك في ولائها، فلقد تغطت لحماية وجودها واستمرارها بقوتين، لا ثالثه لهما، في مواجهة المخاطر وأطماع دول الجوار طوال الأعوام السبعين الماضية، هما:
القوة الأولى: قوة الاستعمار البريطاني في المرحلة الأولى، ثم قوة الولايات المتحدة في مرحلة تالية، سواء بالوجود العسكري المباشر، أو النشاط الاستخباري الواسع المدى، أو الدعم، سياسياً وإدارياً.
القوة الثانية: دعاوى دينية وخطاب سلفي وهابي رجعي، يغازل المشاعر الفطرية والبسيطة لشعوب المنطقة العربية والعالم الإسلامي، ثم في مرحلة ثانية خاصة – منذ منتصف الستينيات – يقوم باختراق الجماعات السياسية الدينية في الدول العربية والإسلامية، وإغداق الأموال عليها لشراء ولائها واستخدامها أذرعاً للسياسة السعودية في تلك البلدان (الإخوان المسلمين في مصر والعالم العربي، ثم الجماعات الدينية في الباكستان واليمن وغيرهما).
6- كان المال السعودي مجرد أداة لتسهيل الوجود، وكان عنصراً إضافياً لنفوذها السياسي في المنطقة، وخصوصاً بعد أن انهارت التجارب الوطنية العربية (الناصرية والبعثية والاشتراكية)، وصراعاتها ضد بعضها البعض، لكن ركائز القوى السعودية تظل متمثلة بالعنصرين السابقين.
والآن، وفقاً للمحور الرابع: أين مركز العائلة السعودية والنظام السعودي في منظومة الأمن القومي الأميركي؟
كما هو معروف في كل الأدبيات الاستراتيجية الأميركية، فإن سياسات الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط كلها تتركز من أجل تحقيق هدفين، هما:
الأول: المحافظة على إمدادات النفط بانتظام ومن دون انقطاع، وبأسعار تحددها الشركات الأميركية والغربية.
الثاني: ضمان أمن “إسرائيل” كمشروع استعماري استيطاني وظيفي متكامل.
وفى سبيل هذا، تلاقت المصالح الأميركية (ومن ضمنها الإسرائيلية) ومصالح العائلة المالكة السعودية في معظم سياساتها وأهدافها الاستراتيجية الكبرى، مثل:
1- محاربة الأفكار والحركات اليسارية والقومية والإسلامية التحررية في المنطقة، بدءاً بالوحدة المصرية – السورية، مروراً بتوريط الجيش المصري في اليمن، ومحاربة محاولة الوحدة الثلاثية بين مصر والعراق وسوريا عام 1963، وانتهاءً بما يسمى الحرب ضد الشيوعية في أفغانستان، ودعم جماعات المرتزقة والقبائل في ذلك البلد.
2- العمل باستمرار كـ”حصان طروادة” في منظمة الدول المصدّرة للنفط (أوبك)، من أجل تحطيم الوحدة السعرية والإنتاجية لدول المنظمة. وكلها سياسات تصب في مصلحة الولايات المتحدة ودول الغرب الأوروبي.
3- توظيف نحو 80% من الفوائض المالية السعودية – ومثلها فعلت سائر مشيخات الخليج العربي – في دولاب الاقتصاد الأميركي بصورة خاصة، والغربي بصورة عامة، مثل أسهم الشركات المتعددة الجنسيات، وسندات الخزانة الأميركية والبريطانية والأوروبية، وفي ودائع لدى البنوك والمصارف الأميركية والأوروبية، وتوجيه سياسات الإقراض لدى المؤسسات التمويلية الدولية طبقاً لقيود تلك المؤسسات التي تقودها وتوجّهها السياسة الأميركية.
4- يقدَّر حجم تلك الفوائض المالية التي يملكها أفراد من العائلة السعودية والمؤسسات الرسمية السعودية والحكومية بما بين 1.2 تريليون دولار وتريليوني دولار في عام 2007. وإذا أضفنا إليها فوائض شيوخ دول الخليج العربي، فإن الرقم قد يتجاوز ما يتراوح بين 2.5 تريليون دولار و3.5 تريليونات دولار، بينما تعاني الشعوب العربية والإسلامية ثالوثَ الفقر والمرض والجهل، من دون بذل أيّ جهود سعودية وخليجية حقيقية لتوظيف جزء ملائم من هذه الأموال واستثمارها لدى هذه المجتمعات العربية والإسلامية.
5- أمّا بالنسبة إلى “إسرائيل”، فلقد ظل موقف العائلة المالكة السعودية، والسياسة الرسمية السعودية، أمراً غير نَشِط في العداء. ويقتصر دور سياسة السعودية ودعمها للجهد العربي المقاوم، منذ عام 1967 حتى عام 1993، على مجرد تقديم دعم مالي وغطاء دبلوماسي في المحافل الدولية من دون أن تذهب إلى أبعد من ذلك، في الوقت الذي كانت العائلة السعودية وسائر العائلات المالكة في الخليج تحقق مكاسب مالية ضخمة جراء تفجر كل نزاع أو صراع في المنطقة، بدءا بحرب أكتوبر عام 1973، مروراً باحتلال العراق في نيسان/أبريل 2003، حتى النزاع الروسي الأوكراني الأخير.
6- لكن، بعد مؤتمر مدريد عام 1991، وتوقيع تلك الاتفاقية المسكونة بالشك، “اتفاقية أوسلو”، عام 1993، بدأ الموقف السعودي يتحول بالتدريج إلى منطقة “الحياد المطلق” العلني بشأن الصراع العربي – الصهيوني، وخصوصاً مع انتقال الموقف المصري المخزي منذ (“اتفاقية كامب ديفيد”) عام 1978 إلى حد التنسيق والتعاون الاستخباريَّين مع “إسرائيل” ضد المقاومتين الفلسطينية واللبنانية وغيرهما.
7- بعد الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001، جرى تحول أكثر عمقاً في العائلة السعودية، تحت ضغط الابتزاز الأميركي والابتزاز الصهيوني. ووجد هذا الضغط وهذا الابتزاز دعماً وتأييداً من جانب تيار في العائلة المالكة (جناح سلطان وابنه بندر ونايف وسعود وتركى وسلمان وغيرهم). وعبّر هذا التيار عن نفسه في السياسات السعودية خلال الأعوام اللاحقة، سواء بالتعاون فيما سُمّي “الحرب ضد الإرهاب”، أو في مناهضة علنية للمقاومة فى فلسطين ولبنان، حتى رسا الأمر عند ذلك الموقف المخزي يوم الثاني عشر من تموز/يوليو 2006!!
8- في إطار مشروع الشرق الأوسط الموسع، وسياسة المحافظين الجدد ذوي الأجندة الصهيونية، والدفع إلى إجراء تغيرات جيو – بوليتيكية كبرى في المنطقة، والتي تبدو واضحة في العراق والسودان والصومال ولبنان وسوريا، وتأجيج نار الصراعات العرقية والطائفية والمذهبية في المنطقة، المطلوب الآن أميركياً من السعودية والعائلة المالكة فيها هو النفخ في “نفير” هذه الحرب، وهو ما بدا واضحاً في سيناريو كل من لبنان وسوريا، وبداية التحرك السعودي وفق المنطق نفسه في الساحة العراقية.
إذاً، إن حاولنا اختصار المشهد الاستراتيجي العام في المنطقة العربية، وتقييم الدور السعودي الراهن – المتخفي بشعار المعتدلين العرب بصحبة النظامين المصري والأردني، والإمارات والبحرين والمغرب – نجد:
(أ) أن تحالفاً تشكَّل، بعضه مرئي بين مصر والأردن و”إسرائيل”، وبعضه الآخر كان غير مرئي، ويشمل العائلة السعودية وبعض مشيخات الخليج العربي و”إسرائيل”، حتي برز دور محمد بن سلمان عام 2017، ومحمد بن زايد في الإمارات، وأصبح الجميع في مشهد الصورة مع الكيان العنصري في “إسرائيل”.
(ب) أن هذا التحالف – غير المقدس والمشبوه الأغراض والأهداف – مطلوب منه أداء أدوار ضد إيران والمقاومات اللبنانية الفلسطينية والعراقية وفي اليمن. وهو ما يقوم به فعلاً الآن.
وأخيراً، فى ضوء كل هذا، ما هو مستقبل النظام السعودي؟
هذا النظام القبلي والعشائري الفاسد، يجد نفسه الآن في مفترق طرق معقّد:
1-فهو من ناحية – بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر – بدأ يفقد ورقة سياسية مهمة جداً، ظلّ يلعب بها أعواماً طويلة ماضية على المستويين العربي والدولي، وهي ورقة الدعم والتمويل للجماعات الإسلامية المتشددة والوهابية النزعة في طول العالم الإسلامي، وذلك تحت ضغط الولايات المتحدة والغرب بصورة عامة. وتنازل العائلة والنظام السعوديَّين عن هذه الورقة جاء من أجل المحافظة على وجود النظام السعودي ذاته.
2- وهو – من ناحية أخرى – مُطالب من جانب الولايات المتحدة والمحافظين الجدد بالاصطفاف مع “إسرائيل” – عدو العرب والمسلمين الدائم – ضد ما يسمى التطرف الإسلامي وحركات المقاومة في المنطقة، سواء في لبنان أو العراق أو فلسطين، ومن خلف هؤلاء جميعاً إيران وسوريا، وقوى المقاومة الجديدة في العراق واليمن. وكل هذا سيُفقد النظام السعودي جزءاً من شرعيته “الخطابية” والأخلاقية الإسلامية في دوائر عربية وإسلامية متعددة ومؤثرة.
3- وهو، من ناحية ثالثة، يواجه بتطور، من النواحي الاجتماعية والسياسية والثقافية، يضع متطلبات القوى الإصلاحية داخل المملكة وخارجها كقوة ضغط لا يستطيع هذا النظام قهرها طويلاً، والتلاعب بخطاب ديني سلفي شديد التخلف، ومتهَم من جانب الغرب بأنه خطاب إرهابي بامتياز.
4- وهو نظام فقدَ، على النطاق العالمي، شرعيته الأخلاقية بعد عشرات الفضائح المالية والأخلاقية، المتورط فيها كبار رجالات العائلة الحاكمة، وخصوصاً في صفقات السلاح الغربية المريبة، والقتل الوحشي لمعارضيه، كما حدث في جريمة اغتيال الصحافى جمال خاشقجي عام 2018، على نحو يفصح سياسات فساد منظّم، فحوّل المملكة، في نظر وسائل الإعلام الدولية، إلى “مملكة للشر والفساد”.
5- ومع دخول هذا النظام السعودي في حرب شرسة وإجرامية، بلا حدود، ضد الشعب اليمنى منذ أكثر من سبعة أعوام (آذار/مارس 2015)، واستنزافه عسكرياً ومالياً وأخلاقياً وسياسياً، أصبح مهدَّداً في وجوده واستمراره.
6- ومع ارتماء هذا النظام السعودي أكثر فأكثر في أحضان المشروع الأميركي، وتفتيت المنطقة ومهاجمة إيران، فهو مهدّد في تماسك حدوده الجغرافية، واحتمال تصاعد القلاقل الاجتماعية والقبلية على أرض مذهبية عند حدوده الشمالية الشرقية والجنوبية الغربية.
وعلى الرغم من هذا، فإن هذا النظام ووجوده يمثّلان مصلحة استراتيجية للولايات المتحدة، ومعها “إسرائيل”، بسبب التقاء مصالحه الموضوعية بهما. وبالتالي، فإن هذا النظام سيواجه قلاقل ومشاكل كثيرة في الحاضر، وفي المستقبل القريب.
المصدر: الميادين